في عام 2016، لم يكن أحد في العالم مستعد لاستقبال الرئيس دونالد ترامب، لكن هذه المرة يسعى حلفاء أميركا في حلف شمال الأطلسي إلى عدم تكرير نفس الخطأ.
ومع تراجع الرئيس جو بايدن بعد المناظرة الرئاسية، يتوقع العديد من الحلفاء أنه في هذا الوقت من العام المقبل سيتعاملون مع إدارة ترامب الجديدة.
وقد أظهرت تقارير أعدها موقعا"بوليتيكو" الأميركي و"فيلت" الألماني صورة لعالم ينحني لإرادة ترامب ويتسابق لتحصين نفسه ضد الاضطرابات والأزمات التي قد يثيرها.
وتعتبر عودة دونالد ترامب الموضوع المسيطر في الاجتماعات الشهرية لسفراء الدول الأوروبية في واشنطن. حسب "بوليتيكو".
فكيف يستعد العالم لعودة ترامب المحتملة إلى البيت الأبيض؟
التحضيرات جارية
تشعر الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي "الناتو" بثقة أكبر في قدرتها على التعامل مع ترامب مما كانت عليه عندما تولى السلطة لأول مرة قبل أكثر من 7 سنوات.
وفي بروكسل، وضع مسؤولون في "الناتو" خطة لتثبيت الدعم العسكري طويل الأمد لأوكرانيا بحيث لا تستطيع إدارة ترامب المحتملة أن تقف في طريقها.
وفي أنقرة، قام المسؤولون الأتراك بمراجعة خريطة سياسة مشروع 2025 لمؤسسة التراث للحصول على أدلة حول تصاميم ترامب على سوريا.
وفي أتلانتا وأوستن ولينكولن، ونبراسكا، اجتمع وزراء كبار من ألمانيا وكندا مع حكام جمهوريين لتعزيز العلاقات مع اليمين الأميركي.
الناتو
يتم التحضير من قبل قادة الناتو للتعامل مع احتمال عودة ترامب إلى البيت الأبيض باستراتجية تقوم على 3 مستويات:
- بناء علاقات تساعد في تقليل الصراع، عبر التواصل الشخصي المكثف مع ترامب ومستشاريه.
- تهدئة شكاوى ترامب بشأن الإنفاق الدفاعي الأوروبي الغير الكافي، عن طريق تغييرات سياسية تهدف إلى إرضاء ترامب وتحالفه السياسي.
- العمل على تحصين أولويات الناتو ضد التلاعب من قبل إدارة ترامب، من خلال اعتماد إجراءات دبلوماسية وقانونية إبداعية.
الوصول إلى ترامب
قبل أسبوعين فقط من وصول قادة الناتو إلى واشنطن، انتشرت شائعة بين الدبلوماسيين، بأن ترامب لديه خطة لإحلال السلام في أوكرانيا.
وكانت هذه الصفقة تعتمد على تهديد واضح، حيث إذا رفض بوتين التفاوض لإنهاء الحرب، فإن الولايات المتحدة ستغمر أوكرانيا بمزيد من الأسلحة، وإذا رفض زيلينسكي الجلوس على طاولة المفاوضات مع روسيا، فإن الولايات المتحدة ستسحب دعمها العسكري المهم.
وكان الإشكال ساعتها أن الخطة لم تكن مطروحة من قبل ترامب نفسه، بل من قبل حلفائه ووكلائه المزعومين الذين يتجولون في الأوساط السياسية والدبلوماسية، وكل منهم يدعي أنه يتحدث باسم الرئيس السابق، ويعلن في المقابل عن خط مباشر معه.
وعند التدقيق، اتضح أنه لم يكن هناك خطة سرية معتمدة من ترامب لإنهاء الحرب.
ومع اقتراب الانتخابات، أصبح مهمة الحلفاء الأمريكيين اكتشاف من هو المبعوث الحقيقي لترامب ومن هو المدعي.
وأكد أحد موظفي السفارة أنهم كانوا على اتصال بعدة أشخاص يدعون التحدث باسم ترامب، "لكن ليس من الواضح دائمًا مدى قربهم منه".
