هي مفارقة قائمة بحدّ ذاتها، أن تكون أول إصدارات الحرس الثوري الإيراني العسكرية، بعد توقف حرب دامت 15 شهرًا في قطاع غزة، مسيرة تحمل اسم "غزة".
وتشبه مسيرة غزة الإيرانية أكثر ما تشبه، فيلق القدس الإيراني، أنشأه النظام الثيوقراطي في طهران، في أواخر الثمانينات كأحد أجنحة الحرس الثوري لتصدير الثورة الإيرانية إلى الخارج، لكنه دبق به اسم عاصمة الفلسطينيين، وقد نشط الفليق الإيراني بشكل مباشر في بيروت وصنعاء ودمشق وبغداد وبقاع أخرى في الشرق الأوسط، ليس من بينها القدس.
وكذلك مسيرة غزة، يصعب الفهم كيف سيستفيد منها الغزيون من الناحية العسكرية، وكيف سيكون لها تأثير على قضايهم، أيًا كان شكل ذاك التأثير، لكن ذلك كله وغيره لا يهم، فقد وجد ضباط الحرس الثوري دافعًا لتسميتها تيمنًا بغزة
قال الإيرانيون في مواصفات مسيرة غزة الكثير، تحلق من الساعات خمسًا وثلاثين، تحمل نصف طنٍ من الشحنات القتالية ومجهزة بأنظمة حرب ألكترونية متطورة.
قد تكون مسيرة غزة كشفًا جديدًا فعلاً، وليس مجرد إطلاق مسمى جديد على مسيرة قديمة، موجودة أصلا في مخازن الحرس الثوري. وقد تكون الميزات التي أدرجت في بطاقة تعريفها دقيقة، وليس مبالغات لزوم التسويق. لكن يبقى أن أهم ما في مسيرة غزة الإيرانية هو اسمها، غزة.
أراد من أطلق عليها التسمية أن يقول أنه يكترث لأجل غزة، ويبذل الغالي لأجل غزة، وسرديات مكررة أخرى على غرار أنه حين تناسى الجميع غزة، نحن لم ننس غزة، وغزة هي بوصلتنا ووجهتنا، إلاّ أن الحقيقة الوحيدة المؤكدة حيال مسيرة غزة، أن غزة نفسها لن تستفيد منها ولو بقدر ثمن الطلاء الذي طبع به على هيكلها عبارة غزة.
فيما المستفيد الأول وربما الأخير، سيكون صاحب فكرة إطلاق الاسم، وهي استفادة على غرار إطلاق اسم القدس على فيلق القدس.
والحقّ أن المسيرة هذه إن أضافت جديدًا، فهو ليس بجديد، أن طهران ورغم كل الذي جرى خلال الأشهر الطويلة الفائتة ولا يزال يجري من حرب شبه إقليمية، خسرت فيها بعضًا من أذرعها في المنطقة، تصرّ على النهج ذاته، بالاستثمار بقضايا شعوب المنطقة، وعلى وجه التحديد، الشعب الفلسطيني.
وبالمحصلة ليس قليلًا أبدًا، أن تخرج غزة من حرب حولتها أشهرها الخمسة عشر، إلى دور عزاء تبدأ في شمال القطاع ثم تعرّج على كلّ بيت حتى جنوبه، بل أن القطاع نفسه بات مجرد أكوام من الركام وقضبان الحديد المشعث، ثم ما تلبث إيران حين يصمت صوت الرصاص، تطلق على أحد مسيراتها، إسم "غزة".