اتهمت منظمات حقوقية الجيش المالي ومرتزقة فاغنر بارتكاب جرائم تصفية عرقية ضد الطوارق والعرب والفولان في إقليم أزواد بشمال مالي، مشيرة إلى أن هذه الجرائم تتم بشكل منهجي ومنظم.
وقد دعت هذه المنظمات إلى فتح تحقيق دولي في هذه الجرائم وتقديم الجناة إلى العدالة الدولية.
انتهاكات بحق الطوارق
وشهد إقليم أزواد خلال الأشهر الاثني عشر الماضية أزمة إنسانية حادة أدت إلى مقتل عشرات المدنيين وارتكاب انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان.
وتركزت الأزمة بشكل رئيسي في حملة تطهير عرقي شنتها السلطات المالية بدعم من مرتزقة فاغنر الروسية، بالإضافة إلى مسيرات تركية ودعم من دول منطقة "ليبتاكو فورما" مثل النيجر وبوركينا فاسو، وفقًا لبيان منظمة إيموهاغ الدولية للعدالة.
واتهمت منظمة إيموهاغ السلطات العسكرية في مالي بشن حملة تطهير عرقي منذ أغسطس 2023، حيث استدعى المجلس العسكري المالي دعمًا خارجيًا من مرتزقة فاغنر الروس، واستخدموا المسيرات التركية لتنفيذ عمليات قصف، كما قدمت دول "ليبتاكو فورما" الدعم للعمليات العسكرية.
وقد انتشرت دوريات الجيش المالي ومرتزقة فاغنر في الإقليم، مستهدفة المدنيين العزل، واستولت على ممتلكاتهم، وقتلت حيواناتهم، وسعت إلى تحويلها إلى مصادر تمويل للجيش، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية بشكل كبير.
على الرغم من الصعوبات في توثيق الانتهاكات بسبب قلة وسائل الاتصال والظروف الأمنية، عمل فريق منظمة رافق على توثيق آثار هذه الحرب المدمرة. وقد صرحت المنظمة بأن توثيق الانتهاكات كان صعبًا للغاية بسبب جهود الجيش المالي ومرتزقة فاغنر لإخفاء الأدلة، بما في ذلك الجثث، في مناطق نائية.
وتمكن الفريق من جمع شهادات الناجين وصور موثقة تؤكد أن الانتهاكات التي تعرض لها المدنيون مشابهة من حيث وحشيتها لتلك التي ارتكبها تنظيم داعش، ويستمرون في جهود توثيق عدد الضحايا.
منظمة المجتمع الدولي ناشدت باتخاذ خطوات عاجلة لحماية المدنيين في أزواد، وتقديم الدعم للفارين من النزاع، والعمل على تحقيق العدالة وفتح تحقيق دولي في الجرائم المرتكبة.
رصد منظمة هيومن رايتس ووتش
وفي تقريرها الصادرة في مارس ومايو الماضيين ، أفادت منظمة "هيومن رايتس ووتش" بأن القوات المسلحة المالية ومرتزقة مجموعة فاغنر الروسية ارتكبوا عمليات قتل وإعدام غير قانونية ضد عشرات المدنيين خلال عمليات مكافحة التمرد في المناطق الوسطى والشمالية من مالي منذ ديسمبر 2023.
وقد وثقت المنظمة سلسلة من الهجمات العسكرية التي أسفرت عن مقتل مدنيين أبرياء، بما في ذلك الغارات التي استهدفت حفل زفاف في 16 فبراير وجنازة في اليوم التالي، والتي خلفت 14 قتيلاً، بينهم أربعة أطفال.
كما سجلت "هيومن رايتس ووتش" هجومين شنتهما جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، المرتبطة بتنظيم القاعدة، على قريتي أوغوتا وأويمبي في منطقة موبتي يوم 27 يناير، بالإضافة إلى هجومين آخرين نفذتهما ميليشيات دوزو على قريتي كلالة وبورا في منطقة سيغو في بداية يناير.
وجاءت هذه الهجمات في إطار موجة من أعمال القتل الانتقامية والعنف المجتمعي في وسط مالي.
