يواصل المغرب تصدّر المشهد الصناعي والاقتصادي في القارة السمراء، إذ يتزايد تأثيره في صناعات السيارات والطائرات والسياحة، في وقت يواجه فيه تحديات جسيمة ناجمة عن شح المياه والجفاف.

ورغم هذه المعوقات المناخية، يبدو أن المملكة نجحت في بناء قاعدة اقتصادية متينة تعتمد على التنوع الصناعي، إلا أن استدامة هذا النمو يبقى رهناً بالتعامل مع التحديات التي تهدد القطاع الزراعي، وهو قطاع يعتمد عليه الاقتصاد الوطني بشكل كبير.

صناعة الطائرات والسيارات.. استراتيجية تصنيعية محورية

في وقت تُسجل فيه إفريقيا نموًا اقتصاديًا متفاوتًا، يتفوق المغرب بتوسيع حصته في أسواق الطيران وصناعة السيارات. تعد المغرب اليوم أكبر منتج للطائرات في القارة الإفريقية، حيث تبلغ إنتاجيتها السنوية 700 ألف طائرة، ما يعكس تطورًا هائلًا في هذه الصناعة. أما في قطاع السيارات، فقد تمكن المغرب من الصعود إلى المراتب الأولى ليصبح أكبر منتج للسيارات في القارة، بفضل الاستثمارات الأجنبية والبنية التحتية المتطورة التي وضعتها الحكومة المغربية.

أخبار ذات صلة

المغرب.. معدل البطالة يرتفع إلى 13.3% في 2024
التضخم السنوي في المغرب يهبط إلى 2.4% في 2024

وفي حديثه عن هذه التحولات، أكد رشيد الساري، رئيس المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة، خلال حديثه إلى سكاي نيوز عربية أن المغرب أصبح اليوم "محورًا صناعيًا في إفريقيا، سواء في صناعة الطائرات أو السيارات. ورغم التحديات البيئية، يبقى المغرب في موقف قوي ليكون قائدًا صناعيًا في القارة."

السياحة.. درع الاقتصاد المغربي في مواجهة التحديات

يعتبر قطاع السياحة من الأعمدة الرئيسة للاقتصاد المغربي، حيث تمكنت المملكة من استقطاب أكثر من 17 مليون سائح في عام 2024، محققة بذلك إيرادات تتجاوز 11 مليار دولار. هذه الأرقام تشير إلى قدرة المغرب على جذب السياح رغم التحديات التي فرضتها جائحة كورونا على القطاع السياحي العالمي.

ومع تزايد التوجهات العالمية نحو سياحة التجارب الفريدة، يقدم المغرب نموذجًا استثماريًا ناجحًا بفضل موقعه الجغرافي الفريد والمرافق السياحية المتطورة. هذه الديناميكية في القطاع السياحي تمنح المملكة ميزة اقتصادية مهمة تسهم في استدامة النمو وتعويض الخسائر الناتجة عن تراجع إنتاجية القطاع الزراعي بسبب الجفاف.

الزراعة تحت ضغط الجفاف.. تأثيرات كارثية على الاقتصاد الوطني

على الرغم من النجاحات في قطاعات الصناعة والسياحة، يظل القطاع الزراعي هو حجر الزاوية للاقتصاد المغربي. ويشكل هذا القطاع حوالي 14 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويعتمد عليه أكثر من 38 بالمئة من قوة العمل. لكن في السنوات الأخيرة، أصبح الجفاف يشكل تهديدًا حقيقيًا للاستقرار الاقتصادي. فقد عانى المغرب من ست سنوات من الجفاف المتتالية التي أسفرت عن تراجع الإنتاج الزراعي، ما أدى إلى تضخم أسعار المواد الغذائية وارتفاع التضخم الفلاحي بشكل غير مسبوق.

أخبار ذات صلة

عجز ميزانية المغرب يتراجع إلى 3.9% في 2024
البنك الإفريقي يقرض المغرب 650 مليون يورو استعدادا للمونديال

ويقول الساري في هذا الصدد: "الجفاف لا يعكس فقط تحديًا بيئيًا، بل هو تحدي اجتماعي واقتصادي. فالتأثيرات المباشرة على القطاع الزراعي تؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين، مما ينعكس على استقرار السوق." ويضيف أن "الجفاف أدى إلى ارتفاع التضخم الفلاحي، ما ساهم في زيادة أسعار المنتجات الزراعية، مثل اللحوم والخضروات."

