يُعد ملف السجناء السوريين في السجون اللبنانية أحد المواضيع الحساسة التي تجمع بين الأبعاد الإنسانية والقانونية والسياسية.
يعيش لبنان، الذي يعاني من أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة، ضغوطا متزايدة للتعامل مع ملف اللاجئين السوريين، بما في ذلك أولئك الذين انتهت محكوميتهم أو صدرت بحقهم أحكام قضائية.
أسباب فتح الملف
أصبح هذا الملف في الواجهة مؤخرًا، ولعل أبرز الأسباب التي دفعت إلى فتحه في الوقت الراهن هو محاولة تخفيف الاكتظاظ في السجون اللبنانية، التي تعاني أصلاً من اكتظاظ كبير يفوق طاقتها الاستيعابية.
كما تتحمل الدولة اللبنانية تكاليف مالية باهظة لرعاية هؤلاء السجناء، بما يشمل الغذاء والرعاية الصحية والحراسة، مما يشكل عبئًا إضافيًا على الاقتصاد اللبناني المتعثر.
ووفقًا لمصادر أمنية مسؤولة تحدثت لموقع "سكاي نيوز عربية"، تضم السجون اللبنانية 6120 سجينًا، بينهم 1850 من الجنسية السورية.
من بين هؤلاء، صدرت أحكام نهائية بحق 350 سجينًا، بينما لا يزال الآخرون قيد التوقيف والمحاكمة.
الموقف القضائي اللبناني
وقال النائب العام التمييزي في لبنان، القاضي جمال الحجار، في حديث خاص لموقع "سكاي نيوز عربية": "نحن نتعامل مع هذا الملف من خلال اتفاقية بين سوريا ولبنان تتعلق بالمحكومين السوريين في السجون اللبنانية، وتنص على استكمال المحكومين السوريين الذين حُكم عليهم في لبنان مدة محكوميتهم في السجون السورية".
وأوضح القاضي الحجار: "سبق للدولة اللبنانية أن بدأت العمل على هذا الملف الحساس مع النظام السوري السابق، حيث طُلب من المدير العام للأمن العام، اللواء إلياس البيسري، التواصل مع السلطات السورية للبدء بتنفيذ الاتفاقية، وبدأت الدولة اللبنانية بإعداد الجداول المتعلقة بأعداد هؤلاء السجناء".
وأضاف الحجار: "الوضع يختلف الآن، حيث يُشترط عدم نقل أي سجين دون موافقته، خصوصًا في الحقبة السابقة، حيث كان بعض السجناء معارضين للنظام الذي كان قائمًا آنذاك".
وأكد على "ضرورة متابعة التواصل مع السلطات السورية، خصوصًا بعد المتغيرات التي طرأت، مشددًا على ضرورة انسجام عملية تسليم السجناء مع الاتفاقية القضائية المبرمة بين البلدين في عام 1951".
بنود الاتفاقية
تتضمن هذه الاتفاقية بنودًا رئيسية لتبادل السجناء بين لبنان وسوريا، من أبرزها:
- أن يكون الشخص المطلوب من رعايا الدولة المطالبة بالاسترداد، وأن يكون الحكم القضائي نهائيًا ومبرمًا.
- ألا تقل المدة المتبقية من العقوبة أثناء تقديم الطلب عن ستة أشهر.
- موافقة المحكوم عليه على نقله.
- أن تكون الأفعال المرتكبة جريمة تُعاقب عليها قوانين الدولة المنفذة.
- موافقة الدولتين على النقل.
- للدولة المُدانة الحق في رفض التسليم إذا رأت أن من شأن النقل المساس بسيادتها أو أمنها أو نظامها العام (مثل الإدانة بالتعامل).
التحديات القائمة
ورأى القاضي الحجار أنه، استنادًا إلى القوانين الدولية، "هناك اتفاقيات ثنائية وإقليمية تتيح للدول نقل السجناء الأجانب إلى بلادهم بشرط التزام الدولة المستقبلة بتنفيذ الأحكام الصادرة بحقهم".
وختم حديثه بالقول: "يبقى الأمر رهنًا بما تقرره السلطات السورية، ولا يمكن للبنان أن يشترط ضرورة سجنهم أو استكمال مدة عقوبتهم، فهدفنا هو تخفيف العبء عن السجون اللبنانية".
وتابع: "كان هذا الأمر في السابق معقدًا بسبب العلاقات المتوترة بين البلدين، إضافة إلى غياب آليات متابعة لضمان احترام حقوق السجناء".
مواقف حقوقية
وتقول مصادر حقوقية لموقع "سكاي نيوز عربية": "بعض المسؤولين اللبنانيين يرون أن إعادة السجناء السوريين قد تكون خطوة لتخفيف الضغط عن السجون والنظام القضائي، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية، لذا باشرت السلطات القضائية بإعداد هذا الملف".
في المقابل، يطالب ناشطون حقوقيون بوضع معايير واضحة وشفافة لأي عملية إعادة، بما يضمن حماية حقوق الإنسان وتجنب أي انتهاكات محتملة، حيث تُعد إعادة المساجين السوريين من السجون اللبنانية إلى بلادهم قضية معقدة، وتتطلب توازنًا دقيقًا بين احترام سيادة القانون وتخفيف الأعباء عن لبنان، وبين الالتزامات الإنسانية الدولية.
ويبقى النجاح في هذا الملف مرهونًا بالتنسيق الواضح مع السلطات السورية الحالية، ووضع ضمانات قانونية وإنسانية تحمي حقوق السجناء.