تتسابق روسيا وأوكرانيا في حرب موازية لتلك المتواصلة منذ فبراير 2022، ولكن هذه المرة في بناء "الخنادق" والتحصينات الدفاعية، بما يُمكن كلاهما من صد هجمات الآخر.
ووفق صحيفة "بوليتيكو" الأميركية، يخشى المشرعون الأوكرانيون من بطأ الجيش والسلطات المحلية في حفر خنادق وعدم بناء دفاعات أرضية، بما يكفي لصد الهجوم الروسي المتوقع في شمال وجنوب شرق البلاد خلال الأسابيع المقبلة.
وسبق أن أقرَّ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أنَّ الهياكل الدفاعية القديمة تحتاج إلى تجديد، مع إضافة المزيد من التحصينات في الخطوط الأمامية، في أعقاب الهجوم المضاد الذي شنته أوكرانيا في الصيف، لكنه لم يسفر سوى عن مكاسب محدودة بعد أشهر من القتال.
ويعتقد محللون عسكريون ومراقبون في حديثهم لموقع "سكاي نيوز عربية"، أنه على الرغم من اعتبار أوكرانيا أن هذه التحصينات تمثل "أولوية" في الوقت الراهن وتمضي قدمًا في تشييد نحو ألفي كيلو متر من الخنادق والمخابئ للتصدي للهجوم الروسي، إلا أن أزمة التمويل تمثل عائقًا مباشرًا وتحدياً تحاول التغلب عليه، في حين سيكون أمام القوات الروسية "فرصة ذهبية" لاقتناص الأهداف الأوكرانية التي فشلت في التخفي.
انتقادات لـ"دفاعات أوكرانيا"
- تأتي التحذيرات الغربية المتواصلة لـ"كييف" في خضم انتقادات توجّه لخطوط الدفاع الأوكرانية بعد تحقيق القوات الروسية تقدما سريعا إثر سيطرتها على منطقة أفدييفكا ووسط مخاوف داخلية بشأن الدعم العسكري والمالي، بعد دخول الحرب عامها الثالث.
- سبق أن شدد رئيس الوزراء الأوكراني، دينيس شميغال، على أن قوات بلاده تعزّز دفاعاتها بشكل مستمر مع تقدّم القوات الروسية شرقا، كاشفًا عن رصد الحكومة نحو 500 مليون دولار للتحصينات هذا العام.
- قال "شميغال" إن "هذا العام، الحكومة مستعدة لمواصلة تخصيص الأموال استباقيا، لبناء تحصينات قوية، ليس فقط على الخطين الأول والثاني، وإنما أيضا على الخط الثالث، وإذا لزم الأمر، الرابع".
- وفق صحيفة "فاينانشال تايمز"، فإن كييف تبني 2000 كيلومتر من التحصينات للسيطرة على الأراضي تحسبا لهجوم روسي جديد.
- تتكوّن خطوط الدفاع من خنادق ومخابئ وفخاخ مضادة للدبابات، بما في ذلك كتل خرسانية على شكل هرم تعرف باسم "أسنان التنين".
- قال النائب المعارض روستيسلاف بافلينكو: "كنا نحذر منذ الصيف الماضي من أنه يتعين بناء تحصينات دفاعية، عبر الجمع بين الوزراء والإدارات العسكرية المحلية لبناء خطوط دفاعية بسرعة وجعلها قوية للغاية".
- ينظر محللون عسكريون إلى فشل الهجوم المضاد لأوكرانيا بسبب التحصينات الدفاعية القوية التي شيدتها القوات الروسية، إذ لم يتمكن الجيش الأوكراني من اختراق ثلاثة خطوط من تلك الدفاعات.
- كما أن افتقار أوكرانيا إلى خطوط دفاعية قوية متعددة الطبقات هو سبب آخر لقدرة الجيش الروسي على المضي قدما بثبات والاستيلاء على مساحات أصغر من الأراضي على طول خط المواجهة البالغ طوله 1000 كيلومتر، كما تذكر "فاينانشال تايمز".
- سبق أن حذَّر المعهد الملكي للخدمات المتحدة في بريطانيا من هذه الأزمة قبل الهجوم المضاد، إذ أشار في تقرير له منتصف العام الماضي، إلى أن "وحدات الهندسة أثبتت أنها واحدة من أقوى فروع الجيش الروسي، وستشكل الدفاعات التي شيدت والتي تتكون من عقبات معقدة وتحصينات ميدانية، تحديا تكتيكيا كبيرا للعمليات الهجومية الأوكرانية".
- اشتكت كييف أنها لم تتلقَّ أموالا تم التعهّد بها في مؤتمرين للمانحين نظّما في 2022 لبناء ما يلزم من التحصينات.