مواجهة أزمة المياه.. الاستراتيجيات الوطنية للتعامل مع الجفاف

في مواجهة الجفاف المستمر، اتخذت الحكومة المغربية العديد من التدابير للتعامل مع ندرة المياه. من أبرز هذه الخطوات "الاستراتيجية المائية 2020-2027"، التي خصصت لها الحكومة أكثر من 14 مليار دولار. تشمل الاستراتيجية بناء السدود وتحلية مياه البحر، بالإضافة إلى استغلال المياه العادمة في الزراعة عبر تقنيات حديثة مثل "الطريق السيار المائي"، الذي يربط الأحواض المائية لضمان توزيع أكثر عدالة للموارد المائية بين المناطق المختلفة.

لكن، يبقى السؤال قائماً حول مدى نجاح هذه الاستراتيجيات في تعويض العجز المستمر في الموارد المائية، وخصوصًا مع تأكيد الساري على أن "معدلات النمو الاقتصادية التي يستهدفها المغرب، مثل 4.6 بالمئة، قد تكون صعبة التحقيق في ظل الظروف المناخية الحالية."

الفسفاط.. من صادرات خام إلى صناعة قيمة مضافة

إحدى النقاط المضيئة في الاقتصاد المغربي تكمن في صناعة الفوسفات. يعتبر المغرب من أكبر منتجي الفوسفات في العالم، وهو يتجه نحو توجيه هذا المورد الطبيعي نحو التصنيع المحلي، بدلاً من الاكتفاء بتصدير الفوسفات الخام. هذه الخطوة تهدف إلى زيادة القيمة المضافة لهذه الصناعة، ويُتوقع أن تعزز الاقتصاد الوطني في مواجهة تقلبات القطاع الزراعي.

المغرب.. سادس أكبر اقتصاد إفريقي

تعويم الدرهم.. هل هو الحل؟

في ظل التحديات الاقتصادية، بدأ النقاش حول تعويم العملة الوطنية (الدرهم) يطفو على السطح. يرى بعض الخبراء أن تعويم الدرهم قد يكون خطوة مناسبة لتحقيق استقرار مالي، بينما يرى آخرون، مثل الساري، أن هذه الخطوة قد تكون "مخاطرة كبيرة" في الظروف الحالية.

ويُؤكد الساري: "تعويم الدرهم في الوقت الراهن قد يؤدي إلى زيادة معدلات التضخم بشكل حاد، ما سيتسبب في زيادة الضغوط على الاقتصاد والمواطنين. على المغرب أن ينتظر الظروف الملائمة لتحقيق هذا القرار."

الساري: عملية تعويم الدرهم ليست بمقدرة الاقتصاد المغربي

آفاق المستقبل.. استضافة كأس العالم 2030 كمحفز للنمو

ورغم التحديات الاقتصادية الحالية، يرى البعض في استضافة المغرب لكأس العالم 2030 فرصة كبيرة لتعزيز مكانته الاقتصادية وزيادة الاستثمارات.

فمن المتوقع أن يسهم هذا الحدث الرياضي في دفع قطاع السياحة والبنية التحتية، فضلاً عن خلق فرص عمل جديدة وتعزيز النمو الاقتصادي. يعتقد الساري أن هذا الحدث سيكون "فرصة ذهبية" لتحقيق نقلة نوعية في اقتصاد المملكة، مع توقعات أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي إلى أكثر من 200 مليار دولار بحلول عام 2029.

رغم التحديات المناخية الكبيرة التي يواجهها المغرب، لا تزال المملكة تسير بخطى ثابتة نحو تعزيز مكانتها كقوة اقتصادية وصناعية في إفريقيا. ومع استمرار التركيز على تنويع القطاعات الاقتصادية، مثل صناعة السيارات والطائرات والسياحة، يتوقع أن يسهم الاقتصاد المغربي في استقرار المنطقة بشكل أكبر في المستقبل. لكن، تظل الحاجة ملحة للتعامل مع أزمة الجفاف وندرة المياه، وهي القضية التي قد تؤثر على النمو المستدام للمغرب في السنوات القادمة.

المغرب.. أكبر منتج للسيارات في إفريقيا