استدعت وزارة الشؤون الخارجية الموريتانية، السفير المالي المعتمد لدى نواكشوط، حيث أبلغته احتجاجها على ما يتعرض له الموريتانيون من اعتداءات "متكررة"، داخل الأراضي المالية.
وجاء في بيان الوزارة: "ويستمر هذا الوضع غير المقبول على الرغم من التنبيهات التي دأبت بلادنا على القيام بها بمناسبة الحوادث المماثلة، انطلاقا من مبدأ المحافظة على حسن الجوار والعلاقات الوثيقة بين الشعبين الموريتاني والمالي والمصالح المشتركة بين البلدين".
وأضافت الوزارة في بيانها، أنها تنتظر تفسيرا من مالي، "لهذه الأحداث المؤلمة"، مشيرة إلى أن وزير الدفاع حنن ولدسيدي غادر "أمس إلى باماكو محملا برسالة واضحة في هذا الموضوع".
وتأتي هذه التطورات، بعد أن أوفدت باماكو وفدا حكوميا الأسبوع الماضي إلى نواكشوط، محملا برسالة من الرئيس الانتقالي آسيمي غويتا، إلى الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني.
كما يأتي بعد الحديث عن مقتل 7 مواطنين موريتانيا داخل الأراضي المالية خلال الأسبوع الماضي، رغم أن حكومة موريتانيا نفت ذلك، وبعد دخول عناصر من مقاتلي "فاغنر" إلى الأراضي الموريتانية عن "طريق الخطأ"، أواخر الشهر الماضي.
مصير العلاقات بين البلدين
يرتبط البلدان بعلاقات ودية، منذ الستينيات القرن الماضي، ويعتمد معظم ساكنة الولايات الحدودية الموريتانية، في حاجياتهم، على دولة مالي، لكن الفترة الأخيرة شهدت فرض إجراءات مشددة عند المعابر الحدودية بين البلدين على حركة البضائع والأشخاص.
الإعلامي أحمد سالم سيدي عبد الله، يرى أن العلاقات بين البلدين، "ستعود إلى سابق عهدها في أقرب وقت، إذا لم يكن هنالك عامل خارجي يغذي هذا الصراع".
وأشار بهذا الخصوص في تصريحه لموقع "سكاي نيوز عربية" إلى أن "البعد الأول هو صراع القوى العظمى في المنطقة وانحياز كل من الدولتين إلى قطب، ناهيك عن توجه موريتانيا إلى أن تكون دولة غازية وهو ما يجعلها تخفف من الضغط الروسي على حلفائها من الدول الغربية، وذلك أمر في بعده الاستراتيجي سيكون ضربة قوية لروسيا، خاصة أن موريتانيا تمتاز بقربها من أوروبا وهو ما سيمكنها من توفير البديل الملائم لحلفائها في أوروبا، ولا أدري هل فكر صناع القرار في موريتانيا حقيقة في هذا البعد خاصة أن قوات فاغنر تتواجد بكثرة على حدود البلاد مع مالي".
وأضاف أن البعد الثاني هو "أخف من سابقه، ويتمثل في وقوع البلدين تحت تأثير تقارب كل منهما مع إحدى الدول الكبرى في الإقليم المغرب والجزائر".
وبخصوص استدعاء السفير مالي، قال ولد سيدي عبد الله، إن "احتجاج نواكشوط هو تصرف يستند إلى الأعراف الدبلوماسية خاصة في مثل هذه الحالات التي يتكرر فيها الاعتداء على المواطنين الأبرياء، وقتلهم بدم بارد من طرف قوات الجيش وفق ما هو متواتر".
العلاقات بعد وصول العسكريين إلى السلطة
منذ وصول عسكريي باماكو إلى السلطة بقيادة العقيد آسمي غويتا، شهدت العلاقات بين البلدين العديد من المنعرجات، كان آخرها حظر دخول الأراضي المالية على من لا يمتلك إقامة أو تأشيرة، بحسب ما أكد أفراد من الجالية الموريتانية بهذا البلد الذي يحد موريتانيا شرقا.
وتحدث مصادر إعلامية، عن توجه العسكريين إلى فرض التأشيرة على الموريتانيين لدخول مالي.
وشهدت علاقات البلدين بعد وصول العسكريين، العديد من المطبات، لكن السلطات الموريتانية "تمالكت أعصابها" حسب تعبير الإعلامي إبراهيم ولد هريم.
ويقول ولد هريم لموقع سكاي نيوز عربية إن "موريتانيا تعاملت بمنطق مع عسكريي باماكو، للحفاظ على العلاقات بين البلدين، رغم وجود العديد من المطبات"، مؤكدا أنها "لم تعد بتلك القوة بعد 2021، لكنها لم تصل إلى أزمة".
وأضاف في تصريحه أن انسحاب مالي من "مجموعة دول الساحل الخمس 2022، كان بمثابة صفعة لموريتانيا، نظرا لتقاربهما جغرافيا، وفي العديد من المسائل الأخرى"، مشيرا إلى أن ذلك لم يؤثر على العلاقات بشكل مباشر، رغم أن موريتانيا كان تعتبر مجموعة الساحل، الكيان الوحيد لحلحلة جميع المشاكل المتعلقة بالمنطقة".
وخلص ولد الهريم إلى أن "مالي تدرك جيدا مصالحها لدى موريتانيا، وموريتانيا تعي هي الأخرى بأن جارتها غير مستقرة، وتعيش على وقع اضطرابات من سنوات، ما جعل علاقاتهما الدبلوماسية، تحتفظ بالهدوء والرزانة، رغم وجود تلك المطبات".
ويرى مهتمون بالشأن الإفريقي والساحل، أن العلاقات الموريتانية المالية، قد لا تستعيد رونقها إلا بعد عودة حكم باماكو إلى المدنيين، رغم وقوع أحداث مشابهة سابقا لما يمر به البلدان حاليا.
وفي آخر تعليق لها على الموضوع خلال الأربعاء الماضي، نفت الحكومة الموريتانية علمها بفرض تبادل للتأشيرات على مواطني البلدين، مشيرة إلى أن نواكشوط وباماكو "تربطهما اتفاقيات دولية تقتضي تسهيلات على تنقل المواطنين، كمنظمة استثمار النهر السنغال".
وأشادت "بقوة العلاقات التاريخية بين الدولتين"، داعية المواطنين إلى "توخي الحذر في المناطق الحدودية مع دولة مالي، لما تعرفه تلك المناطق من اضطرابات أمنية".
وبخصوص دخول مقاتلين من مجموعة فاغنر إلى قرية حدودية موريتانية آخر شهر رمضان، أكدت الحكومة أن ذلك كان "عن طريق الخطأ"، مشددة على أن الجيش الموريتاني "سيرد الصاع صاعين لمن دخل الحدود عن قصد".