وكانت النتيجة هي سباق محموم للوصول إلى الأشخاص الأقرب إلى ترامب، وإلى ترامب نفسه.
تقوية العلاقات الشخصية
أحد الدروس التي استخلصها حلفاء أميركا من الإدارة الأولى لترامب هو أن العلاقات الشخصية هي الأهم مع الرئيس السابق والأشخاص الأقرب إليه.
وقد كون ترامب روابط مهمة كرئيس مع مجموعة متنوعة من القادة، وكل منهم استخدم هذا الرابط الشخصي المباشر لمصلحته الخاصة.
كما تجري التحركات نحو أركان أخرى من الحزب الجمهوري، حيث التقى فرانسوا فيليب شامبين، الوزير الكندي الذي يساعد في قيادة التحضيرات للانتخابات الأمريكية، مع حكام جمهوريين من بينهم هنري مكماستر من ساوث كارولينا وجيم بيلين من نبراسكا، مؤكدا على الاستقرار الدولي كقلق مشترك.
ووفقا لشخص مطلع على الاجتماعات، فقد زارت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك تكساس للقاء الحاكم غريغ أبوت، الداعم القوي لترامب، مقدمة تحية ودية ولكن أيضا مبدية اختلافها الصريح مع أبوت حول حقوق الإجهاض.
وفي الأسابيع الأخيرة، سافر عدة دبلوماسيين من دول الناتو بهدوء إلى واشنطن للقاء أكاديميين محافظين وأشخاص مرتبطين بمراكز الفكر التي يعتقدون أن لها بعض التأثير على سياسة ترامب.
وحسب أحد السفراء فقد بدت الاجتماعات مثمرة، غير أن هناك جوا من الحذر حولها.
وقالب مسؤول في الناتو خلال محادثة في المقر الرئيسي في بروكسل: "لا نعرف إذا كان الأشخاص الذين نلتقي بهم سيظلون موجودين إذا تم انتخاب ترامب رئيسا".
التواصل مع التحالفات المؤيدة لترامب
ربما كان التواصل الأكثر وضوحا مع ترامب وتحالفاته من ديفيد لامي، وزير خارجية الظل البريطاني في ذلك الوقت، الذي تم تعيينه كأعلى دبلوماسي في المملكة المتحدة بعد الانتخابات.
وخلال زيارة إلى واشنطن في مايو، التقى لامي مع حلفاء ترامب وشخصيات بارزة في حركة "ماغا" المؤيدة لترامب.
وفي تصريحات علنية، قال لامي إن انتقادات ترامب للناتو غالبا ما كانت "مفهمومة بشكل خاطئ"، وأن الرئيس السابق كان يريد في الأساس أن تنفق أوروبا المزيد على الدفاع، وقد شكل هذا التصريح تحولا لافتا للامي، الذي وصف ترامب سابقًا بأنه "عنصري".
غير أن جولته في واشنطن بدت وكأن لها هدفا واضحا، تمثل في فتح الطريق لعلاقة مع ترامب في الحكومة والتأكد من أن الناخبين البريطانيين يعرفون أنه يقوم بذلك.
رسالة الناتو إلى ترامب
وقد تحول الكثير من أعضاء تحالف الناتو نحو القيام باستثمارات دفاعية تهدف في الوقت نفسه إلى ردع روسيا وإرضاء ترامب.
ويتم تقييم 23 من أصل 32 دولة عضو في الناتو بأنها تنفق 2 في المائة أو أكثر من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، محققة هدفا تم تحديده للتحالف في عام 2014.
وبعض الدول حددت مؤخرا خططا طموحة جديدة لتوسيع قدراتها العسكرية، من بينها النرويج ورومانيا وبولندا.
وقال رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البولندي، باول كوال في مقابلة إن الاستعداد الأهم لبلاده والدول الأخرى هو هذه الاستثمارات، وأنه إذا كانت أوروبا أقوى، فهناك فرصة جيدة للتعايش بشكل أفضل مع ترامب أيضا.
