بعد مرور أكثر من100 يوم على مسعى إسرائيل لتدمير حركة حماس، يواجه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تحديا من أعضاء حكومة الحرب فيما يتعلق بالاستراتيجية، في الوقت الذي يتعرض فيه لضغوط من واشنطن بشأن خطط ما بعد الحرب في غزة، فيما يجد نفسه محاصرا من وزراء اليمين المتشدد في الحكومة.
ويوم الخميس، قبل ساعتين من بث مقابلة في وقت الذروة مع وزير في الحكومة وقائد عسكري سابق يوجه الانتقادات على نحو متزايد،استدعى نتنياهو المراسلين ليقول لهم إن عزيمته لن تكل قبل القضاء على حماس.
وجاء استعراض الصمود والروح القتالية من جانب نتنياهو إرضاء لمن ترتفع أصواتهم على نحو متزايد في إسرائيل بانه لا يمكن الجمع بين هدفي تدمير حماس وتحرير الرهائن الذين ما زالوا محتجزين لدى الحركة الفلسطينية المهيمنة في غزة، ويتعين بالتالي وقف إطلاق النار.
وقال نتنياهو في المؤتمر الصحفي الذي بثه التلفزيون إن هناك من"يزعم أن النصر مستحيل. وأنا أرفض هذا تماما. إسرائيل تحت قيادتي لن تتنازل عن أقل من النصر الكامل على حماس".
ويواجه نتنياهو الذي يتعرض بقاؤه السياسي للخطر، مطالب أيضا بالالتزام بالنهج المتشدد من جانب شركائه في الائتلاف اليميني الذين هدد بعضهم بإسقاط الحكومة إذا تزحزح عن مواقفه.
وبعد مرور نحو أربعة أشهر على الحرب، ما زال يعتقد أن القياداتا لكبيرة المستهدفة في حماس تختبئ في عمق شبكة الانفاق الواسعة تحت غزة.
وفي استطلاع للرأي أجراه باحثون في الجامعة العبرية في 14يناير قال نصف من شملهم الاستطلاع إن الأولوية القصوى هي لتحرير الرهائن الذين يتزايد الخوف على حياتهم بعد نحو أربعة أشهر من هجوم السابع من أكتوبر الذي أسفر عن مقتل نحو1200 شخص.
وأُطلق سراح أكثر من 100 رهينة من 253 أثناء هدنة استمرت أسبوعا في نوفمبر، لكن لم يخرج أحد غيرهم من الرهائن على قيد الحياة منذئذ.
وعبر عضو في حكومة الحرب الآن عن هذه الضرورة الملحة بوضوح وعلنا للمرة الأولى. ويشير نشاط دبلوماسي مكثف مع وسطاء من الدوحة والقاهرة وواشنطن أيضا إلى تجدد التركيز في الدهاليز الخلفية على التفاوض من أجل وقف لإطلاق النار.
وعبر غادي أيزينكوت، الوزير في الحكومة الحالية ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، عن مخاوفه في اليوم الذي تحدث فيه نتنياهو. وقال أيزينكوت لبرنامج عوفدا بالقناة 12 التلفزيونية في مقابلة مسجلة سلفا "أعتقد أن من الضروري القول بجرأة إن من المستحيل إعادة الرهائن أحياء في المستقبل القريب بدون اتفاق".
استراتيجية الحرب
استراتيجية الحرب يضعها ثلاثي مؤلف من نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت وبيني غانتس، السياسي المعارض من الوسط الذي يقود حزب أزرق أبيض الذي ينتمي إليه أيزنكوت والذي انضم إلى حكومة الطوارئ بعد وقت قصير من هجوم السابع من أكتوبر.
ويحق للثلاثة التصويت على الحرب، وأيزنكوت ورون ديرمر، حليف نتنياهو المقرب، مراقبان في حكومة الحرب.
وأظهرت بيانات أصدرها الثلاثة بعد مرور نحو 100 يوم على الهجوم اختلافات طفيفة في النهج المتبع في الصراع. فقد قال غانتس أيضا إن هدف استعادة الرهائن يتعين أن يسبق الأهداف العسكرية الأخرى.
ورفض مكتبه الإدلاء بمزيد من التفاصيل بسبب "حساسية" الموضوع.
وقال غالانت إنه لن يتحقق هدفا إسرائيل إلا بالضغط العسكري لكنه دعا أيضا مجلس الوزراء إلى تحديد أهداف دبلوماسية ومناقشة خططما بعد الحرب في غزة. وأضاف أن الافتقار للقرار السياسي في خطة مابعد الحرب قد يضر بالتقدم العسكري.
وتكبد الجيش الإسرائيلي يوم الاثنين أكبر عدد من القتلى في هجومه على غزة مع مقتل 24 من بينهم 21 في هجوم بقذائف صاروخية وانفجار في وسط غزة وثلاثة في أماكن أخرى.
وفي أحدث استطلاع أسبوعي أجرته الجامعة العبرية وشمل 1373 شخصا بالغا من الأغلبية اليهودية في إسرائيل، قال 42 بالمئة إنه يجب التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن حتى لو كان بإطلاق سراح فلسطينيين مسجونين بسبب هجمات مسلحة تمخضت عن قتلى. وقال 17 بالمئة إن الاتفاق قد ينطوي على إبطاء وتيرة الرد العسكري الإسرائيلي.وتشير النتائج المجمعة إلى أن 59 بالمئة يدعمون الإجراءين في ارتفاع عن 39 بالمئة كانوا يؤيدون ذلك في التاسع من أكتوبر.
