في العام 2024، وجدت شركة إنتل نفسها في مواجهة تحديات غير مسبوقة، حيث فاقمت تراجعها من موقعها الريادي كواحدة من أعمدة صناعة أشباه الموصلات إلى شركة تصارع من أجل الحفاظ على مكان في سوق تتسارع فيه الابتكارات.
بينما كانت الشركة رمزًا للتفوق التكنولوجي لعقود، إلا أن عاماً استثنائياً من الخسائر والتحديات كشف عن قصور في استراتيجياتها لمواكبة التحولات العميقة التي تقودها الثورة في مجال الذكاء الاصطناعي.
تفاقمت مشاكل إنتل نتيجة تأخرها في تطوير رقائق متخصصة تلبي احتياجات الذكاء الاصطناعي وتزايد هيمنة منافسين مثل إنفيديا وAMD، الذين نجحوا في السيطرة على الحصة الأكبر من السوق. وعلى الرغم من محاولات الشركة لتعويض ما فات، بما في ذلك إطلاق منتجات جديدة ومحاولة دخول مجالات ناشئة، إلا أن الأداء ظل بعيداً عن التوقعات، وسط خسائر قياسية في الأسهم وتراجع الإيرادات.
لم تقتصر الأزمة على التحديات التقنية فقط؛ بل امتدت إلى مستوى الإدارة، حيث شهدت الشركة تغييرات متكررة في القيادة العليا وضعفًا في استراتيجيات الاستحواذ والاستثمار. واليوم، تواجه إنتل لحظة حاسمة تتطلب قرارات جذرية لإعادة صياغة دورها في قطاع يشهد تنافسًا محمومًا، خصوصًا مع التحولات الكبرى التي يقودها الذكاء الاصطناعي والحلول السحابية.
تراجعت القيمة السوقية للشركة في العام 2024 إلى 87.55 مليار دولار، لتفقد58.67 بالمئة من قيمتها، وذلك بعد نمو بنسبة 94.22 بالمئة في العام 2023، بحسب بيانات companiesmarketcap.
بينما على الجانب الآخر، شركة مثل إنفيديا، قفزت لتحل المركز الثاني ضمن أكبر الشركات في العالم بقيمة سوقية 3.355 تريليون دولار، مرتفعة بنحو 174.31 بالمئة في 2024، لتواصل مكاسبها التي حققتها في 2023 عندما قفزت بنحو 235.88 بالمئة، وذلك بدعمٍ من زخم الذكاء الاصطناعي الذي استفادت منه الشركة بشكل واسع.
في هذا السياق، يشير تقرير لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية، اطلع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" عليه، إلى أن العام 2024 كان عاماً استثنائياً لوادي السليكون، لكنه شهد صعوبات كبيرة لشركة إنتل.
- شهدت أسهم صانعة الرقائق -التي تأسست قبل 56 عاماً والتي شارك في تأسيسها رواد الصناعة غوردون مور وروبرت نويس والمستثمر الأسطوري آرثر روك- أسوأ عام لها منذ طرحها للاكتتاب العام في العام 1971، حيث خسرت 61 بالمئة من قيمتها.
- قبل العام 2024، كان أسوأ عام لشركة إنتل في السوق هو العام 1974، عندما انخفض السهم بنسبة 57 بالمئة.
- بدأت مشاكل الشركة تتشكل منذ سنوات، عندما فشلت إنتل في الحصول على رقائق الهواتف المحمولة لصالح شركات كوالكوم وARM وأبل.
- بدأت شركة AMD المنافسة في الاستحواذ على حصة سوقية في أسواق وحدات المعالجة المركزية لأجهزة الكمبيوتر الشخصية والخوادم بفضل علاقات التصنيع الإنتاجية مع شركة TSMC.
- واجهت عمليات التصنيع لدى إنتل تأخراً ملحوظاً لعدة سنوات، مما أدى إلى إنتاج وحدات معالجة مركزية (CPU) أبطأ وأقل كفاءة في استخدام الطاقة.
ويلفت التقرير إلى أن الخطأ الأكثر تكلفة الذي ارتكبته شركة إنتل كان في مجال الذكاء الاصطناعي.. فقد أصبحت وحدات معالجة الرسوميات من شركة إنفيديا، والتي تم إنشاؤها في الأصل لألعاب الفيديو، بمثابة الأجهزة الأساسية في تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي التي تتطلب الكثير من الطاقة. أما وحدة المعالجة المركزية من شركة إنتل، والتي كانت في السابق الجزء الأكثر أهمية وتكلفة في الخادم، فقد أصبحت ذات أهمية ثانوية في خوادم الذكاء الاصطناعي.
