بعد موجة الهجرة الواسعة لعدد كبير من اللبنانيين نتيجة الانهيار المالي الذي أصاب البلاد نهاية عام 2019 ثم انفجار مرفأ بيروت عام 2020، سُجلت مطلع هذا الصيف عودة لافتة لنسبة كبيرة من الأطباء.
وتمثلت ظاهرة الهجرة العكسية لمجموعات من الأطباء ببث حالة إيجابية في القطاع الصحي، رغم أنها تزامنت مع دخول البلاد في نفق التهديدات بحرب مع إسرائيل.
وقدرت مصادر محلية عودة الأطباء بنسبة 50 في المئة (على مراحل) إلى مراكز عملهم في مستشفيات لبنان، بعد هجرة نحو 3500 طبيب نهاية عام 2019.
أرقام
حسب الباحث في نشرة "الدولية للمعلومات"، محمد شمس الدين، لموقع "سكاي نيوز عربية"، فإن عدد اللبنانيين الذين هاجروا منذ عام 2020 وحتى 2023 بلغ نحو 340 ألفا، مضيفا أن "هجرة الأطباء كانت في الطليعة".
وأكد نقيب الأطباء في لبنان، يوسف بخاش، لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "3500 طبيب غادروا لبنان على دفعات منذ نهاية عام 2019 لأسباب عدة كالأزمة الاقتصادية وانفجار مرفأ بيروت، إلا أن المفارقة كانت بعودة نحو 50 في المئة منهم حتى اليوم".
ويعزو بخاش أسباب هذه العودة إلى "الوضع المالي والجهد الكبير للنقابة في تنظيم العلاقة بين الأطباء وشركات التأمين".
وتابع: "قمنا بمبادرات نوعية شجعت الأطباء على العودة، إذ أبرمنا اتفاقية مباشرة مع شركات التأمين لدفع بدل أتعاب الطبيب خلال 3 أشهر بالدولار، ووصلت مطلع عام 2024 نسبة التغطية بالدولار إلى 100 في المئة، ومن المتوقع أن تصل إلى 105 في المئة خلال 2025، مع الإشارة إلى أن هذه الاتفاقية تحدث لأول مرة في تاريخ النقابة، مما أدى إلى ارتياح في صفوف الأطباء".
ويضيف النقيب: "كما تم لأول مرة فصل ملف الأطباء عن ملف المستشفيات، مما سهل الحصول على بدل الأتعاب".
وختم: "أضف إلى ذلك معاناة بعض الأطباء من صعوبة التأقلم في الخارج حيث التحديات كبيرة، فضلا عن أسباب أخرى كالبعد عن العائلة في لبنان".
وفي السياق ذاته، قال مدير المركز الطبي بمستشفى الجامعة الأميركية جوزيف عتيق لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن أكثر من 60 في المئة من أطباء المستشفى عادوا إلى بيروت بعد إقامة دامت نحو 3 سنوات في الخارج.
وأضاف عتيق: "اللافت أن الأطباء بعمر الشباب عادوا بعد اكتساب خبرات، خصوصا في دول أوروبا".
ونوه عتيق بالأثر الإيجابي لـ"عودة الجسم الطبي إلى مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت"، مشيرا إلى "وعود بعودة آخرين".
من جهته، يرى المدير العام لمستشفى رفيق الحريري الحكومي الجامعي جهاد سعادة، أن عددا كبيرا من الأطباء عادوا إلى عملهم في لبنان "لأسباب عدة، أبرزها الضغط العالي في ساعات العمل خاصة في الدول العربية".
بينما عزا سعادة، في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، عودة الأطباء من أميركا ودول أوروبية إلى" ضعف الرواتب".
ونوه بتحسن أوضاع الأطباء في الوقت الحالي، لافتا إلى "حاجة لبنان للجيل الجديد من الأطباء حديثي التخرج والمتدربين".
وعن هجرة الأطباء من مستشفى رفيق الحريري، أوضح أن "أكثر من 50 في المئة من أطباء المستشفى غادروا لبنان عام 2020، عاد منهم اليوم 11 في المئة، ونحن بانتظار ارتفاع هذه النسبة".
وختم سعادة حديثه قائلا إن "الحاجة ملحة لعودة الجميع ولعدم هجرة الجيل الشاب، لما لذلك من أثر إيجابي بدأنا نلمسه في أروقة المستشفيات وعلى مستوى الخدمات الصحية في البلاد".
إلى "بيتنا"
وتحدث جورج، الطبيب في أحد مستشفيات بيروت الذي طلب تعريف نفسه باسمه الأول فقط، لموقع "سكاي نيوز عربية" قائلا: "سبب عودتي أنا وعائلتي من بلجيكا تمسكنا بالقيم التي نريد أن نربي أطفالنا على أساسها، وهي غير متوفرة هناك".
وتابع: "نقابة الأطباء اللبنانية ساعدت في تشجيعنا على العودة، فالحياة في الاغتراب ليست سهلة كما يعتقد البعض. التكاليف عالية ناهيك عن صعوبة الطقس، والأصعب غياب من يحتضنك عندما تحتاج للمساعدة".
كما يشير طبيب تخدير في إحدى مستشفيات طرابلس شمالي البلاد لموقع "سكاي نيوز عربية"، إلى أن "الغربة تشبه اقتلاع الشجرة من بيئتها، وقد واجهنا العديد من الصعوبات أبرزها الأطفال الذين ولدوا في الغربة لا هوية واضحة لهم، وبدؤوا يعيشون بين ثقافتين: البيت والبلد التي هاجرنا إليها".
ويتابع: "لا يعتقد أحد أن الحياة خارج لبنان مثل الحياة فيه، رغم كل الظروف الصعبة".
ويشدد على "ضرورة التخطيط قبل الهجرة"، مشددا على صعوبة الاندماج للأبناء بين التربية على مفاهيم بلادنا والغرب".