حسم مدير عام السجون في السودان الجدل المستمر حول الجهة التي أطلقت سراح عناصر نظام المؤتمر الوطني - الجناح السياسي لتنظيم الإخوان - من سجن كوبر بعد أيام من اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل 2023، لكنه لم يكشف عن الغموض الذي يحيط بمكان تواجدهم.
وأكد مدير السجون في مؤتمر صحفي أن إدارة سجن كوبر هي من سمحت بإخراج عناصر النظام السابق بعد أوامر من رئيس القضاء.
وبعد الإطاحة بحكمهم الذي استمر 30 عاما، في أبريل 2019، اعتقل عدد من عناصر تنظيم الإخوان من المشاركين في الانقلاب الذي نفذه البشير في العام 1989.
وإضافة إلى تهمة انقلاب 1989 التي تصل عقوبتها للإعدام، يواجه البشير وعدد من عناصر النظام السابق المطلق سراحهم، تهما أمام المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية خلال حرب دارفور التي اندلعت في العام 2003 واستمرت نحو 17 عاما، وشهدت أعمال قتل واغتصاب وحرق ونزوح ولجوء طالت أكثر من مليوني شخص.
حسم الجدل
لفترة طويلة ظل طرفا القتال في السودان يتبادلان الاتهامات حول مسؤولية إطلاق سراح السجناء. لكن مدير السجون قال في مؤتمر صحفي إن خروج عناصر النظام السابق من سجن كوبر تم تحت إشرافه وبعد توقيعهم على تعهدات بناء على أوامر من نائب رئيس القضاء بعد اتصال جرى معه.
ووفقا له، فإن السجن كان يتعرض لضربات مستمرة أثارت مخاوف على حياة السجناء، مشيرا إلى أن عدد سجناء النظام السابق كان 18 سجينا في وضع الانتظار وكان بعضهم يتلقى العلاج في أحد المستشفيات.
ورأى مدير السجون أن إجراء إخراجهم بعد كتابة تعهدات كان صحيحا نظرا لأن قضيتهم قضية "راي عام". لكن المعز حضرة عضو هيئة الاتهام في قضية انقلاب 1989 والتي كان يحاكم فيها البشير وأعوانه المنتظرين في سجن كوبر، قال لموقع سكاي نيوز عربية إن السجناء المطلق سراحهم كانوا يحاكمون في قضية جنائية تتعلق بواحدة من أخطر الجرائم المنصوص عليها في القانون السوداني.
وأضاف "حديث مدير السجون يؤكد ما قالته هيئة الاتهام في بيان سابق بأن إدارة سجن كوبر هي من أخرجت عناصر النظام السابق المطلوبين في قضايا جنائية تتعلق بتقويض الدستور وتهم أخرى خطيرة".
وأوضح "أخطر ما ورد في حديث مدير السجون هو أن المطلق سراحهم كانوا سجناء سياسيين وسجناء رأي عام، في حين إنهم كانوا يحاكمون في قضايا خطيرة تتعلق بجرائم موجهة ضد الدولة (...) كان يمكن نقلهم إلى مكان آمن تحت حماية الجيش (...) هذه جرائم لا يجوز إطلاق سراح المنتظرين فيها بتعهد او ضمان".
لغز مستمر
في حين حسمت تصريحات مدير السجون الجدل حول الجهة التي أطلقت سراح عناصر نظام البشير من سجن كوبر، إلا أنها لم تكشف عن اللغز الذي ظل يحير السودانيين حول مكان وجود البشير وأعوانه.
وبالتزامن مع إطلاق سراح عناصر النظام السابق من سجن كوبر، أشارت تقارير إلى أن قوة عسكرية اقتحمت سجن الهدى في أم درمان وأخذت معها 28 من ضباط جهاز الأمن الذين كانوا ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام في جريمة قتل المعلم أحمد الخير داخل معتقله خلال الحراك الذي أطاح بنظام حكم الإخوان.