ويشار إلى أن وحدات معالجة الرسوميات التي ستطرحها إنفيديا في العام 2025 لا تحتاج حتى إلى وحدة معالجة مركزية من إنتل - فالكثير منها مقترن بشريحة ARM مصممة من قبل إنفيديا.
وبما أن شركة إنفيديا أعلنت عن نمو في الإيرادات بلغ 94 بالمئة على الأقل خلال الأرباع الستة الماضية، فقد اضطرت إنتل إلى تقليص حجمها. فقد انخفضت المبيعات في تسع من الفترات الإحدى عشرة الماضية. وأعلنت إنتل في أغسطس عن أنها ستخفض 15 ألف وظيفة ، أو ما يقرب من 15 بالمئة من قوتها العاملة.
وفي بيان صحافي صدر في الثاني من ديسمبر للإعلان عن رحيل الرئيس التنفيذي بات غيلسنجر ، قال رئيس مجلس الإدارة فرانك ييري: "نحن نعمل على جعل شركة إنتل أكثر انسيابية ومرونة وأقل تعقيداً".
ووفق التقرير، فإن:
- المشكلة الكبرى التي تواجهها إنتل هي افتقارها إلى استراتيجية شاملة للذكاء الاصطناعي.
- روجت الشركة لقدرات الذكاء الاصطناعي في رقائق الكمبيوتر المحمول التي تنتجها للمستثمرين، وأطلقت منافساً لشركة إنفيديا يسمى Gaudi 3.
- لكن لا مبادرة الكمبيوتر الشخصي التي أطلقتها الشركة ولا رقائق Gaudi 3التي تنتجها اكتسبت قدراً كبيراً من الزخم في السوق.
- لم تحقق مبيعات Gaudi 3 من إنتل هدف الشركة البالغ 500 مليون دولار لهذا العام.
وفي أواخر العام المقبل، ستطلق شركة إنتل شريحة ذكاء اصطناعي جديدة تحمل الاسم الرمزي Falcon Shores ولن يتم بناؤها على بنية Gaudi 3، بل ستكون بدلاً من ذلك وحدة معالجة رسومية.
أبرز أسباب تعثر الشركة
المستشار الأكاديمي في جامعة ولاية سان خوسيه الأميركية الخبير في تكنولوجيا المعلومات من الولايات المتحدة، الدكتور أحمد بانافع، يقول لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه في العام 2024، شهدت شركة "إنتل"، التي كانت رائدة في صناعة المعالجات لفترة طويلة، تراجعات قياسية في سباق الذكاء الاصطناعي، مما أثار العديد من التساؤلات حول أسباب هذا الانحدار.. ومع تفوق منافسين مثل "إنفيديا" و"AMD"، أصبحت إنتل تواجه أزمة تتطلب حلولاً جذرية.
ويحدد بانافع في هذا السياق أبرز العوامل التي أدت إلى هذا الوضع:
- تأخر تطوير تقنيات متخصصة للذكاء الاصطناعي
بينما ركزت شركات مثل "إنفيديا" على إنتاج رقائق متقدمة تلبي احتياجات تطبيقات الذكاء الاصطناعي الحديثة، كانت إنتل بطيئة في إدخال منتجات منافسة. أصبحت معالجات "إنفيديا" مثل H100 الخيار الأساسي لشركات التكنولوجيا الكبرى، مما زاد من عزل إنتل عن السوق.
- الإخفاقات المتكررة في إطلاق المنتجات
واجهت إنتل مشاكل تقنية عديدة، بما في ذلك تأخرها في إنتاج رقائق يتقنية 7 نانومتر، مما جعلها تفقد القدرة على المنافسة في سوق تتسم بالتطور السريع. كما أن تركيزها المفرط على سوق المعالجات التقليدية أدى إلى إهمال التقنيات الجديدة التي تسيطر على السوق الآن.
