مع بداية العام الجديد، وتحديدًا في 6 يناير، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن نيته تسريع إنتاج الصواريخ فرط الصوتية بعيدة المدى، وذلك ضمن استراتيجيته لتعزيز القدرات الدفاعية لبلاده. يأتي هذا التطور في سياق التوسع التركي في الصناعات العسكرية، والذي شمل إنتاج طائرات مسيرة متقدمة وتطوير أنظمة دفاعية محلية.
وفي خطوة لافتة، نجحت تركيا في إجراء اختبار جديد لصاروخها المحلي الصنع "تايفون" (Tayfun) فرط الصوتي قصير المدى، مما يعكس تقدمًا كبيرًا في قدراتها التكنولوجية الدفاعية.
اختبار جديد لصاروخ "تايفون"
في 3 فبراير، قامت القوات المسلحة التركية بإغلاق مساحة واسعة تبلغ 500 كيلومتر من الساحل التركي على البحر الأسود، لإجراء اختبار جديد للصاروخ "تايفون"، من إنتاج شركة روكيتسان الدفاعية. وبحسب التقارير، تم إطلاق الصاروخ من قاذفة متحركة في مطار ريزه-أرتفين على ساحل البحر الأسود، حيث تمكن من إصابة هدفه قبالة مدينة سينوب الساحلية بنجاح.
قدرات صاروخ "تايفون"
النسخة الجديدة من الصاروخ قادرة على الوصول إلى سرعة 5.5 ماخ، ما يضع تركيا في مجموعة الدول التي تمتلك تكنولوجيا الصواريخ الأسرع من الصوت. وتعتبر هذه الصواريخ، القادرة على السفر بسرعة تزيد عن 5 ماخ، بمثابة تغيير جذري في الحرب الحديثة، وذلك لأنه من الصعب اكتشافها واعتراضها بسبب سرعتها وقدرتها الفائقة على المناورة.
ويؤكد تطوير صاروخ "تايفون" الأسرع من الصوت طموح تركيا في تعزيز قدراتها الاستراتيجية والدفاعية. لقد كانت تكنولوجيا الصواريخ منذ فترة طويلة أحد ركائز السياسة الدفاعية للبلاد، وتمثل القدرات الأسرع من الصوت خطوة كبيرة إلى الأمام من حيث الردع والقوة الهجومية.
ويصل مدى صاروخ "تايفون"، في تشكيلته الحالية من الصواريخ الباليستية قصيرة المدى، إلى ما بين 300 إلى 1000 كيلومتر. ومن المتوقع أن يتمتع الطراز الأسرع من الصوت الجديد بتحسينات كبيرة في السرعة والمدى والقوة التدميرية. ورغم أن شركة "روكيتسان" لم تكشف عن تفاصيل حول أداء الصاروخ وحمولته، فإن الخبراء يتوقعون أن تكون التحسينات في القدرة على الحركة والقدرة على التهرب من أنظمة الدفاع ملحوظة.
أصول برنامج "تايفون" والتعاون الدولي
بحسب موقع Turkishminute.com، فإن تطوير صاروخ "تايفون" يعود إلى التسعينيات، حيث بدأ المشروع من خلال تعاون عسكري بين تركيا والصين، خاصة في ظل محدودية الدعم التكنولوجي من الحلفاء الغربيين. ويُعتقد أن هذا الصاروخ هو نسخة متطورة من صاروخ "يلدريم" (Yildirim) التركي، الذي تم تطويره بمكونات صينية.
مع بداية عام 2024، شدد أردوغان على ضرورة تسريع إنتاج الصواريخ فرط الصوتية طويلة المدى، مما يشير إلى نية أنقرة توسيع نطاق قوتها الصاروخية بشكل كبير. وبفضل امتلاكها قاعدة صناعية دفاعية متطورة، تمكنت تركيا من تحقيق اكتفاء ذاتي في إنتاج أنظمة الأسلحة المتقدمة، مما يجعل من برنامجها الصاروخي واقعًا ملموسًا وليس مجرد مشروع طموح.
التوسع العسكري التركي
ولا يُعتبر تطوير "تايفون" الصاروخي مجرد إنجاز تقني، بل هو جزء من استراتيجية عسكرية متكاملة تهدف إلى تعزيز القدرات الدفاعية التركية. فقد حققت أنقرة تقدمًا كبيرًا في صناعة السفن الحربية والطائرات المسيرة المتطورة، كما تعمل على تطوير مقاتلتها المحلية من الجيل الخامس، مما يعكس طموحها في تحقيق استقلالية عسكرية متقدمة.
في ظل تراجع النفوذ الإيراني في بعض مناطق الشرق الأوسط نتيجة الضغوط الدولية والعقوبات الاقتصادية، تسعى تركيا إلى توسيع حضورها الإقليمي عبر استراتيجيات متعددة، من بينها تعزيز قدراتها الصاروخية والانتشار العسكري في سوريا. فمن خلال تطوير أنظمة صواريخ باليستية متقدمة، مثل صاروخ "تايفون"، تعمل أنقرة على خلق قوة ردع استراتيجية تضاهي القدرات الصاروخية الإيرانية، مما يمنحها تأثيرًا أكبر في معادلات التوازن العسكري الإقليمي. هذه التطورات تأتي في وقت تتعرض فيه إيران لضغوط متزايدة تقلل من قدرتها على دعم حلفائها التقليديين، وهو ما يفتح المجال أمام تركيا لفرض رؤيتها الجيوسياسية في المنطقة.
إلى جانب تطوير منظومتها الصاروخية، تواصل تركيا توسيع انتشارها العسكري في شمال سوريا، مستغلة التراجع النسبي للنفوذ الإيراني هناك. فمن خلال دعم فصائل مسلحة متحالفة معها، وتعزيز وجودها العسكري في مناطق مثل إدلب وعفرين، تسعى أنقرة إلى فرض نفسها كقوة إقليمية قادرة على التحكم في مسارات الصراع السوري، خاصة في ظل الانكماش الإيراني الذي فرضته العقوبات والتحديات الداخلية في طهران. كما أن تركيا تستفيد من هذا التوسع لترسيخ مواقعها الاستراتيجية على الحدود مع سوريا، ما يمنحها ورقة ضغط إضافية في أي مفاوضات إقليمية مقبلة.
علاوة على ذلك، يهدف التقدم التركي في مجال الصواريخ الباليستية إلى تقديم أنقرة كبديل استراتيجي محتمل للدول التي كانت تعتمد على إيران في موازنة القوى الإقليمية. ومع تزايد اعتماد تركيا على صناعاتها الدفاعية المحلية، فإنها تمتلك القدرة على تصدير هذه الأنظمة إلى شركاء محتملين، مما يعزز مكانتها كلاعب رئيسي في سباق التسلح الإقليمي.