بعثت طهران برسائل، الخميس، فيما يخص مستقبل علاقتها بدمشق، مفادها أن سوريا ستظل "جزءا من محور المقاومة"، وأن محاولة دول أخرى تغيير ذلك هي "خط أحمر"، وفق تقدير خبراء.
ويوضح محللون سياسيون لموقع "سكاي نيوز عربية"، ما وراء حديث المرشد الأعلى لإيران، علي خامنئي، عما أسماه بـ"هوية سوريا"، وكيف سينعكس هذا على التطورات المقبلة في سوريا والمنطقة.
واستقبل خامنئي الرئيس السوري، بشار الأسد، في طهران، الخميس؛ حيث قدم الأسد تعازيه في وفاة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، في تحطم مروحية، 19 مايو.
ومما جاء في اللقاء على لسان خامنئي، وفق وكالة أنباء "إيرنا" الإيرانية، أن "المقاومة تمثل الهوية المميزة لسوريا، وموقع سوريا المميز في المنطقة ناتج عن هذه الهوية المميزة، ويتعين الحفاظ على هذه الميزة".
وشدد على أهمية تعزيز التواصل بين البلدين بوصفهما "من أركان محور المقاومة"، معتبرا أن "الهوية الممتازة لسوريا، وهي المقاومة بعينها"، تبلورت منذ عهد الرئيس السوري الراحل، حافظ الأسد، وتأسيس "جبهة المقاومة والصمود"، و"رفدت على الدوام الوحدة الوطنية في سوريا".
واعتبر أن لهذا السبب، فإن "الغربيين ومن يسيرون على نهجهم في المنطقة، كانوا ينوون إسقاط النظام السياسي في سوريا بالحرب، لكنهم فشلوا، وينوون اليوم بأساليب أخرى إخراج سوريا من معادلات المنطقة".
القلق من علاقات دمشق بالدول العربية
تعتبر المحللة السياسية الإيرانية، لیلا چمن خواه، أن تأكيد خامنئي على أن ما أسماه بـ"المقاومة" هو "هوية سوريا"، يعبر عن انزعاجه من "تطبيع" العلاقات بين دمشق والدول العربية التي توترت علاقتها بها السنوات الماضية.
وتضرب مثلا بنتائج هذا التقارب بين دمشق ودول عربية قائلة: "رأينا في الأسبوع الماضي أن سوريا دافعت عن سيادة الإمارات العربية المتحدة على الجزر الثلاثة".
كذلك اعتبرت أن تصريح خامنئي "رسالة مبطنة للسعودية ودول أخرى بأن سوريا مختلفة عنكم وقريبة من إيران، كأنه يريد القول إنه إذا كان حافظ الأسد ساندنا في الحرب بين العراق وإيران، فهو لم يكن عاشقا لأعيننا، بل كان ينافس الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، على زعامة العالم العربي".
وعن أهمية سوريا لإيران، تقول لیلا خواه، إن إيران تطلق على الجماعات التي تدعمها (مثل حزب الله، الحوثيين) اسم "محور المقاومة"، وتعتبر سوريا جزءا من هذا المحور.
وبوجود طهران في سوريا، تستطيع أن تجد طريقها إلى البحر الأبيض المتوسط، وكذلك إلى دول أخرى مجاورة لإسرائيل مثل لبنان، كما أن بقاء النفوذ الإيراني في سوريا مهم لمشروع إيران المسمى "الهلال الشيعي" الذي يقوم على وجودها في عدة دول، منها سوريا ولبنان.
"خط أحمر"
يتفق هاني سليمان، مدير المركز العربي للبحوث والدراسات في القاهرة، مع لیلا چمن خواه، في أن حديث خامنئي حول "هوية سوريا" هو رسائل بأن سوريا ستستمر "جزءا من محور المقاومة"، وبذلك كأنه يضع "خطا أحمر" أمام من يحاول تغيير هذا.
كما يلفت إلى أن لقاء خامنئي مع الأسد جاء بعد لقاء قادة "الحرس الثوري" الإيراني مع وكلاء إيران في المنطقة، على هامش عزاء الرئيس الإيراني، وهو ما يشير إلى أن دمشق ستكون "جزءا من التصعيد مستقبلا".
وعن مصالح إيران في سوريا، وفق سليمان، فإن "سوريا ضمن وسائل طهران لنقل الأسلحة والأموال والمقاتلين لوكلائها في المنطقة، ووجودها عند البحر الأبيض يساعدها في تهديد أمن الملاحة البحرية في الممرات الدولية".
ويختتم قائلا: "أعتقد أن لدى إيران مصلحة كبيرة في استمرار استنزاف الخصوم الإقليميين والدوليين في سوريا".
سياسة النأي بالنفس
في رأي الخبير بالشؤون الإيرانية، وجدان عبدالرحمن، فإن خامنئي يسعى لتغيير سياسة "النأي بالنفس" التي اتبعتها سوريا بعد عملية 7 أكتوبر (هجوم حركة حماس على إسرائيل)؛ حيث لم تشارك في عمليات وكلاء إيران ضد إسرائيل.
كما يريد توصيل رسالة بأن عودة العلاقات بين دمشق والدول العربية "جاءت بمباركة إيرانية، وفي نفس الوقت لن يؤثر هذا على موقع سوريا في محور المقاومة"، كما يقول عبدالرحمن.
وأوضح تقرير للمرصد السوري لحقوق الإنسان (معارض لدمشق)، أن مشروع إيران في سوريا يقوم على تأمين وجودها في مناطق حيوية هناك.
وبيّن التقرير أن من هذه المناطق محافظة دير الزور، للسيطرة على طريق دولي يبدأ منها إلى دمشق، ومحافظة حلب، خاصة محيط مطار حلب الدولي ومناطق البحوث العلمية؛ حيث بنت طهران مستوطنات سكنية لعائلات المقاتلين الوافدين إلى سوريا؛ للمساهمة في سيطرتها على الطرق الدولية والجوية المستخدمة في نقل السلاح والمواد الخام.
كذلك توجد في محيط حلب؛ حيث بنت طهران أحزمة أمنية لمنع تحركات المليشيات المعارضة إليها؛ خاصة أنها ترى أن المحافظة هدف لإسرائيل والولايات المتحدة، بالإضافة لوجودها في اللاذقية الساحلية باتجاه بانياس، وهناك تركّز طهران على بناء منظومة دفاع بحرية لتأمين السفن.