جاءت زيارة الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي لمصر في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة توترات تستدعي التكاتف الوثيق بين البلدين، خاصة فيما يتعلق بأمن منطقة الساحل والأزمة في السودان والعلاقات الثنائية، حسبما قال خبراء تشاديون ومصريون في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية".
واستقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الثلاثاء، بمدينة العلمين الجديدة، الرئيس محمد إدريس ديبي، رئيس جمهورية تشاد.
واتفق الرئيسان على تفعيل عمل اللجنة المشتركة بين البلدين في أسرع وقت ممكن، لتنفيذ ما تم التوافق عليه والإسراع بإدخال مشروعات التعاون المشترك حيز التنفيذ، بما يحقق مصالح الشعبين الشقيقين.
وخلال اللقاء تم التباحث أيضا حول عدد من القضايا الإفريقية ذات الاهتمام المشترك، وعلى رأسها التطورات الجارية في السودان، والأمن في منطقة الساحل الأفريقي، وتعزيز التنسيق بشأن دور تجمع الساحل والصحراء.
ملفات مشتركة
الدبلوماسي التشادي، الأمين الدودو عبد الله، سفير تشاد السابق في مصر، قال في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية" إن "زيارة الرئيس التشادي لمصر في هذه الفترة هي زيارة ودية تصب في مصلحة العلاقات الودية والأخوية بين البلدين، ولكن في إطار الأعمال السياسية والدبلوماسية عندما تكون هناك لقاءات على فترات متقاربة فهي تهدف إلى تقوية التعاون في القضايا ذات الاهتمام المشترك".
وأضاف أن "زيارة الرئيس التشادي إلى مصر تصب في هذا الإطار، وهناك معطيات سياسية وأمنية واقتصادية. الجانب الاقتصادي يتمثل في أن الدول الأفريقية تأثرت بشدة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية والبؤر الصراعية الأفريقية، مما أدى إلى الركود الاقتصادي في الكثير من السلع، وخصوصا الحرب السودانية التي أثرت بشكل سلبي على مصر فيما يتعلق ببعض السلع الأساسية الأولية كاللحوم والسمسم وبضائع أخرى".
الدبلوماسي التشادي يوضح أن "تشاد هي البلد الوحيد في المنطقة الذي يمثل بديلا للصادرات السودانية إلى مصر، وكانت هناك في السابق علاقات تعاون في مثل هذه المجالات ولكن لعدم وجود الحدود المباشرة مابين تشاد ومصر، فإن تفعيل هذه الجوانب أصيب بشيء من الضعف، ولم يكن مفعلا بشكل كامل، وبالتالي فإن الحرب السودانية الحالية نبهت الطرفين إلى أهمية تواجد هذه الثروات في الدولة التشادية قد تقوم بما تقوم به الشقيقة السودان وخاصة في توفير اللحوم وبعض الغلال".
وتابع: "إلى جانب ذلك، هناك قضايا سياسية عالقة بين البلدين، ومنها ما يتعلق بأمن الساحل الأفريقي، والتعاون في تعزيز هذا الأمن يبقى من أهم القضايا بعد الملف الاقتصادي، وهذه الجزئية لم يتغير فيها شيء، خاصة وأن الساحل الأفريقي ما يزال هو هو، والدول التي تضع نفسها في هذا السياق السياسي والجيوبولتيكي هي هي، وكذلك لم تصل إلى درجة الطمأنينة والأمن الكامل والشامل من ذلك الإرهاب العابر للحدود والذي يتجرد من الأبعاد الدينية والعرقية والحضارية".
ويوضح الدبلوماسي التشادي أن "الإرهاب اليوم يصعب التعامل معه ومقارعته ودحره إلا بتكاتف الجهود لأكثر من دولة، خاصة تلك التي هي لصيقة أو ذات نقاط تماس مع الرعب الإرهابي، وهذا عامل آخر حاضر وقوي يدعو زعماء هذه الدول أن تلتقي حتى وإن لم يكن بشكل دوري للتعاون ودراسة وجدولة ما تم إنجازه وما لم يتم إنجازه وأولويات مايبدأ به ومايقف عنده".
وأبرز: "الملف الثالث هو قضية السودان والحرب الأهلية هناك، ومن المؤكد أن الدول الجارة للسودان والتي تبحث عن أمنها القومي ستكون منزعجة وحذرة بشكل كبير وستسعى إلى إيقاف الحرب الأهلية، وستطلب ألا تمتد هذه الحرب إلى أمنها القومي، ولذلك فإن ذهاب الرئيس التشادي إلى مصر لملاقاة الرئيس المصري وفي هذه المرحلة وطرح الملف السوداني، فهي مسألة تمثل ضرورة ملحة وبعدا أمنيا وأيضا سياسيا وجغرافيا خطيرا جدا".
تدفق اللاجئين
المحلل السياسي التشادي أبو بكر عبد السلام، قال في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية" ، إن زيارة الرئيس التشادي تضمنت الكثير من الملفات المطروحة على الطاولة والكثير من أوجه التعاون بين البلدين سواء على المستوي السياسي أو الاقتصادي أو الأمني، حيث إن مصر وتشاد تربطهما علاقات قديمة متجددة.
وأوضح عبد السلام أن "الأزمة السودانية وانعكاساتها على أمن دول الجوار وأمن دول الساحل كانت حاضرة بالطبع على طاولة الحوار، خاصة وأن الحرب السودانية لها ارتدادات على دول الجوار مصر وتشاد وكذلك على دول منطقة الساحل بأكملها".
ويلفت المحلل السياسي التشادي إلى أن "السودان يعيش حاليا أزمة، وهو ما دفع الرئيسين إلى مناقشة تدفق اللاجئين السودانيين في الحدود المصرية والتشادية، وإمكانية مساعدة السودان وخروجها من نفق الحرب، وكذلك إجراء حوار بين الأطراف المتصارعة والوصول لحلول عاجلة في ظل الانعكاسات السلبية التي تمس الظروف المعيشية في مصر وتشاد".
ويرى المحلل السياسي التشادي أن "الرئيس التشادي قبل أسابيع زار ليبيا أيضا، لأن هذه الدول التي تأثرت بشكل مباشر بالحرب السودانية، في ظل تدفق أعداد مليونية من اللاجئين".
علاقات ثنائية
الباحث المصري في الشؤون الأفريقية، الدكتور محمد عبد الكريم، قال في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "ملف العلاقات الثنائية بين مصر وتشاد هو الذي هيمن على أجندة زيارة ديبي في مصر، أما ملف الأزمة السودانية فإن التنسيق المصري التشادي لم يتحرك للأمام بعد مؤتمر القاهرة لدول جوار السودان منتصف 2023".
ويرى عبد الكريم أنه "حتى حال طرح الملف خلال الزيارة، فإن أثر هذا التنسيق سيكون محدودًا للغاية، لكن في حال دفع القاهرة نحو تفعيل مبادرات وبيان دول جوار السودان بالتعاون مع تشاد، فإن ذلك سيصب في صالح الأمن في منطقة الساحل على المدى البعيد ويكسب تشاد دورا وازنا في هذا السياق".