أثارت موافقة وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الإثنين، على مهمة بحرية لحماية الملاحة الدولية في منطقة البحر الأحمر من الهجمات التي يشنها المسلحين الحوثيين، تساؤلات بشأن نجاحها في تحقيق الردع واستقرار حركة الملاحة البحرية.
وأشار مراقبون وخبراء عسكريون في حديثهم لموقع "سكاي نيوز عربية"، إلى أن تلك المهمة ستكون بمثابة رسالة إلى الحوثيين بشأن مدى أهمية هذا الامتداد البحري بالنسبة لحركة التجارة الدولية، وحزم أوروبا في الحفاظ عليه تجنبا لتداعيات سلبية أكبر، لكنهم في الوقت ذاته أوضحوا أن تلك المهمة البحرية فاقمت المخاوف من كون ذلك يعني استمرارا للتصعيد الراهن في المنطقة على المدى المتوسط.
ما مهمة "أسبيدس"؟
تشمل المهمة التي يقودها الاتحاد الأوروبي، والتي أطلقت عليها مسمى "أسبيدس" وهي كلمة يونانية قديمة تعني الردع، إرسال 3 سفن حربية أوروبية وأنظمة إنذار مبكر محمولة جوا إلى البحر الأحمر وخليج عدن والمياه المحيطة.
وتأتي تلك المهمة لاستكمال عملية "حارس الازدهار" الحالية التي تقودها الولايات المتحدة بمشاركة عدد من الدول الأوروبية، خاصة الدنمارك واليونان وهولندا، في حين تدخل فرنسا وإيطاليا في عضوية تلك البعثة، إلا أنهما تعملان في المنطقة بأوامر قياداتهما الوطنية.
ورحبت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، عبر حسابها بموقع "إكس"، بقرار تشكيل "مهمة أسبيدس"، قائلة إن "أوروبا ستضمن حرية الملاحة في البحر الأحمر، وتعمل جنبا إلى جنب مع شركائنا الدوليين، بالإضافة إلى الاستجابة للأزمات"، معتبرة إياها "خطوة نحو وجود أوروبي أقوى في البحر لحماية مصالحنا الأوروبية".
سيكون لدى سفن مهمة "أسبيدس" أوامر بإطلاق النار على المسلحين فى حالة تعرضها للهجوم أولا، لكن لن يُسمح لها بإطلاق النار بشكل استباقي.
ومن المقرر أن تكون قيادة العمليات في مدينة لاريسا اليونانية.
وقال وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاياني، إن موافقة الاتحاد الأوروبي على إطلاق مهمة "أسبيدس" تعدّ بمثابة خطوة مهمة نحو تشكيل الدفاع المشترك، مضيفًا: "إيطاليا تقف على خط المواجهة لحماية المصالح التجارية وحرية الملاحة في البحر الأحمر.. إنها خطوة مهمة نحو تشكيل الدفاع الأوروبي المشترك".
وتأتي هذه الإجراءات ردا على الهجمات المتزايدة من قبل الحوثيين، الذين يشنون هجمات بالصواريخ والطائرات بدون طيار ضد سفن بحرية، حيث تزامنت مع الإعلان عن استهداف سفينة الشحن روبيمار في خليج عدن، ونتيجة للأضرار الكبيرة التي تعرضت لها فهي معرضة الآن للغرق، كما تعرضت سفينة شحن مملوكة أميركيا لـ"هجوم صاروخي" قبالة اليمن.
وهذه الهجمات ضمن سلسلة من الهجمات التي هدد فيها الحوثيون أمن الملاحة في البحر الأحمر بشكل متصاعد منذ بدء الحرب في قطاع غزة.