وقال نمرود نير، الباحث المشارك في إجراء الاستطلاع، إن الجمهور يتزايد ميله إلى النظر إلى الأمر باعتباره لعبة صفرية.وأضاف "إما أن نطلق سراح الرهائن، مما يعني أنه يتعين علينا الانتهاء من الجزء الثقيل من العملية في غزة على الأقل. أو نواصل القتال على الرغم من أن هذا سيكلفنا حياة الرهائن".
واعتصم أقارب الرهائن يوم السبت في خيام أمام منزل نتنياهو، كما شهد مطلع الأسبوع مسيرات طالبت ببذل مزيد من الجهد لإطلاق سراح الرهائن. وفي مطلع الأسبوع، دعا محتجون في مسيرة أيضا إلى إجراء انتخابات مبكرة. ويوم الاثنين، اقتحم أقارب الرهائن جلسة للجنة برلمانية في القدس.
المشي على الحبال
يسير نتنياهو بالفعل على حبل دبلوماسي رفيع بين واشنطن والحكومة الائتلافية اليمينية المتشددة، ومن المرجح أنه سيواجه المزيد من التحديات حين تبدأ مرحلة القتال الأشد كثافة في الانتهاء.
وقال أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأميركي، إن جيران إسرائيل العرب والمسلمين ربما يكونون مستعدين لدمج كامل لإسرائيل في المنطقة، لكنهم بحاجة أيضا لأن يشهدوا التزاما بمسار يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية.
لكن المناقشات الإسرائيلية رفيعة المستوى حول من يدير غزة بعد الحرب أُرجئت مرات في غمرة الشقاق السياسي الداخلي.
وقال مسؤول مطلع إن حكومة الحرب حددت أصلا موعدا لعقد جلسة،لكن ضغط شركاء نتنياهو في الائتلاف اليميني المتشدد الذين اُستبعدوا، أدى إلى إحالة الجلسة للنقاش في مجلس الوزارء الأمني الموسع.
وقال المسؤول إن الرؤى المختلفة لما بعد الحرب تباعدت الآن لدرجة تجعل عقد مثل هذه المناقشة مرة أخرى "عصيا على التحقيق".وقال وزير المالية، وشريك نتنياهو في الائتلاف الحاكم، بتسلئيل سموتريتش، إنه يجب إخراج الفلسطينيين من غزة، في تصريحات أدانتها واشنطن.
وقال سموتريتش يوم السبت إنه يجب على البيت الأبيض التوقف عن الضغط من أجل إقامة دولة فلسطينية.
وشدد إيتمار بن جفير وزير الأمن الوطني لهجته في الأسابيع القليلة الماضية ضد حكومة الحرب. وفي رسالة إلى نتنياهو الأسبوع الماضي، حذر بن جفير من أن الحكومة ستتهاون مع حماس في غزة وأنه لن يكون أداة طيعة توافق على سياسات لا يرضاها. وأشار إلى أن حزب القوة اليهودية الذي يتزعمه قد ينسحب من الائتلاف الحكومي، في خطوة قد تدفع نحو إجراء انتخابات مبكرة.
وقال للصحفيين في الكنيست يوم الاثنين، إنه إذا انتهت الحرب قبل الأوان "لن تكون هناك حكومة".
وأظهر استطلاع للرأي نُشر في أوائل يناير أن 15بالمئة فحسب من الإسرائيليين يريدون بقاء نتنياهو في منصبه بعد انتهاء الحرب وهو ما يوضح أنه لم يتعاف مما أصابه من تدهور في شعبيته بعد هجوم حماس.
وقال جدعون رهط، أستاذ العلوم السياسية في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، إن نتنياهو يروج فيما يبدو لحملة انتخابية على الرغم من تمتعه بدعم ضعيف.
وقال رهط "إنه يحاول وضع نفسه في إطار الشخص الذي سيوقف إقامة دولة فلسطينية".
ولم يرد مكتب نتنياهو على طلب للتعليق على خططه الانتخابية في المستقبل. ونفى نتنياهو علنا اعتزامه القيام بأي تحركات سياسية،قائلا إن تركيزه الوحيد ينصب على الفوز بالحرب.
وأصدر نتنياهو بيانا يوم الأحد قال فيه إنه صمد في السابق أمام "ضغوط دولية وداخلية كبيرة" لمنع إقامة دولة فلسطينية كانت ستشكل "خطرا وجوديا على إسرائيل".
لكنه لم يعلن صراحة استبعاده الكامل لقيام دولة فلسطينية، وقال إن إسرائيل يتعين أن تحتفظ دائما بسيطرة أمنية كاملة على جميع الأراضي الواقعة غرب الأردن، وهو موقف سيصر عليه دوما "ما بقيت رئيسا للوزراء".
وأضاف "إذا كان لدى شخص ما موقف مختلف، فليظهر "سمات" القيادة ويعلن موقفه بصراحة لمواطني إسرائيل".