- حالياً، أعرب قائد عسكري أوكراني سابق لـ"بوليتيكو" عن تخوفه من أن الجيش الأوكراني ليس لديه ما يكفي من الألغام المتاحة للتحصينات الجديدة، في الوقت الذي ذكر حاكم خاركيف، أوليه سينيهوبوف، أنه جرى البدء في بناء وإصلاح التحصينات الدفاعية مطلع مارس الجاري، لكنه لم يحدد موعدًا للانتهاء منه.
تأخر أوكراني
بدوره، يعتقد مدير مركز دراسات الجيش ونزع السلاح، فالنتين بدراك، أن القيادة العسكرية الأوكرانية أظهرت "بعض النشوة" إذ اعتقدت أن الدعم الغربي "لن يتوقف أبدا"، مما يسمح لها بالمضي قدما، وبالتالي فإن بناء التحصينات خلف خط المواجهة لم يكن يعتبر ضروريا حينها.
وأضاف أن الأمر ببناء دفاعات جديدة أقوى كان يجب أن يأتي في أواخر عام 2022 في بداية "الضغط على باخموت"، تلك المدينة الواقعة شرق أوكرانيا، حيث كلفت معركة استمرت 10 أشهر كييف آلاف الجنود الذين يتمتعون بخبرة واسعة، والكثير من الذخائر الثمينة.
تكتيكات "التحصين"
الخبيرة الأميركية المختصة في الشؤون الأمنية والاستراتيجية، إيرينا تسوكرمان قالت لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن أوكرانيا تواجه أزمة راهنة على الصعيد الحربي بسبب المأزق السياسي الأميركي جراء قضية المساعدات العسكرية الإضافية ونقص الذخيرة بشكل عام.
وأوضحت تسوكرمان أنه نتيجة لذلك، ولتجنب فقدان الأرض أثناء انتظار وصول المعدات الإضافية، تلجأ أوكرانيا إلى نفس التكتيكات التي استخدمتها روسيا خلال الهجوم المضاد لأوكرانيا لجعل التقدم أكثر صعوبة على الجانب الآخر، مضيفة: "إنهم يحفرون الخنادق لتجنب أن يكونوا أهدافا سهلة من قبل القوات الجوية الروسية، مع الاستفادة من كونهم جزءا لا يتجزأ من المواقع التي تسمح لهم برؤية القوات الروسية قادمة من أماكن بعيدة ومهاجمتهم قبل أن يقتربوا بما يكفي لإحداث أضرار".
لذلك من المرجح أن تواجه روسيا نفس الصعوبات التي واجهتها أوكرانيا في الصيف الماضي، حيث ستستحوذ على الأراضي الأوكرانية ببطء، وفق تقدير الخبيرة الأمريكية، التي قالت إن "الهدف هو إرهاق الجيش الروسي قدر المستطاع، وإهدار المزيد من الوقف حتى تأتي الإمدادات الجديدة التي يمكن أن تدفع أوكرانيا قدما في عملياتها العسكرية".
وتابعت: "ومع ذلك، تواجه أوكرانيا تحديات، إذ كانت روسيا قادرة على بناء هذه التحصينات منذ بداية الحرب وكان لديها شهور عدّة لبنائها، بينما كانت أوكرانيا تنتظر المساعدة، أما الآن فلم يعد لديها الوقت بسبب النقص الجديد في الأسلحة وتقدم الجيش الروسي رويدًا رويدًا".
3 أزمات أمام "كييف"
وحددت تسوكرمان 3 أسباب مباشرة تعيق إتمام خطتها لبناء التحصينات المختلفة، تشمل:
- هناك قلق بشأن توقيت انسحاب أوكرانيا من مناطق مختلفة وما إذا كان يترك لأوكرانيا الوقت الكافي لبناء تحصينات قوية بشكل كافٍ.
- هناك أيضا قلق من أن القوات المنهكة لا تحفر بالسرعة الكافية وأن هذه الخنادق تحتاج إلى بناء على نطاق صناعي لإحداث فرق حقيقي، إذ تحتاج أوكرانيا إلى إيجاد طريقة لكسب الوقت وإبطاء تقدم القوات الروسية لبناء خنادق يمكن مقارنتها في القوة بما بناه الروس.
- لكي تكون هذه التحصينات قوية للغاية، يجب توفير غطاء من الدروع وحقول الألغام، ويستغرق إنشاء مثل هذه الهياكل وقتا، فضلًا عن أن تمويل هذه الخنادق لم يصبح متاحا حتى أواخر فبراير على الرغم من التحذيرات الدولية السابقة.