بعد سقوط نظام بشار الأسد، تواجه الإدارة السورية الجديدة تحديًا كبيرًا في التعامل مع الوضع الأمني المشتعل.
ففي الوقت الذي تشن فيه السلطات حملة واسعة لملاحقة فلول النظام السابق من العسكريين وعناصر الأجهزة الأمنية، تتزايد المخاوف من عمليات انتقامية وعودة الفوضى. وفقًا للمرصد السوري، تم اعتقال قرابة 300 شخص ومصادرة كميات كبيرة من الأسلحة في مناطق محورية كدمشق، واللاذقية، وطرطوس وحمص.
وتعهد رئيس الاستخبارات العامة في الإدارة الجديدة، أنس الخطاب، بإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية وحل جميع فروعها، بينما تمت ترقية دفعة من الضباط الجدد. لكن يبقى السؤال الأهم: هل تستطيع الإدارة الجديدة احتواء التحدي الأمني وفرض الاستقرار؟.
التحدي الأمني هو الأكبر
أكد الخبير العسكري والاستراتيجي العقيد إسماعيل أيوب خلال حديثه لسكاي نيوز عربية أن انهيار الجيش السوري، الذي كان يعتمد بشكل كبير على ضباط الطائفة العلوية، شكل أزمة حقيقية.
وأضاف: أن "العديد من هؤلاء الضباط فقدوا مواقعهم وسيطروا على مخازن أسلحة، مما تسبب في زيادة العنف وتعقيد الوضع الأمني."
وأشار أيوب إلى أهمية التعاون بين الدولة والمواطنين لتجنب الانتقام الشخصي، قائلا: "يجب أن تكون الدولة هي الجهة الوحيدة التي تحكم بين الناس، مع محاسبة جميع المجرمين بغض النظر عن انتمائهم الطائفي."
كما شدد على أهمية استعادة الضباط من مختلف الطوائف لمناصبهم للمساهمة في بناء جيش جديد، مؤكدًا أن الحفاظ على الأمن ومنع الاقتتال الداخلي هما التحديان الأكبر في هذه المرحلة.
العقد الاجتماعي
من جانبه، أوضح رئيس مركز استراتيجية للدراسات فراس النائب أن بناء عقد اجتماعي داخلي وتصالح خارجي هو الأساس لتحقيق الاستقرار. وأشار إلى أهمية التعامل بحذر مع المؤسسات العسكرية والأمنية، لافتا إلى أن "الأفراد في هذه المؤسسات جزء من الشعب السوري، ولديهم خبرات يجب الاستفادة منها بدلاً من الاستهانة بهم."
وحذر النائب من تكرار أخطاء العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، مثل تفكيك الجيش وحل حزب البعث، قائلاً: "تفكيك الجيش أو التعامل مع المؤسسات الأمنية بشكل عشوائي قد يؤدي إلى فوضى ودمار داخلي."
كما دعا إلى تجنب تصفية الحسابات والانتقام، مشددًا على أهمية الحفاظ على القيم الإنسانية والمواطنة خلال الفترات الانتقالية الحساسة.
هيكلة الجيش
وسلط الباحث في مركز الإمارات للسياسات، محمد الزغول، الضوء على أهمية إعادة هيكلة الجيش والأجهزة الأمنية بطريقة تضمن الحفاظ على كفاءة المؤسسات.
وأشار إلى خطورة تكرار تجربة العراق بعد حل جيشه، موضحًا: "تحويل الجيش إلى عاطلين عن العمل قد يؤدي إلى خلق أعداء جدد، ويجب أن تكون العدالة الانتقالية أساسًا لبناء المرحلة الجديدة."
وأكد الزغول أن الجيش السوري يجب أن يكون جيشًا لكل السوريين، مع أهمية الاستفادة من الضباط السابقين تحت قيادة جديدة. وحذر من أن المرحلة الانتقالية قد تتحول إلى فوضى إذا لم يتم التعامل معها بحكمة وصبر.
توازن دقيق بين العدالة والاستقرار
بينما تعمل الإدارة السورية الجديدة على مواجهة فلول النظام السابق، تبقى التحديات الأمنية والاجتماعية كبيرة. فبناء دولة مستقرة يتطلب إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والعسكرية، مع ضمان محاسبة عادلة للمسؤولين عن الجرائم.
في هذا السياق، أكد العقيد إسماعيل أيوب أن: "الدولة الحديثة يجب أن تدعو الجميع لتسليم أسلحتهم والانخراط في المصالحة، مع وعد بمحاكمة عادلة لمن ارتكبوا جرائم."
من جانبه، شدد فراس النائب على أهمية التمييز بين المسؤولين عن الجرائم ومن أجبروا على تنفيذ أوامرهم، معتبراً أن العدالة الانتقالية هي الأساس لتجنب الفوضى.
أما محمد الزغول، فقد أشار إلى أن: "الحفاظ على هيكلية الجيش وتعزيز القدرات العسكرية يحتاج إلى وقت وجهود كبيرة، لكن الأهم هو الحفاظ على المؤسسات لضمان استقرار البلاد."
بين الدعوات للتعاون وتجنب الانتقام، وبين الحاجة إلى إعادة بناء المؤسسات، يبدو أن الإدارة السورية الجديدة تسير في حقل ألغام مليء بالتحديات. لكن النجاح في هذه المرحلة يعتمد بشكل كبير على القدرة على تحقيق التوازن بين العدالة والاستقرار، مع تجنب الأخطاء التي وقعت فيها دول أخرى خلال فتراتها الانتقالية.