بسبب التقدم التكنولوجي السريع، ظهرت أشكال جديدة من التحديات التي تؤثر على المجتمع، وواحدة من تلك هذه الظواهر المثيرة للجدل هي ما يُعرف بـ "المخدرات الرقمية"، هذه الظاهرة ليست مادة كيميائية كما هو الحال مع المخدرات التقليدية، لكنها عبارة عن مقاطع صوتية بترددات معينة يُقال إنها تؤثر على العقل بنفس الطريقة التي تؤثر بها المخدرات الكيميائية.

ما هي المخدرات الرقمية و كيف تعمل؟

تحدث أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة جمال فرويز لموقع "سكاي نيوز العربية" عن مدى خطورة المخدرات الرقمية، حث قال إنها مقاطع صوتية تحتوي على ترددات صوتية ثنائية، تُعرف بـ"Binaural Beats" يتم سماعها باستخدام سماعات الرأس، حيث يُرسل تردد مختلف إلى كل أذن، يُعتقد أن الفرق بين الترددين يؤدي إلى تغيير في نشاط الدماغ، مما يسبب شعورا بالنشوة أو الاسترخاء أو حتى الهلوسة، وهي حالات مشابهة لتأثير المخدرات التقليدية.

ويتم تشغيل هذه الترددات عبر سماعات الأذن، وعندما يستقبل الدماغ الترددات المختلفة، يحاول موازنتهما.

هذا التفاعل يُعتقد أنه يؤثر على موجات الدماغ، مما يؤدي إلى تغيير في الحالة المزاجية أو الإحساس، تُصنف الترددات إلى أنواع مختلفة بناء على الغرض منها، مثل تحسين التركيز أو تحفيز الشعور بالنشوة.

وتطرق فرويز في حديثه أنها نوع من أنواع المخدرات التي توجد على شبكة الإنترنت على هيئة موسيقى تستخدم للوصول للنشوة أو سعادة أو فقدان للوعي مثل باقي المخدرات، ومن أجل الوصول لهذه النشوة، تقوم بتحميل هذه الموسيقى عبر موقع غوغل، والتي تصل تكلفتها إلى 5 دولار للمقطع الموسيقي الواحد، مع العلم أنه بدون رسوم اذا قمت بتحميل المقطع للمرة الأولى.

وأكمل فرويز: "هذه المقاطع الموسيقية لا تأثير لها وتعتبر موسيقى عادية إذا لم تسمع عبر سماعات الأذن، ولكن عند استخدام السماعات يوجد تباين أو اختلاف أو تأخير لحظي بين وصول الموسيقى للأذن اليمنى والأذن اليسرى، هذا الاختلاف بين الترددات يؤدي إلى عدم الاتزان في المخ بسبب تضارب وصول النغمة لقشرة المخ، ونتيجة عدم الاتزان ذلك ينتج عنه تدمير البروتين الخاص بالمخ وإفراز "الدوبامين" الخاص بالسعادة".

ومع زيادة الاستماع لتلك المقاطع الموسيقية، يبدأ المتعاطي في رؤية أشياء والاستماع إلى أصوات لا أحد غيره يراها أو يسمعها، وفي بعض الأحيان يشم روائح أو يشعر بأن شخصا ما يلمس جسده.. كل هذا الأعراض تعتبر هلاوس سمعية وبصرية وحساسية، وفقا لفرويز.

أخبار ذات صلة

اتهام لاعب بالانضمام لمنظمة إجرامية متورطة بتهريب المخدرات
ترامب يلوح بخطوة عقابية تجاه الصين بسبب "المخدرات"

المخاطر المحتملة

وكشف فرويز في حديثه أن على الرغم من أن المخدرات الرقمية لا تعتمد على مواد كيميائية، إلا أنها قد تكون لها العديد من الآثار السلبية والتي تقود الإنسان إلى حافة المخاطر الجسيمة من شدة خطورتها على جسم وعقل البشر، وغير وملموسة مما يساعد على انتشارها سريعًا، ومن أهم هذه المخاطر:

الإدمان

مثل المخدرات التقليدية، قد يلجأ بعض الأشخاص إلى الاستماع إليها بشكل مفرط، بحثا عن التأثيرات النفسية المزعومة.

