مع تصاعد وتيرة الهجمات الروسية واستمرار انهيار خطوط الدفاع الأوكرانية، بات الغرب يعيد النظر في استراتيجياته ورواياته الإعلامية بشأن الحرب.
يبدو أن الحديث عن "انتصار روسيا" لم يعد مجرد احتمال، بل تحول إلى واقع سياسي وعسكري يفرض نفسه على طاولة القرار الدولي.
الإعلام الغربي.. انعكاس للواقع أم محاولة لتشكيل رأي عام؟
على مدار الحرب، لعب الإعلام الغربي دورًا محوريًا في تسويق فكرة الانتصار الأوكراني واستنزاف روسيا. لكن، وفقًا للكاتب الصحفي جلاند دايسون، هناك تحول واضح في الخطاب الإعلامي. فبينما كانت وسائل الإعلام تصف أوكرانيا بالصمود البطولي، بدأت الآن في التركيز على معاناتها والخسائر التي تتكبدها يوميًا.
دايسون يشير إلى أن هذا التحول ليس عشوائيا، بل مدفوع بمعطيات ميدانية وسياسية. حيث أن تهاوي الدفاعات الأوكرانية في شرق البلاد وتقدم روسيا في دونيتسك يفرض إعادة تقييم لما يمكن تحقيقه من استمرار الحرب.
موقف الغرب.. دعم أوكرانيا أم البحث عن حل؟
الدعم الغربي لأوكرانيا، الذي بدأ بهدف استنزاف روسيا عسكريا وإضعاف نظامها السياسي، يبدو الآن وكأنه وصل إلى حدود غير قابلة للاستدامة.
يوضح الأستاذ سيد غنيم، الزائر في أكاديمية الناتو في بروكسيل، خلال حديثه للتاسعة سكاي نيوز عربية أن الدعم العسكري والمالي لم يحقق الهدف النهائي، وهو ردع روسيا أو إسقاط نظام بوتين.
يشير غنيم إلى أن الغرب يواجه معضلة كبيرة. فمن ناحية، تمثل أوكرانيا ورقة استراتيجية في الصراع مع روسيا. لكن من ناحية أخرى، استمرار الحرب يؤدي إلى استنزاف موارد الناتو نفسه.
يقول غنيم: "هناك سوء فهم في تعريف النصر والهزيمة؛ روسيا ليست بالضعف الذي يتم تصويره، بل نجحت في تثبيت مواقعها وتحقيق مكاسب استراتيجية".
زيلينسكي تحت الضغط.. بين المفاوضات وتطلعات النصر
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي ظل يتحدث عن تحقيق النصر، يواجه الآن ضغوطًا داخلية وخارجية. دعوته الأخيرة إلى صياغة خطة سلام شاملة مع روسيا تشير إلى إدراكه بأن استمرار الحرب قد لا يكون خيارًا مستدامًا.
لكن، في نفس الوقت، يبدو أن زيلينسكي يحاول الحفاظ على معنويات بلاده، حيث أشار في تصريحات سابقة إلى توقع تحقيق النصر بحلول عام 2025، رغم التصعيد الروسي الأخير باستخدام القنابل الانزلاقية والطائرات المسيّرة.
روسيا.. من الدفاع إلى الهجوم الاستراتيجي
القوات الروسية، التي واجهت صعوبات ميدانية في المراحل الأولى من الحرب، استطاعت استعادة زمام المبادرة في مناطق عديدة، خاصة في دونيتسك.
الهدف الروسي، كما يوضح سيد غنيم، لا يقتصر على المكاسب العسكرية، بل يشمل تثبيت نظام بوتين وتعزيز نفوذه الداخلي والخارجي.
"بوتين يرى في السيطرة على الموارد والأراضي وسيلة لتعزيز قوة روسيا، وفي الوقت نفسه يعمل على تفادي نقاط الضعف التي يمكن أن تستغلها الدول الغربية."، يقول غنيم.
هل يتحول الغرب إلى المفاوضات؟
بحسب دايسون، التحول في خطاب الإعلام الغربي ليس مجرد تعديل في الرواية، بل يعكس استعدادًا لتغيير النهج بالكامل. ويتوقع أن يتم تقديم الحرب على أنها نجاح استراتيجي للناتو، من خلال التركيز على توسع الحلف بانضمام السويد وفنلندا، وتعزيز أمن أوروبا.
في هذا السياق، بدأت فكرة المفاوضات، التي كانت مرفوضة تماما في بداية الحرب، تكتسب زخما تدريجيا. يبدو أن الغرب يدرك أن استمرار الحرب قد يؤدي إلى نتائج غير محسوبة، خاصة في ظل تقارير تفيد بنفاذ الموارد الأوكرانية.
لا غالب ولا مغلوب؟
بينما يروج الإعلام الغربي لفكرة أن الحرب أضعفت روسيا، يشير الواقع الميداني والسياسي إلى أن كلا الطرفين لم يحقق نصرًا كاملًا. فالغرب لم يستطع ردع روسيا بشكل حاسم، وروسيا لم تحقق جميع أهدافها الاستراتيجية.
لكن الأكيد هو أن الحرب، التي استنزفت الموارد البشرية والاقتصادية للطرفين، تُظهر الآن بوادر تحول كبير. ربما لا تكون النتيجة "انتصارًا ساحقًا"، لكنها بالتأكيد تضع روسيا في موقف أقوى مما كان يتوقعه الغرب.
يبدو أن مستقبل الحرب في أوكرانيا سيعتمد بشكل كبير على قرارات سياسية أكثر من التطورات الميدانية. فهل نرى قريبًا اتفاقًا يضع حدًا لهذا الصراع؟ أم أن الأطراف ستستمر في حرب استنزاف قد تغير شكل النظام العالمي بأكمله؟.