- المنافسة الآسيوية الحادة
شركات مثل TSMC وسامسونغ فرضت هيمنتها على صناعة أشباه الموصلات، حيث تمكنت من تقديم منتجات أكثر كفاءة وأقل تكلفة. بالإضافة إلى ذلك، أبرمت هذه الشركات شراكات مع عمالقة التكنولوجيا مثل "مايكروسوفت" و"أمازون"، مما أضعف مكانة إنتل بشكل أكبر.
- غياب الحلول البرمجية المبتكرة
افتقرت إنتل إلى منصة برمجية شاملة تسهّل تشغيل تطبيقات الذكاء الاصطناعي، بعكس "إنفيديا" التي استطاعت أن تجعل CUDA معياراً رئيسياً في السوق. هذا القصور جعل العملاء ينجذبون إلى الحلول التي تقدمها الشركات المنافسة.
- قرارات إدارية مثيرة للجدل
شهدت الشركة تغيرات متكررة في القيادة العليا، ما أثر سلباً على استمرارية الرؤية الإستراتيجية. كما أن استثماراتها في مجالات مثل معالجات الهواتف الذكية لم تحقق النتائج المرجوة، مما زاد من تعقيد موقفها.
- تحديات مالية متفاقمة
فقدت إنتل حصصاً كبيرة من السوق لصالح منافسيها، مما انعكس على إيراداتها. كما أن ضعف الاستثمارات في البحث والتطوير ضمن مجال الذكاء الاصطناعي أدى إلى تراجع قدرتها على الابتكار.
- تحول السوق نحو الحلول السحابية
الاعتماد المتزايد من قبل الشركات على خدمات الحوسبة السحابية المقدمة من "أمازون AWS" و"غوغل كلاود" قلل من الطلب على منتجات إنتل التقليدية، مما زاد من التحديات التي تواجهها الشركة.
خطوات لاستعادة المنافسة
ولتعويض ما فات، يشدد المستشار الأكاديمي في جامعة ولاية سان خوسيه الأميركية الخبير في تكنولوجيا المعلومات من الولايات المتحدة، على أنه على إنتل اتخاذ خطوات استراتيجية، منها:
- تسريع الابتكار التقني من خلال تطوير رقائق مخصصة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
- بناء شراكات قوية مع الشركات التقنية الكبرى لاستعادة الثقة بالسوق.
- زيادة الاستثمار في البحث والتطوير لتقديم حلول تنافسية تواكب احتياجات السوق.
- إعادة هيكلة الإدارة وتعيين قيادة قادرة على دفع الشركة نحو مستقبل مستدام.
تأخر إنتل
من جانبه، يوجز أستاذ علم الحاسوب وخبير الذكاء الاصطناعي في السيليكون فالي – كاليفورنيا، الدكتور حسين العُمَري، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أسباب تراجع الشركة في سباق الذكاء الاصطناعي خلال عام 2024 نتيجة لعدة عوامل رئيسية:
- التأخر في تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي: لم تتمكن إنتل من مواكبة التحول السريع نحو الذكاء الاصطناعي، مما أتاح لشركات مثل إنفيديا وAMD الهيمنة على السوق.
- قرارات استراتيجية غير موفقة: في الفترة بين عامي 2017 و2018، أتيحت لإنتل فرصة للاستثمار في شركة OpenAI بحصة تبلغ 15 بالمئة مقابل مليار دولار، لكنها رفضت ذلك، مما أدى إلى فقدان فرصة مهمة في مجال الذكاء الاصطناعي.
- ضعف القدرة التنافسية في سوق الرقائق المتقدمة: تأخرت إنتل في تطوير رقائق متقدمة تتناسب مع متطلبات الذكاء الاصطناعي، مما أدى إلى تراجع حصتها السوقية أمام منافسين مثل إنفيديا.
- إخفاقات في استراتيجيات الاستحواذ: فشلت إنتل في إتمام صفقات استحواذ مهمة، مثل صفقة شراء شركة GlobalFoundries، مما أثر سلبًا على قدرتها التنافسية.
- تحديات مالية وإدارية: شهدت إنتل تراجعًا في قيمتها السوقية وزيادة في خسائرها المالية، مما أدى إلى فقدان ثقة المستثمرين واستقالة الرئيس التنفيذي بات غيلسنغر في ديسمبر 2024.
ويوضح أن هذه العوامل مجتمعة أسهمت في تراجع إنتل في سباق الذكاء الاصطناعي وتحقيقها لتراجعات قياسية في عام 2024.