في ظل تغيرات إقليمية ودولية متسارعة، تبدو سوريا أمام فرصة لإعادة تشكيل علاقاتها العربية والدولية، مستفيدة من إدارة جديدة تسعى إلى التخلص من إرث النظام السابق والعبور إلى مرحلة جديدة.
الجولة الإقليمية التي قام بها الوفد السوري إلى قطر والإمارات والأردن، والتي اختتمت أمس، حملت معها رسائل سياسية واقتصادية وأمنية تعكس طموح القيادة الجديدة لتجاوز العقوبات والانفتاح على محيطها العربي.
عودة إلى الحضن العربي
أشار الكاتب والباحث السياسي حسين الدغيم خلال حديثه لغرفة الأخبار على سكاي نيوز عربية إلى أهمية عودة سوريا إلى الحضن العربي بعد سنوات من القطيعة.
ويرى الدغيم أن هذه العودة تحمل رسائل وجدانية وسياسية إيجابية، إذ إن الدول العربية باتت أكثر استعدادا لدعم سوريا، خاصة في سياق المطالبة برفع العقوبات المفروضة عليها.
وأضاف: "لم تعد العقوبات مبررة بعد زوال النظام، مما يستدعي تحرير الشعب السوري من قيودها".
ويؤكد الدغيم أن القيادة السورية الجديدة تسعى إلى تغيير الصورة النمطية لسوريا كدولة مصدرة للكبتاغون والإرهاب، من خلال إعادة هيكلة الجيش والأجهزة الأمنية على أسس وطنية وغير طائفية، مما يعكس مبادئ "الثورة السورية الثانية".
تحديات داخلية وإقليمية
من جانبه، أوضح الخبير العسكري والاستراتيجي هيثم حسون أن القيادة الجديدة تواجه إرثا ثقيلا تركه النظام السابق، يشمل انقسامات مجتمعية وخوفا عميقا بين المكونات السورية.
وأكد حسون أن الإدارة الجديدة تدرك أهمية تقديم تطمينات للدول العربية بأن سوريا لن تشكل تهديدا لجيرانها، بل تسعى لتعزيز العلاقات التاريخية، مشددا على أن: "سوريا دائما كانت سندا للدول العربية، ويجب أن تعود لهذا الدور بدلاً من أن تكون عبئا".
وأشار حسون إلى ضرورة الحذر من أخطاء الماضي، مثل حل الجيش العراقي في 2003، داعيا إلى إعادة هيكلة الجيش السوري واستيعاب الجنود الذين انضموا إليه قسرا.
الرؤية الإقليمية.. تعاون عربي مشترك
أما رئيس برنامج الدراسات الإقليمية في مركز الشرق الأوسط للدراسات، نبيل العتوم، فقد شدد على أهمية التعاون العربي لدعم سوريا في هذه المرحلة الانتقالية.
وأوضح العتوم أن الدول العربية، مثل الأردن ودول الخليج، تدرك أهمية تعزيز الجانب الاقتصادي لتحقيق الاستقرار الأمني في سوريا.
وأضاف ان هناك رؤية مشتركة لضمان عدم حدوث تغييرات في الخارطة السورية وإنهاء الفلتان الأمني، مع التركيز على بناء جيش وطني وأجهزة أمنية احترافية.
كما أشار العتوم إلى مخاوف من التدخلات الإقليمية، مثل النفوذ الإيراني أو التمدد الإسرائيلي في جنوب سوريا، مما يستدعي تنسيقا أمنيا واستخباراتيا بين الدول العربية وسوريا.
التحديات أمام الإدارة الجديدة
رغم الدعم العربي، تواجه القيادة الجديدة تحديات كبيرة، منها التعامل مع اللاجئين السوريين في دول الجوار. بحسب العتوم، يوجد أكثر من 1.3 مليون لاجئ سوري في الأردن وحده، مع عودة محدودة جدا بسبب انعدام الضمانات الأمنية.
كما حذر من خطر تقسيم سوريا على أسس طائفية، وهو ما تسعى أطراف خارجية لاستغلاله. وأكد حسون أن الأطراف الخاسرة في الحرب لن تستسلم بسهولة، مما يجعل المرحلة المقبلة اختبارا حقيقيا للإدارة الجديدة في سوريا.
رؤية مستقبلية
تتجه الأنظار إلى الدور العربي في دعم سوريا الجديدة، سواء عبر الضغط لرفع العقوبات أو تقديم المساعدات الاقتصادية.
ويرى الدغيم أن: "تعزيز التعاون السياسي والعسكري مع الدول العربية سيساهم في استقرار المنطقة بأسرها".
كما أشار العتوم إلى أهمية دور الدول العربية في منع التدخلات الخارجية وضمان وحدة سوريا، معتبرا أن بناء مؤسسة عسكرية وأمنية وطنية هو الأساس لتحقيق هذا الهدف.
وتواجه سوريا مرحلة مفصلية في تاريخها الحديث، حيث تسعى الإدارة الجديدة إلى تجاوز إرث الماضي والانفتاح على محيطها العربي.
ورغم التحديات الداخلية والخارجية، تبدو الآمال معقودة على تعاون عربي سوري يضمن تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي، ويدفع البلاد نحو مرحلة جديدة من التنمية والوحدة الوطنية.