واثنان من أغنى دول التحالف، إيطاليا وكندا، بعيدتان عن تحقيق عتبة 2 في المائة حتى مع زيادة المطالب الأمنية على الناتو، وكذلك العديد من الحلفاء الأصغر، بما في ذلك إسبانيا والبرتغال وبلجيكا.
ومن المحتمل أن يتزايد الضغط السياسي على هذه الدول وغيرها في الأشهر المقبلة، ليس فقط من ترامب ولكن أيضا من جيرانها.
وقالت وزيرة الخارجية الفنلندية إيلينا فالتونن، في حديثها إلى "بوليتيكو" في نهاية اجتماع وزراء الخارجية في الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ، إن أوروبا لا يمكنها التأثير على الانتخابات الأميركية، لكنها يمكن أن تجعل نفسها "شريكا جذابا جدا للولايات المتحدة"".
وأضافت "يجب أن نركز بالتأكيد باستمرار على القضايا التي لدينا تأثير فيها وهي بناء دفاعنا وردعنا بأكبر قدر ممكن من القوة.. وهذا، على ما أعتقد، هو أيضا ما يدعو إليه ترامب".
التحصين ضد ترامب
اقترح الأمين العام الحلف الناتو المنتهية ولايته ينس ستولتنبرغ نقل مسؤولية إدارة المساعدات إلى الناتو نفسه، وخاصة إلى الدول الأوروبية.
ومن الناحية النظرية، سيجعل ذلك الحلف "محصنا ضد ترامب"، كما يقول بعض الدبلوماسيين، حيث من المتوقع أن يتخذ القرار النهائي في قمة الناتو في واشنطن.
وإذا تم تنفيذ هذه الخطة، فسوف تتحول السيطرة تدريجيا على المساعدات العسكرية إلى مجموعة من 200 جندي من الناتو في مدينة مونس البلجيكية وستواصل العمل مع الولايات المتحدة، ولكن تحت علم الناتو.
وحاليا تقود الولايات المتحدة تنظيم المساعدة من خلال وحدة مكونة من 300 فرد تعرف باسم مجموعة المساعدة الأمنية- أوكرانيا، موجودة في مكتب عسكري أميركي في ألمانيا.
وقد تكون مثل هذه الخطط المصممة لتخفيف تأثير إملاءات ترامب على أولويات الناتو المشتركة، تحت الاختبار إذا عاد ترامب إلى السلطة.
الضغط الكوري الجنوبي
وهناك ترتيبات أخرى مماثلة، ليست فقط في أوروبا ولكن أيضا في آسيا وحتى في واشنطن، حيث صوتت أغلبية من الحزبين في مجلس النواب ومجلس الشيوخ في ديسمبر الماضي لجعل من المستحيل على الرئيس الانسحاب من الناتو دون دعم قوي من الكونغرس.
وكانت هذه الخطوة تهدف بوضوح إلى تقييد ترامب أو رئيس مستقبلي من اتخاد قرار فردي بالانسحاب.
كوريا الجنوبية الحليفة لأميركا، كانت تضغط من أجل تجديد مبكر لاتفاق يساعد على دفع تكاليف 28 ألف جندي أميركي متمركزين في البلاد.
والاتفاق الحالي لا ينتهي حتى عام 2025، لكن إعادة التفاوض مع ترامب يمكن أن يكون أكثر صعوبة، بالنظر إلى شكاواه المتكررة حول تكاليف الدعم الأمريكي لكوريا الجنوبية.
وقال الأدميرال المتقاعد والسفير الأميركي السابق في كوريا الجنوبية، هاري هاريس، إن البلاد يبدو أنها "تتحوط ضد إدارة ترامب الثانية المحتملة.. لقد شاهدوا هذا الفيلم وكان مؤلما للغاية".
ولكن من غير الواضح إلى أي مدى قد تخدم هذه الترتيبات الرسمية فعلا في تقييد ترامب إذا دخل المكتب البيضاوي في البيت الأبيض مرة أخرى.