كما أشارت المنظمة إلى أن الحكومة العسكرية الانتقالية في مالي، المدعومة من روسيا، لا تقتصر على ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بل تسعى أيضًا إلى القضاء على أي شكل من أشكال الرقابة المستقلة على سجلها في مجال حقوق الإنسان.
ودعت المنظمة السلطات المالية إلى التعاون العاجل مع خبراء مستقلين لمراقبة الانتهاكات وضمان محاسبة المسؤولين عنها.
وبين 1 يناير و7 مارس، أجرت "هيومن رايتس ووتش" مقابلات هاتفية مع 31 شخصًا كانوا على دراية بالأحداث في وسط وشمال مالي، شملوا 20 شاهداً على الانتهاكات، بالإضافة إلى قادة المجتمع والناشطين وممثلي المنظمات الدولية والصحفيين والأكاديميين.
وفي 1 مارس، أرسلت المنظمة رسائل إلى وزيري العدل والدفاع في مالي تتضمن تفاصيل النتائج التي توصلت إليها، وطلبت معلومات حول الانتهاكات المزعومة، لكنها لم تتلقَ أي رد من السلطات المالية.
وأوضح الشهود أن القوات المسلحة المالية ومرتزقة مجموعة فاغنر ارتكبوا انتهاكات خطيرة أثناء عمليات مكافحة الإرهاب ضد الجماعات الإسلامية المسلحة في قرى مختلفة في مناطق تمبكتو، سيغو، موبتي، ونارا.
وذكر الشهود أن المسلحين الأجانب الذين شاركوا في هذه العمليات كانوا يتحدثون لغات أخرى غير الفرنسية، وفي بعض الحالات كانت العمليات تُنفذ تقريبًا بالكامل بواسطة مقاتلي فاغنر.
إعداد ملف لتقديمه إلى محكمة الجنايات الدولية
من جانبه قال أيوب أغ شمد، المتحدث باسم منظمة إيموهاغ للعدالة والشفافية، لموقع "سكاي نيوز عربية" إن الجيش المالي وقوات فاغنر يستغلون غياب التركيز الدولي على الأوضاع في إقليم أزواد لتنفيذ عمليات تصفية عرقية ضد الطوارق والعرب والفولان في شمال البلاد. وأوضح أن الانتهاكات الشنيعة، التي استهدفت قرى ووديان في ولاية كيدال مثل قرية آماسين وتاسك ووادي أوزين، تشابهت في وحشيتها مع أساليب داعش. حيث يقوم الجيش المالي ومرتزقة فاغنر بقتل السكان ونهب ممتلكاتهم، وهو ما تأكد من خلال الفيديوهات التي حصلوا عليها من أسرى الجانب المالي.
وأشار أغ شمد إلى أنهم قدموا عدة بيانات عن عمليات التطهير العرقي المنهجية التي يرتكبها الجيش المالي ومرتزقة فاغنر في الإقليم، لكن المجتمع الدولي لم يظهر اهتمامًا بعد انسحابه من المنطقة.
وأضاف أنهم يعملون حاليًا على إعداد ملف لتقديمه إلى محكمة الجنايات الدولية، وهو ما يتطلب جمع شهادات من أهالي الضحايا، وهي عملية تأخذ وقتًا نظرًا لبعد المنطقة.
من جانبه، حذر المتحدث باسم جمعية "كيسال"، التي تدافع عن عرقية الفلان في قطاع ماسينا وسط مالي، من تأثير قوات "فاغنر" والجيش على السلام الأهلي. واعتبر أن أسباب الاستهداف العرقي واضحة وبسيطة، حيث يرى المجلس العسكري أن بعض الجماعات العرقية هي الأكثر تمثيلًا للإرهابيين والمتمردين.
كما دانت جمعية تابتال بلاكو، المدافعة عن الفلان في وسط مالي، ما اعتبرته جرائم ضد مجتمع الفلان في منطقة ماسينا، مشيرة في بيان إلى مقتل عشرات المدنيين من الفلان، بينهم نساء وأطفال، على يد الجيش ومرتزقة "فاغنر".