أدت الهجمات إلى ارتباك حركة النقل البحري العالمي، حيث أُجبرت شركات الشحن على اختيار طرق أطول وأكثر تكلفة حول جنوب إفريقيا، في الوقت الذي أشار مفوض الاقتصاد في الاتحاد الأوروبي باولو جينتيلوني إلى أنه "مع إعادة توجيه الشحن، زادت أوقات تسليم الشحنات بين آسيا والاتحاد الأوروبي بمقدار 10-15 يوما، وارتفعت تكاليف هذه الشحنات بنحو 400 بالمئة".
وتشارك الفرقاطة الألمانية "هيسن"، التي كان على متنها حوالي 240 فردا، بالمهمة وأبحرت إلى المنطقة منذ أكثر من 10 أيام، وحسب برلين فإن عملية الاتحاد الأوروبي تغطي مضيق باب المندب ومضيق هرمز والبحر الأحمر وخليج عدن.
تداعيات وتحديات "أسبيدس"
وأشارت الزميلة الزائرة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، سيلين أويسال، إلى أن هذه البعثة تمثل إشارة إلى استعداد أوروبا لاتخاذ إجراءات ضد حالة عدم الاستقرار الحالية في البحر الأحمر، على الرغم من ضرورة القيام بعمل كبير للتنسيق مع المبادرات القائمة وإقناع المسؤولين في المنطقة بفائدة المهمة.
وأشارت "أويسال" في تحليل نشره المعهد بشأن تشكيل تلك المهمة، إلى أن الصلاحية المنوطة بالعملية تحقق التوازن بين مختلف الأساليب على مستوى الدول الأوروبية التي يشارك بعضها في الضربات الجوية والصاروخية ضد الحوثيين في اليمن، بينما يفضل البعض الآخر اتخاذ موقفا أكثر دفاعيا، في حين لا تسعى البعثة إلى معالجة الأزمة الحالية فحسب، بل إلى تعزيز الاستراتيجية البحرية طويلة الأمد للاتحاد الأوروبي أيضا.
لكنها أوضحت مع ذلك، أن قواعد الاشتباك قد تطرح تحديات أمام المهمة الجديدة، حيث ستدعم بعثة "أسبيدس"، سياسة خفض التصعيد وحرية الملاحة، باضطلاعها دور دفاعي في الغالب، حيث يشير ذلك إلى حذر أوروبي واسع النطاق بشأن نسبة التكاليف إلى الفوائد المترتبة على "التصعيد المنضبط" في المنطقة، الذي يُعتقد أنه لن ينجح في تشكيل الردع.
وكانت هولندا هي الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي شاركت في الضربات الأمريكية على أهداف للحوثيين في اليمن، والتي تم شنها في إطار مختلف عن عملية "حارس الازدهار".
وأكدت أنه "يتعين على البعثة الحفاظ على توازن دقيق بين هدفها المتمثل في عدم التصعيد والاستخدام المحتمل للقوة"، كما يشكّل التنسيق تحدياً آخر من التحديات التي تواجه عمل البعثة، حيث سيتعيّن على المشاركين التواصل مع بعثتين بحريتين أوروبيتين أخريين في المنطقة "أتالانتا" و"أجينور"، بالإضافة إلى المبادرات التي تقودها الولايات المتحدة.
رسالة ردع
وفي تقدير المحلل السياسي والمستشار الاستراتيجي الإيطالي، دانييلي روفينيتي، فإن الاتحاد الأوروبي يحاول خلق الردع من خلال تحريك تلك السفن، وإرسال رسالة إلى الحوثيين حول مدى أهمية هذا الامتداد البحري بالنسبة لأوروبا بأكملها.
وقال "روفينيتي" في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، إنه بات من الصعب التفكير في وضع الاقتصاد الجغرافي العالمي مع الطرق الهندية المتوسطية التي تربط أوروبا وآسيا.
وبشأن مدى نجاح "أسبيدس" في مهمتها، أضاف: "لا أستطيع تحديد ذلك الآن، بالنظر إلى أن الأنشطة الهجومية التي تقودها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لم تحقق المطلوب الكامل منها حتى الآن، ولذلك فمن المنطقي أن تقترن أسبيدس بالأنشطة الدبلوماسية التي تجرى في المنطقة".
