ضربة عبقرية أم رهان مجنون؟.. حار المحللون الفرنسيون في وصف إعلان إيمانويل ماكرون عن حل الجمعية الوطنية، في أعقاب الانتخابات الأوروبية التاريخية، حيث حصل حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف على (31.5%) من الأصوات أي ضعف نسبة الأغلبية الرئاسية التي لم تتعد حصتها (14.5%).
وفي أعقاب النتيجة التاريخية التي حققها جوردان بارديلا (التجمع الوطني) خلال الانتخابات الأوروبية، والأغلبية الرئاسية الأضعف بكثير بقيادة فاليري هاير. أعلن الرئيس الفرنسي يوم الأحد 9 يونيو، عن حل الجمعية الوطنية والدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة في 30 يونيو و7 يوليو المقبلين.
وفي محاولة لفهم أبعاد هذه الخطوة المفاجئة من الرئيس الفرنسي، يوضح برونو كوتريس، عالم سياسي وباحث في المركز الوطني للأبحاث العلمية في مركز دراسة الحياة السياسية الفرنسية ومدرس في معهد العلوم السياسية، في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية" أن "الانتخابات الأوربية أولا لا تؤثر على الحياة السياسية في فرنسا".
فوز ساحق يستحق الرد
ويضيف، " صحيح أن النصر كان ساحقا للجبهة الوطنية ولا يمكن أن يظل الوضع دون رد فعل. ورغم أن الرئيس لا تتوفر لديه آليات دستورية لمواجهته إلا أنه لم يكن مضطرا لاتخاذ هذا الخيار الخطير. كانت أمامه اختيارات أخرى، مثل تغيير تشكيلة الحكومة أو تغيير رئيس الوزراء أو تصحيح برنامجه الانتخابي".
ويعتقد عالم السياسة أن التجمع الوطني يمكن أن تظل في وضع صعب. "قد تكون هناك فوضى بسبب حقيقة أن حزب الجبهة الوطنية قد يحقق نتائج جيدة في الانتخابات التشريعية، لكن هل ستكون هناك أغلبية مطلقة؟ هذا أمر غير محسوم على الإطلاق".
ويضيف "سيكون لدينا حزب التجمع الوطني يتمتع بأغلبية نسبية، ما يعني نفس الصعوبات التي يواجهها حزب النهضة في تحقيق الأغلبية. وفي هذه الحالة سنكون أمام طريق مسدود. فهل سيلجأ ماكرون للتعايش مع لوبان؟ وهذا إذا حصل سيفقد الرئيس هيبته داخليا وخارجيا. وعندما نحل البرلمان، لا يمكننا أن نحله مرة أخرى لمدة عام كامل".
ويعود آخر حل إلى عام 1997 وقرره الرئيس جاك شيراك. وكانت رغبته تتلخص في ضخ حياة جديدة في الأغلبية الرئاسية في الجمعية الوطنية، والتي أضعفتها التعبئة ضد إصلاح معاشات التقاعد في عام 1995 ومشاريع خفض العجز في عام 1997.
وفي ذلك الوقت، لم تكن الأغلبية في الجمعية تؤيد هذا الرأي بشكل صارم. ومن خلال محاولة إعادة التعبئة من خلال صناديق الاقتراع، فإن القرار الذي اتخذه جاك شيراك، عام 1997، أدى إلى وصول ليونيل جوسبان إلى ماتينيون، بتعددية اليسار.
تكتيكات لحل المعادلة الصعبة
ويبدو أن ماكرون حاول من قبل استعادة السيطرة على الوضع بعد انتخابه في عام 2022، عبر بحث رئيسة الوزراء السابقة إليزابيث بورن عن أغلبية لتمرير التشريعات والقوانين لكنه لم يتمكن من حل المعادلة شبه المستحيلة في ظل سلطة محرومة من الأغلبية البرلمانية. كما أن وصول غابرييل أتال إلى ماتينيون لم يغير هذا الوضع.
لكن الحل الجديد ليس أفضل بكثير عن سابقيه، "لأنه من المرجح جداً أن الرئيس أراد أن يلعب عدة أوراق كلعبة البوكر ليحاول أن يمنح نفسه مجالاً للمناورة، معتقداً أنه ستكون هناك جبهة جمهورية ستقام لمنع وصول الجبهة الوطنية. لكن في الحقيقة هناك فقط جبهة يسارية تسعى للخروج من ضعفها السياسي واختفائها من الخريطة السياسية في أوروبا وتحديدا في فرنسا"، بحسب إيمانويل ديبوي، المحلل السياسي ورئيس معهد الأمن والاستشراق في تصريحه لموقع "سكاي نيوز عربية".
ويتابع، "كل شيء يشير إلى أن حزب النهضة الذي يتزعمه الرئيس إيمانويل ماكرون سيخسر عددا مهما من المقاعد لصالح التجمع الوطني التي قد تحصل على أكثر من 100 مقعد إضافي والأكيد أنها لن تكتفي ب88 مقعدا التي حصلت عليها بعد نتائج انتخابات 2022 ".
وفي حالة وصول التجمع الوطني إلى ماتينيون، فإن ذلك قد يفتح له أفقا جديدا نحو الإليزيه. "من الممكن أن يمهد جوردان بارديلا في حال أصبح رئيس الوزراء الطريق أمام مارين لوبان لتولي السلطة في عام 2027".