في أحياء هايتي المعدمة، حيث يعم الفقر وتسود الفوضى، برزت شخصية جيمي شيريزير، المعروف بـ "الشواء أو باربكيو" الذي أصبح الآمر الناهي في مملكة من رجال العصابات في عاصمة البلاد.
ويعتبر شيريزير، بفضل سمعته المخيفة التي تتلاءم مع لقبه، من أبرز الشخصيات في عالم الجريمة المتقلب في هايتي، مما أثار تساؤلات حول قوته وتأثيره الحقيقيين، بحسب صحيفة الغارديان البريطانية.
فعلى جدران الأحياء الفقيرة يجسد شيريزير كـ "تشي جيفارا" الحديث، رمزًا للمقاومة ضد الظلم.
وفي المقابلات، يظهر نفسه كـ "روبن هود" الكاريبي، مستلهمًا أساطير الثورة مثل فيدل كاسترو وتوماس سانكارا ومالكوم إكس. ورغم تلك الخطابات التحريرية، يقر بالاعتماد على القوة المسلحة، مما يميزه عن القادة السلميين مثل مارتن لوثر كينغ.
الانتفاضة الجريئة ضد حكومة هايتي، التي قادها شيريزير، هي التي جعلته في صدارة الأحداث وسط الأهتمام العالمي.
وعلى الرغم من خلفيته الجنائية، يصوّر نفسه كمحارب نبيل لتحسين أوضاع الفقراء، مؤكدًا رفضه المطلق تورطه في جرائم مثل السرقة والاختطاف.
ولد شيريزير في هايتي خلال اضطرابات السبعينيات، ونشأ في حي دلماس المعدم.
رجل أمن ورجل عصابات
وتبقى أصول لقبه "الشواء" موضع تساؤل، فهل يعود ذلك إلى مهنة والدته في تقديم الدجاج المشوي أم لميوله المزعومة لحرق خصومه؟.
فقبل أن يصبح زعيمًا لأبرز عصابات هايتي، كان شيريزير يخدم في الشرطة الوطنية، وهو الأمر الذي يعقده شخصيته.
وتبرز فترة عمله في قوة مكافحة الشغب، التي اتهمت بالقمع الوحشي للمتظاهرين، التشابك بين إنفاذ القانون والجريمة في المشهد المشتعل في هايتي.
وتحذر التحليلات المعقدة من تبسيط قصة شيريزير، وتؤكد على تداخل الدوافع والتحالفات التي تقود أفعاله.
فعلى الرغم من رؤيته لنفسه كمدافع عن المظلومين، إلا أن طرقه وصلاته تكشف حقيقة أكثر سوادًا، مما يثير تساؤلات حول مدى نفوذه الفعلي وتداعياتها على الديمقراطية الهشة في هايتي.
مقعد للعصابات على طاولة المفاوضات
وفي مقابلة مع شبكة سكاي نيوز البريطانية، قال باربكيو الذي يرأس اتحاد العصابات التي أدت إلى توقف بورت أو برنس، إنه سيدرس وقف إطلاق النار وإجراء محادثات بشأن المستقبل السياسي للبلاد.
لكنه قال إن العنف لا يزال يطل برأسه في البلاد، موضحا:" لا يوجد شيء هادئ، لكن عندما تقاتل عليك أن تعرف متى تتقدم ومتى تتراجع".
"أعتقد أنه في كل يوم يمر نخرج باستراتيجية جديدة حتى نتمكن من التقدم، لكن لا يوجد شيء هادئ"
وقال باربكيو وهو جالس في أحد الأزقة في معقله: "في الأيام المقبلة، ستزداد الأمور سوءاً عما هي عليه الآن...".
تحاول الأحزاب السياسية في هايتي، التي تشرف عليها مجموعة كاريكوم، الاتحاد الاقتصادي لدول الكاريبي، تشكيل مجلس انتقالي يتولى إدارة البلاد بعد تنحي رئيس الوزراء أرييل هنري، الموجود حاليا في الولايات المتحدة.
وقال شيريزير إنهم "يحترمون المجموعة الكاريبية كثيرا" لكنه رفض العملية ووصفها بأنها لا تمثل احتياجات الناس العاديين وهي ستار من الدخان للسماح "للسياسيين الفاسدين" ومن يسميهم "القلة الفاسدة" بمواصلة إدارة البلاد.
وأصر على أن الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يستمر بها الوضع هي أن تشمل عملية السلام تحالف العصابات التي يتزعمه.
وأضاف: "إذا جاء المجتمع الدولي بخطة مفصلة يمكننا من خلالها الجلوس معًا والتحدث، دون أن يفرضوا علينا ما يجب أن نقرره، أعتقد أنه يمكننا عندئذ ألقاء الأسلحة".
وأضاف: "نحن لا نؤمن بقتل الناس وذبحهم، نحن نؤمن بالحوار، لدينا أسلحة في أيدينا، وبالأسلحة يجب أن نحرر هذا البلد".
وأصيبت هايتي بالشلل بسبب أسابيع من أعمال العنف التي شهدت إحراق مناطق بأكملها وتسويتها بالأرض، وتشريد عشرات الآلاف من الأشخاص من منازلهم، في حين أصبحت جرائم القتل والاغتصاب والمعارك بالأسلحة النارية حدثا يوميا.
وتسيطر العصابات على بورت أو برنس بنسبة 80 في المئة، وتوقفت الحياة الطبيعية فعليًا.
"ثوري من أجل الشعب"
ويرى باربيكيو نفسه ثوريا من أجل الشعب، ويهاجم السياسيين الفاسدين والأوليغارشية، على الطريقة الروسية.
وقد رفض كل الجهود الجارية هنا لتشكيل مجلس انتقالي يحكم هايتي.
"نحن نؤمن بالحوار، نحن مع الحوار، لكن هذه الطبقة السياسية الموجودة هنا الآن ليست هنا للحوار، والسبب هو أنهم لا يحملون هايتي في قلوبهم بنفس الطريقة التي نحملها نحن.
"الطبقة السياسية تقول إنها تستبعد قطاع الطرق، وإن الرجال المسلحين ليسوا فيها، لكن هذه طريقة بالنسبة لهم لإحياء نفس النظام، لأن النظام وصل إلى نهايته.
وقال: "إن الفجوة بين الأغنياء والفقراء واسعة للغاية، وفي العالم كله هناك فجوة بين الأغنياء والفقراء، ولكن الطريقة التي يتم بها الأمر في هايتي غير لائقة".
ومع ذلك، أشار إلى أنه منفتح على شكل من أشكال المفاوضات طالما أنهم ممثلون.
"نحن مستعدون لجميع الحلول طالما أن الهايتيين موجودون على الطاولة، ونحن مستعدون للجلوس والتحدث مع الجميع، لأننا لسنا فخورين بما يحدث في هذا البلد..."