ومنذ خروج المطلوبين من عناصر النظام السابق من سجن كوبر، ظل السودانيون يتساءلون عن مكان وجودهم، لكن تقارير أشارت إلى أن بعضهم كان يتحرك بحرية في عدد من مناطق البلاد، حيث كشف أحد قادة تنظيم الإخوان في مقطع فيديو موثق عن لقاء أجراه معهم أحمد هارون في منطقة الجزيرة بعد أشهر من اندلاع الحرب بهدف وضع خطط للتحشيد الشعبي.
اما بالنسبة للبشير، فقد تضاربت الأنباء عن مكان وجوده، في حين أشارت تقارير غير مؤكدة إلى نقله إلى خارج البلاد بطائرة أقلته من داخل مستشفى تابع للجيش في أم درمان كان يتلقى فيه العلاج عند اندلاع القتال. وكان قائد الجيش عبد الفتاح البرهان ألمح في تصريحات صحفية عن وجوده في "مكان آمن" دون ان يحدد ذلك المكان.
ويعتقد الكثير من المراقبين أن أنصار البشير عملوا على تهريبه مستغلين حالة الفوضى العارمة التي تعيشها الخرطوم. وفي هذا السياق، يقول حضرة "حالة الغموض الحالية التي تحيط بمكان البشير تعزز الاعتقاد بتهريبه إلى خارج البلاد.
ويوضح "كل شيء ممكن (...)كانت هنالك جهات عديدة تعمل على إجهاض محاكمته (...) نحن كهيئة اتهام لا نعرف شيئا عن مكان وجوده".
وكانت الدائرة التمهيدية بالمحكمة الجنائية الدولية قد أصدرت في العام 2009، مذكرة توقيف بحق البشير وعدد من معاونيه، بناء على اتهامات بجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب دارفور.
مزيد من الشكوك
في خضم التقارير التي تحدثت عن صعوبات كبيرة تواجهها المحكمة الجنائية في معرفة مكان البشير والمطلوبين الآخرين، شكك مراقبون في خطاب مسرب قبل نحو ثلاث أسابيع، منسوب لإحدى السلطات الولائية تقول فيه أن الظروف الأمنية الحالية دفعتها للإفراج عن جميع المسجونين.
ورأى مراقبون أن التسريب يأتي ضمن خطة تهدف لإجهاض المطالب الرامية لإعادة اعتقال المطلوبين من عناصر النظام السابق.
ونبه مراقبون إلى تزامن تسريب الخطاب مع الضغوط الجارية حاليا للعودة إلى منبر جدة وتنفيذ بنود بناء الثقة التي تم الاتفاق عليها ومن بينها إعادة القبض على المطلوبين للمحكمة الجنائية وعناصر النظام السابق المطلوبين في قضايا أخرى ومن بينهم نافع على نافع وعلي عثمان محمد طه وآخرين.
وأشاروا إلى احتمالين، إما ان يكون الخطاب المسرب غير حقيقي وصادر عن غرف الإخوان الإعلامية أو حقيقي وفي الحالتين يقصد به تبرير اختفاء المطلوبين وبالتالي اجهاض البند الخاص بإعادة اعتقالهم.
وكانت اتفاقيات أبرمت بين الجيش وقوات الدعم السريع في جولتي تفاوض جرت بوساطة دولية في جدة والمنامة قد نصت بوضوح على القبض على الفارين من السجون وتسليم المطلوبين لدى الجنائية للعدالة الدولية، لكن هذا البند لم ينفذ حتى الآن.
وواجه وفد المحكمة الجنائية الدولية الذي زار بورتسودان خلال الأسبوع الثاني من مارس، صعوبات كبيرة في الحصول على معلومات حقيقية عن مكان تواجد المطلوبين لديها من المتهمين بارتكاب جرائم في دارفور وعلى رأسهم البشير ومساعديه عبد الرحيم محمد حسين وأحمد هارون.
وفي حين نقلت وكالة السودان للأنباء عن وزيرة العدل المكلفة هويدا عوض الكريم، القول بأن الدعم السريع عطل الأجهزة المكلفة بالقبض على المطلوبين للجنائية، أكد محامون سودانيون لموقع "سكاي نيوز عربية" أن المدعي العام للمحكمة الجنائية كريم خان أبلغهم أنه على علم بأن المطلوبين يتمتعون بالحماية.