لكن المستشار الاستراتيجي الإيطالي، لا يعول على انتهاء التصعيد في وقت قصير بالمنطقة، إذ يقول إنه "في الوقت الحالي، لا يبدو أن الحوثيون يفكرون في وقف أنشطتهم، على الرغم من أن قدراتهم العسكرية تأثرت بالفعل بسبب الغارات الأمريكية والبريطانية".
واستكمل: "إنها مهمة مخطط لها أن تستمر لمدة عام، لأن هذه القضية لا يمكن التحكم فيها على الفور، ومن الصعب وضع تنبؤات، لأن هناك العديد من الملفات المعقدة، وقد أظهر الحوثيون بالفعل أنهم يتبعون أجندة غالبا ما تكون مفاجئة".
وعن تحديات مهمة أسبيدس، أوضح "روفينيتي"، أنها قد لا تُغير كثيرًا من الأوضاع في البحر الأحمر "فقد نرى السفن التجارية الأوروبية تقع بسهولة بين أهداف الحوثيين، وقد نرى سعيا للوساطة في الأزمة، وقد نرى على المدى الطويل إعادة تشكيل الأوضاع الأمنية العامة".
هجمات قد تطول
وهذا ما ذهب إليه مدير مركز التحليل العسكري والسياسي في معهد هدسون، ريتشارد وايتز، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، حيث قال إن تشكيل مهمة الاتحاد الأوروبي تعني اعترافًا بأن هجمات الحوثيين "لن تنتهي قريبا".
وأوضح "وايتز" أنه في هذه المرحلة، ستؤكد بعثة الاتحاد الأوروبي البحرية في المقام الأول وظيفة رمزية لمصالح الاتحاد الأوروبي في المنطقة والقدرة على العمل للدفاع المشترك.
وأضاف: "تقوم شركات الشحن الآن بتحويل معظم حركة الملاحة حول جنوب إفريقيا بدلا من الإبحار عبر البحر الأحمر، بينما من المحتمل أن تفعل ذلك طالما أن هجمات الحوثيين تتواصل ما لم يتم وضع حد نهائي لها".
خطوة محورية
أما المحلل الفرنسي المتخصص في العلاقات الحكومية والشؤون الدولية، فرانك فارنيل، فقال في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن إطلاق الاتحاد الأوروبي لمهمة "أسبيدس" يرمز إلى خطوة محورية تؤكد التزام أوروبا بالحفاظ على الأمن البحري والاستقرار الإقليمي، والاستعداد لمعالجة الاضطرابات المستمرة واستكمال جهود العمليات التي تقودها الولايات المتحدة حاليا.
ومع ذلك يرى "فارنيل" أن "هناك أسئلة حاسمة تتعلق بقدرة هذه المهمة على ردع هجمات الحوثيين بشكل فعال".
وأشار إلى أن ما يقرب من 12 بالمئة من التجارة العالمية و40 بالمئة من التجارة الآسيوية الأوروبية تمر عبر طرق البحر الأحمر، مما يشير إلى أن الاضطرابات المستمرة تشكل تهديدا للمصالح الاستراتيجية الأوروبية.
ولفت "فارنيل" إلى أنه لتحقيق مهمة "أسبيدس" هدفها في ردع هجمات الحوثيين، فإن "هذه مسألة متعددة الأوجه تتجاوز الردع العسكري وتستلزم اتباع نهج كلي يشمل بذل جهود دبلوماسية لمعالجة الأسباب الجذرية للصراع الراهن في الشرق الأوسط".
وأضاف: "يجب أن تشكل هذه الإجراءات جزءا من استراتيجية أوسع تشمل المشاركة الدبلوماسية ومبادرات حل النزاعات لضمان الاستقرار طويل الأجل في المنطقة، كما يجب أن يحدث أيضا الانتقال من الموقف الدفاعي إلى الموقف الهجومي".