منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، برزت مواقف مثيرة للجدل بشأن اتفاق غزة ووقف إطلاق النار الذي دفع لإنجازه سابقًا. ترامب، في تصريحاته الأخيرة، أبدى شكوكًا واضحة حول استمرارية الاتفاق بقوله: "لست واثقًا من استمرار وقف إطلاق النار في غزة. على كل حال، هذه ليست حربنا".
يظهر في حديثه إشارات مزدوجة تعكس صعوبة قراءة نواياه. ففي حين يبدو غير مكترث بالتزام الأطراف ببنود الاتفاق، يُظهر نوعًا من الاهتمام بما وصفه بـ"إعادة بناء غزة بطريقة مختلفة"، مما يفتح الباب أمام تساؤلات حول أهدافه الحقيقية.
رئيس مجموعة الحوار الفلسطيني، صادق أبو عامر، يرى أن تصريحات ترامب تأتي في سياق استثمار الفرص السياسية، مؤكدًا: "تصريحاته تعكس ميلًا إلى عقلية المقاولة التي تهدف إلى إدارة الصراعات كفرص تجارية، دون النظر إلى أبعادها الوطنية والإنسانية".
غزة.. مشروع إعمار أم مشروع سياسي؟
وصف ترامب قطاع غزة بأنه "موقع استثنائي مطل على البحر"، مشيرًا إلى إمكانية "إنجاز أشياء رائعة هناك". ولكن ما الذي يقصده بإعادة البناء "بشكل مختلف"؟ هل هو تحسين البنية التحتية للقطاع؟ أم أنها خطة لإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية للمنطقة؟
لقت محرر الشؤون الإسرائيلية في "سكاي نيوز عربية"، نضال كناعنة، إلى أن هذه التصريحات قد تخفي خططا أبعد مما يظهر على السطح، وقال: "ترامب يتعامل مع غزة وكأنها مشروع عقاري. الحديث عن إعادة إعمار بطريقة مختلفة قد يشير إلى إعادة تقسيم القطاع أو حتى تهجير سكانه كما تم التلميح إليه مؤخرا".
التلميحات الأخيرة حول إمكانية تهجير سكان غزة إلى مناطق مثل ماليزيا أو إندونيسيا، بحجة إعادة الإعمار، تعيد إلى الأذهان محاولات إسرائيلية سابقة لفرض حلول أحادية الجانب. مثل هذه الأفكار تثير القلق بشأن استغلال الوضع الحالي لفرض وقائع جديدة على الأرض، خاصة في ظل ضعف الموقف الفلسطيني الداخلي.
ماذا تعني إعادة البناء "بشكل مختلف"؟
من المرجح أن رؤية ترامب تستند إلى تحويل قطاع غزة إلى منطقة تخضع لنظام اقتصادي وسياسي يخدم مصالح دولية وإقليمية محددة، بعيدًا عن الحقوق الوطنية الفلسطينية.
الموقع الجغرافي الفريد للقطاع جعله هدفًا للعديد من الأطراف، لكن خطر تحويله إلى "منطقة بلا هوية" يلوح في الأفق إذا لم يتم التصدي لهذه المخططات.
فلسطين بين التشكيك الأميركي والانقسام الداخلي
رغم أن تصريحات ترامب تثير القلق، فإن الانقسام الفلسطيني يظل التحدي الأكبر أمام القدرة على مواجهة هذه التوجهات.
صادق أبو عامر شدد على أهمية الوحدة الوطنية قائلاً: "غياب إدارة فلسطينية موحدة قد يؤدي إلى استغلال هذه اللحظة لصالح إسرائيل أو أطراف أخرى".
الفلسطينيون اليوم أمام اختبار حقيقي، حيث يتطلب الوضع استغلال الحراك الدولي والإقليمي لضمان حقوقهم الوطنية. لكن تحقيق ذلك يستوجب التوافق الداخلي أولاً، إضافة إلى بناء تحالفات إقليمية تضمن أن غزة لن تتحول إلى مشروع تجاري يُدار بعيدًا عن إرادة سكانها.
غزة.. اختبار جديد للسياسة الدولية
تصريحات ترامب الأخيرة تكشف عن توجهات أميركية قد تعيد صياغة الواقع في غزة بما يخدم مصالح محددة. سواء كان الحديث عن إعادة الإعمار أو إدارة الصراع كفرصة اقتصادية، يبقى السؤال الأهم: هل يستطيع الفلسطينيون والدول الإقليمية المعنية مواجهة هذه التوجهات؟ أم أن الانقسامات ستبقى عقبة أمام حماية حقوق الشعب الفلسطيني؟
بين الشكوك والسياسات المعلنة، يبدو أن قطاع غزة قد يكون على أعتاب مرحلة جديدة من التحديات التي تتطلب ردودًا فلسطينية موحدة واستراتيجيات إقليمية واضحة.