فالإدمان الرقمي هو عدم القدرة على التحكم في استخدامك للأجهزة الرقمية تتزايد المشكلة مع قضاء المزيد والمزيد من الوقت على الإنترنت.

بالنسـبة للكثيريـن، فـإن مصطلـح "إدمـان" عـادة مـا يسـتحضر الصـور الذهنيـة لتعاطــي المخـدرات، لكــن وفقا لدراسة من جامعة أوسلو في النرويج، قد يؤدي الأدمـان الرقمـي إلى أعراض نفسية وسلوكيات مماثلة لتعاطي المخدرات.  

العزلة الاجتماعية

قد يؤدي الانغماس في هذه المقاطع إلى العزلة عن المحيط الاجتماعي.

التأثير النفسي

قد يشعر المستخدمون بأعراض مشابهة للقلق أو الاكتئاب في حال عدم الحصول على التأثير المطلوب.

الانتشار بين الشباب

المخدرات الرقمية انتشرت بشكل كبير بين الشباب والمراهقين، خاصة مع سهولة الوصول إليها عبر الإنترنت، تروج هذه المقاطع أحيانًا كوسيلة "آمنة" للهروب من الواقع أو تحسين المزاج، مما يزيد من شعبيتها بين الفئات العمرية الصغيرة.

كيفية مواجهة الظاهرة

التوعية: نشر الوعي بين الشباب وأولياء الأمور بشأن مخاطر هذه الظاهرة لتفادي التعرض لها.

المراقبة الأبوية: متابعة ما يستمع إليه الأطفال والمراهقون على الإنترنت.

تعزيز النشاطات البديلة: تشجيع الشباب على الانخراط في أنشطة رياضية أو فنية تُشبع احتياجاتهم النفسية بطرق إيجابية.

البحوث العلمية: الاستثمار في دراسات علمية لتحديد مدى تأثير المخدرات الرقمية على الدماغ.

وبالحديث أكثر عن كيفية تأثير البحوث العلمية لتحديد خطورة المخدرات الرقمية، أدرجت الجمعية الأميركية للطب النفسي مؤخرا اضطراب الألعاب عبر الإنترنت في دليلها التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية، ويُعرف باسم " APA " وهو اضطراب الألعاب عبر الإنترنت على أنه نمط من المشاركة المستمرة أو المتكررة في الألعاب على الإنترنت لدرجة أنها تصبح مزعجة للأنشطة الأخرى، مثل العمل أو المدرسة أو الأداء البومي العادي، وهذا يعتبر اضطراب يؤدي إلى الإدمان والتي يشترك بشكل مباشر مع بعض آثار تعاطي المخدرات التقليدية.

ولا تزال هذه الدراسة في مراحلها الأولى، لكن العلماء اكتشفوا بالفعل بعض النتائج المثيرة للاهتمام والتي قد تكون مثيرة للقلق وتعتبر بشكل علمي ومثبت أنها مخدرات رقمية بتعريفها الحديث، حيث أظهرت الدراسة التي شملت 1800 بالغ أميركي أجراها مركز بيو للأبحاث في عام 2018، وجد الباحثون أن 73 بالمئة من الأميركيين عانوا من آثار سلبية على علاقاتهم لأنهم أمضوا وقتاً طويلاً في استخدام الوسائط الرقمية بالإضافة إلى ذلك.

وكشف البحث أن 85 بالمئة شعروا بضغط أكبر منذ بداية استخدام الأجهزة الرقمية، و الاستخدام المكثف لوسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يسبب الاكتئاب والقلق.

وسلط هذا البحث الضوء حول أهمية تعلم كيفية أن نكون مستخدمين أصحاء للتكنولوجيا حتى نتمكن جميعا من جني الفوائد أثناء ذلك، والخروج من واقع الإدمان الرقمي الذي يؤدي إلى تعاطي مخدر رقمي دون قصد.