بعد ساعات قليلة على الهجوم المباغت وغير المسبوق الذي شنته حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر، شهدت جامعة هارفارد، أرقى الجامعات الأميركية، حدثا غير متوقع، إذ صدر بيان يحمّل إسرائيل المسؤولية.
وقالت الرسالة إن "إسرائيل تتحمل بشكل كامل مسؤولية كل أعمال العنف التي تندلع".
وكانت لجنة التضامن مع فلسطين هي التي أعدت البيان، الذي وقع عليه في نهاية المطاف أكثر من 30 منظمة طلابية في الجامعة.
يمثل هذا التطور وجها من وجوه تغير الدعم الشعبي لإسرائيل في الولايات المتحدة، خاصة بين فئة الشباب الذين باتوا يدعمون الشعب الفلسطيني بشكل متزايد.
وهذا الأمر ليس بالجديد تماما.
وقبل أشهر قليلة من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، كتبت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تقريرا، يشير إلى أن الدعم الشعبي لإسرائيل في الولايات المتحدة يتراجع على نحو مطرد.
في المقابل، فإن التعاطف مع الفلسطينيين آخذ في الارتفاع.
مستويات قياسية
أما مجلة "نيوزويك" فقد اعتبرت أن دعم فلسطين بين الأميركيين ارتفع إلى مستويات قياسية في السنوات الأخيرة، مع اعتبار الكثيرين منهم الاحتلال الإسرائيلي "تطهير عرقي".
ومع اندلاع الحرب، غرقت منصات التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة بمقاطع فيديو تظهر مظاهرات داعمة لفلسطين في حرم الجامعات ومراكز المدن، حيث تبين رموزا مثل الكوفية وعلم فلسطين، ويردد كثيرون شعار "فلسطين حرة".
وفي الرابع من نوفمبر الجاري، تظاهر نحو 300 ألف شخص في العاصمة الأميركية واشنطن، وهي المظاهرة الأكبر الداعمة لفلسطين في تاريخ الولايات المتحدة.
الجيل Z ونظرة أكثر تشككا
وبحسب وكالة "رويترز"، فإن الجيل "Z" أو جيل الألفية أكثر تشككا إزاء السياسة الإسرائيلية نحو الفلسطينيين بما يفوق الأجيال الأكبر عمرا.
ويظهر استطلاع للرأي أجرته "رويترز" بالتعاون مع "إبسوس"، أواخر أكتوبر الماضي، أي بعد أسابيع من اندلاع الحرب أن 34 % من الأميركيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18-39 عاما، يعتقدون أن حماس هي سبب الحرب، بينما تصل النسبة إلى 58 % لدى الذين تزيد أعمارهم على 40 عاما.
وحظيت إسرائيل، تاريخيا، بدعم شعبي كبير في الولايات المتحدة، وظل هذا الأمر مستمرا حتى بعد اندلاع الحرب الأخيرة، إذ قال نحو ثلثي المشاركين في استطلاع نشرته الإذاعة الوطنية الأميركية أن واشنطن يجب أن تدعم إسرائيل في حربها على غزة، لكن للشباب رأي آخر.
الأسباب
ويقول موقع "ذا نيشين" الأميركي إن هناك نسبة متزايدة من الأميركيين الشباب تتعاطف مع الفلسطينيين، لأنهم يرون تشابها بين حركة العدالة الأميركية مثل "حياة السود مهمة والفلسطينيين الذين يتعرضون للقمع الممنهج من قبل الحكومة الإسرائيلية".
ويريد الشباب أن يشعروا وكأنهم يفعلون شيئا مفيدا للإنسانية، مثل قضايا العدالة الاجتماعية.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة سان دييغو بولاية كاليفورنيا، جوناثان غراوبارت: "هناك انفتاح كبير على انتقاد إسرائيل وهناك حتى انفتاح على مناهضة الصهيونية".
ويضيف أن هذا الأمر كان مرفوضا اجتماعيا عندما كان شابا.
شبكات التواصل
وتاريخيا، كان الأميركيون يستهلكون الأخبار عبر عدد صغير من وسائل الإعلام، كانت تختار جانب إسرائيل في تغطية الصراع ولا تغطي معاناة الفلسطينيين إلا قليلا.
أما اليوم فقد بات الشباب الأميركي قادر على الوصول إلى أصوات أكثر تنوعا عبر منصات التواصل التي أظهرت أصوات فلسطينية وصلت إلى قلب أميركا.
الهوية الدينية
أما كيري أندرسون الكاتبة والمستشار السياسية، فتقول إن الهوية الدينية تراجعت لدى الشباب الأميركي خاصة لدى شبيبة الحزب الديمقراطي، وهو ما قلل الشعور بفكرة الإخلاص لـ"الأرض المقدسة".
كما لا يقبل هؤلاء الشباب بالافتراضات التقليدية التي تقوم عليها السياسة الخارجية الأميركية.
والعديد من الشباب اليهود الأميركيين أصبحوا أكثر استعدادا للتشكيك في السياسات الإسرائيلية وانتقادها، مما كانوا عليه في الماضي.
أما موقع "prospect" فيقول إن الأميركيين الذين تقل أعمارهم عن 35 عاما، لا يعرفون إسرائيل إلا تحت حكم اليمين المتطرف، المصمم على حصر الفلسطينيين في المناطق المحتلة في بقع جغرافية أصغر من أي وقت مضى، وإجبارهم على الرحيل إلى دول أخرى، وجعل حياتهم لا تطاق.