يشهد الملف السوري تحولا ملحوظا في ظل الحضور الأوروبي المتزايد على الساحة السياسية السورية، خصوصا بعد زيارة قيادات بارزة من فرنسا وألمانيا إلى دمشق.
هذه الزيارة تأتي كإشارة دعم للإدارة الجديدة في سوريا، لكنها تحمل شروطا متعلقة بالانتقال السياسي والشمولية في تمثيل مكونات الشعب السوري.
تبرز هذه التطورات في وقت يشهد فيه الداخل السوري مرحلة انتقالية دقيقة، حيث التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية تتطلب جهودا جماعية لتحقيق استقرار حقيقي.
أهمية الدعم الأوروبي المشروط
تعتبر زيارة وزيرا الخارجية الفرنسي والألماني خطوة مهمة تعكس رغبة أوروبا في لعب دور فاعل في مستقبل سوريا.
ووفقا لعضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري، أحمد بكوره، فإن هذه الزيارة تحمل "تفاؤلا"، لكنها ترتبط بتنفيذ شروط أساسية، منها الانتقال السياسي وبناء حكومة تكنوقراط تشمل جميع المكونات.
ويشير بكوره، في حديثه لبرنامج غرفة الأخبار في "سكاي نيوز عربية"، إلى أن الاتحاد الأوروبي يدرك أهمية دعم المرحلة الانتقالية، ولكنه يطالب بتحقيق توافق شامل داخل سوريا، مشددا على أهمية المدن الشمالية مثل الرقة والحسكة في العملية السياسية.
ويرى الناشط السياسي علي محمد السلطان أن أوروبا قدمت "رسالة دعم" للإدارة الجديدة، معبّرا عن قناعة أوروبا بالتغيرات التي حدثت بعد سقوط النظام السابق. لكنه أكد على أهمية أن يتجنب الأوروبيون فرض شروط صارمة، بل تقديم اقتراحات تساهم في تعزيز الشراكة وتحقيق التطلعات الشعبية.
أما أستاذ الفلسفة السياسية، الدكتور رامي الخليفة العلي، فقد شدد على أن الدعم الأوروبي "ليس بلا شروط"، ويتطلب خطوات فعلية على الأرض، خصوصا فيما يتعلق بتشكيل حكومة تشاركية تضمن التمثيل العادل لجميع الأطراف.
وأضاف أن هناك قلقا أوروبيا من استمرار النفوذ الروسي في سوريا، مما يفرض تحديات إضافية أمام الإدارة الجديدة.
القواعد الروسية والعلاقات الدولية
يشكل الوجود الروسي في سوريا نقطة توتر كبيرة في العلاقة الأوروبية-السورية.
وقد أشار بكوره إلى أن الدور الروسي خلال السنوات الماضية كان سلبيا للغاية، وأن تحقيق التغيير يتطلب معالجة الأضرار التي لحقت بالشعب السوري جراء هذا النفوذ.
ومع ذلك، يؤكد الناشط السلطان على إمكانية بقاء القواعد الروسية إذا خدمت مصلحة الشعب السوري وتم التفاوض على شروط واضحة.
من جهته، يرى الدكتور العلي أن الأوروبيين "يفضلون عدم التعاون مع النظام الروسي" ويطالبون بانسحاب القوات الروسية كشرط لتحسين العلاقات مع سوريا.
هذا التوجه يعكس رغبة أوروبا في تقليص النفوذ الروسي في الشرق الأوسط، خاصة بعد تجربتها المقلقة مع روسيا في أوكرانيا.
قضايا داخلية تعيق المرحلة الانتقالية
رغم التصريحات الإيجابية الصادرة عن الإدارة الجديدة، إلا أن الانسجام بين مكوناتها يواجه تحديات.
الدكتور العلي أشار إلى وجود تناقضات في الخطاب الرسمي، حيث تتباين مواقف بعض المسؤولين داخل الإدارة الجديدة. كما أن هيئة تحرير الشام، التي لعبت دورا مهما في المرحلة السابقة، لا تزال تثير قلقا داخليا وخارجيا، خاصة في ظل مخاوف من استئثارها بالقرار السياسي.
في السياق نفسه، أكد بكوره على أهمية تنظيم مؤتمر وطني شامل يضمن مشاركة جميع الأطياف السياسية والإثنية في سوريا، ولفت إلى أن إهمال بعض الفئات، مثل المنشقين والمدن الشمالية، يعمّق شعور الإقصاء ويعيق تحقيق شراكة حقيقية.
العلاقة مع تركيا والشرق الأوسط
تثير العلاقة مع تركيا جدلا كبيرا في الأوساط الأوروبية والسورية.
وأوضح العلي أن التأثير التركي على الإدارة السورية الجديدة يمثل مصدر قلق لبعض الأطراف، خصوصا أن الأوروبيين يسعون لتحقيق توازن في الساحة السورية بمشاركة عربية أوسع.
زيارة وزير الخارجية السوري إلى الرياض تُظهر ترحيبا بالتحرك العربي، الذي يُعتبر نوعا من التوازن مع النفوذ التركي.
تبرز أوروبا كشريك محتمل في إعادة بناء سوريا الجديدة، لكن هذا الدعم يظل مشروطا بخطوات جادة نحو الانتقال السياسي وتحقيق شراكة حقيقية تشمل جميع السوريين، في الوقت نفسه، تشكل القواعد الروسية والتوازنات الإقليمية تحديات كبيرة أمام الإدارة الجديدة.
التصريحات الصادرة عن القيادات السورية والأوروبية تعكس رغبة في التغيير، لكنها تُظهر أيضا فجوات يجب معالجتها لضمان تحقيق الاستقرار.
سوريا الجديدة بحاجة إلى إدارة شاملة، تمثل جميع مكوناتها، وتستطيع بناء علاقات دولية تقوم على المصالح المشتركة بدلا من الصراعات.
يبقى المستقبل رهينا بمدى قدرة الإدارة الجديدة على تحويل التصريحات الإيجابية إلى أفعال ملموسة على الأرض، خاصة في ظل الدعم الأوروبي المشروط والتحديات الداخلية المعقدة.