في خطوة تكشف شعور إسرائيل بأنها تمر بمأزق أمام الرأي العام العالمي، طلبت تل أبيب من الفاتيكان المساعدة لمواجهة ما تسميها بـ"معاداة السامية"، بعد تزايد مشاعر الكراهية حول العالم نتيجة قتلها آلاف المدنيين في قطاع غزة، وفق صحيفة "يديعوت أحرنوت".
وذكرت الصحيفة في تقرير لها، الإثنين، إن هناك مؤشرات تؤكد أن معدلات الكراهية تجاه الإسرائيليين زاد بشكل كبير بعد الحرب التي تشنها على غزة منذ أكتوبر الماضي؛ ما جعل إسرائيل تتجه إلى الفاتيكان.
وبشأن جدوى هذه الخطوة، استعرضت الصحيفة الإسرائيلية بداية تطور العلاقات بين الجانبين من الفتور إلى عقد الاتفاقيات، قائلة إن هذه العلاقات كان متدهورة؛ نتيجة سيطرة إسرائيل على أماكن مقدسة للمسيحيين، ورفض الفاتيكان الاعتراف بالحركة الصهيونية؛ لأن اليهود لم يعترفوا بيسوع وإنجيله.
إلا أنه في عام 1993 وقع الجانبان اتفاقية أساسية شكلت نقلة تاريخية في علاقاتهما، وبدأت تنعقد لجان العمل المشتركة، وتم توقيع اتفاقية لمكافحة معاداة السامية، وزار 3 باباوات للفاتيكان القدس بشكل رسمي.
ولكن رغم تحسن العلاقات، إلا أن التعاون لا يزال متوقفا، كما تقول الصحيفة، مضيفة أنه "الآن يجب العمل مع الفاتيكان لمواجهة موجة الكراهية ضد الإسرائيليين؛ حيث يمكن للكنيسة الآن أن تستخدم صوتها لمحاربة معاداة السامية".
وتعول الصحيفة الإسرائيلية في ذلك على أن الفاتيكان يتبعه أكثر من مليار ونصف المليار مسيحي يمكن أن تؤثر فيهم حملة يقوم بها ضد مشاعر الكراهية نحو إسرائيل.
ووصفت "يديعوت أحرنوت" مواقف الفاتيكان من حرب غزة حتى كتابة التقرير بأنها "جيدة منذ 7 أكتوبر، ولكننا نحتاج لمزيد من التعاون لصد الكراهية".
الفاتيكان يطلب وقف إطلاق النار
إلا أن بابا الفاتيكان، انتقد بشدة قتل المدنيين خلال حرب غزة، قائلا، الإثنين، خلال خطابه السنوي أمام ممثلي البعثات الدبلوماسية لدى دولته إن "القصف العشوائي" للمدنيين جريمة حرب لأنه ينتهك القانون الإنساني الدولي".
وفي الخطاب الذي استغرق 45 دقيقة، وتناول كذلك صراعات في إفريقيا وآسيا وأزمة الهجرة وتغير المناخ وغيرها، عبَّر عن قلقه من أن تنتشر الحرب بين إسرائيل وحركة حماس إلى نطاق أسع، داعيا إلى "وقف إطلاق النار على جميع الجبهات، بما في ذلك لبنان".
في نفس الوقت، ندد بابا الفاتيكان بالهجوم الذي شنته حماس في 7 أكتوبر على جنوب إسرائيل، واصفا إياه بـالعمل الفظيع"، وأنه من "الإرهاب والتطرف"، ودعا مجدد للإفراج الفوري عن الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة.
وفقا لمسؤولي وزارة الصحة التابعة لحماس في غزة، فإن الحرب أدت حتى الآن لمقتل 23084 فلسطينيا، فيما تقول إسرائيل إن 1200 شخص قتلوا في هجوم حماس على إسرائيل، وهو الهجوم الذي نقلت فيه الحركة 240 رهينة إلى غزة.
"لن يُجدي نفعا"
يستبعد المحلل الفلسطيني نزار جبر أن تستجيب الفاتيكان للطلب الإسرائيلي بالوقوف معها ضد "موجة الكراهية"، أو النقد لعملياتها في غزة، قائلا لموقع "سكاي نيوز عربية": "اعتقد أن الفاتيكان مؤسسة دينية مسؤولة، وتجرم قتل المدنيين من الجانبين، ومن المستحيل أن تنحاز إلى أي جانب، وستكتفي بالدعوة للتهدئة".
ويتفق جبر في أن الحرب على غزة أَضرت بصورة إسرائيل بشدة، ضارات الأمثلة على أن "موجة الكراهية" نحوها انتقلت حتى إلى الدول الحليفة لها في أوروبا والولايات المتحدة، وتجلى ذلك في المظاهرات التي خرجت تندد بالحرب، ومعاناة طلاب وعمال إسرائيليين من الانتقاد، وأحيانا الاعتداء، وبعض الطلاب باتوا يعزفون عن الذهاب إلى الجامعات؛ لتجنب إساءة معاملتهم خلال الغضب العالمي من القتل اليومي للفلسطينيين.
بالمثل، يقول الباحث المتخصص في الشأن الدولي، جاسر مطر، إن تودد إسرائيل للفاتيكان في هذا الأمر "لن يُجدي نفعا".
وُيرجع مطر ذلك إلى أن الفاتيكان وإسرائيل بينهما خلاف ديني كبير، وهو باقٍ حتى بعد توقع اتفاقيات تفاهم، والتي جاءت بعد ضغط سياسي من أوروبا والولايات المتحدة على الفاتيكان في تسعينات القرن الماضي.
وليست هذه المرة الأولى التي تلجأ فيها إسرائيل لطلب تدخل الفاتيكان في صراعها مع الفلسطينيين، ففي يناير 2023، تحدثت تقارير إسرائيلية عن أن تل أبيب دعت البابا للتدخل لإطق سراح 4 رهائن تحتجزهم حماس منذ عام 2014.