تشهد سوريا مرحلة انتقالية دقيقة تُعيد صياغة علاقاتها مع العالم العربي في ظل الإدارة الجديدة. في وقت تحاول دمشق تعزيز انفتاحها الدبلوماسي باتجاه "الحاضنة العربية".

وتواجه البلاد عقبات معقدة تتمثل في العقوبات الغربية، التحديات الاقتصادية، والضغوط السياسية. حيث تتسم هذه المرحلة بمساعٍ واضحة لاستعادة دور سوريا التقليدي في الإقليم، وسط مراقبة عربية ودولية حثيثة.

ففي الآونة الأخيرة، انطلقت سلسلة من الزيارات الرسمية التي قادها وزيرا الخارجية والدفاع السوريين برفقة مدير الاستخبارات إلى دول مثل قطر والإمارات والأردن، وحملت هذه الزيارات رسائل عدة، أبرزها رغبة الإدارة السورية الجديدة في فتح صفحة جديدة مع الدول العربية. ووفقًا لوزير الإعلام السوري السابق مهدي دخل الله، فإن "إعادة سوريا إلى العائلة العربية تكتسب اهتمامًا استراتيجيًا"، مع التركيز على أهمية الشراكات الاقتصادية والسياسية.

سوريا والمرحلة الانتقالية.. الحاضنة العربية ومخرجات العقبة

ولكن، هل يكفي الانفتاح العربي للتغلب على التحديات؟.. الباحث في مركز كاندل للدراسات، عباس شريفة يرى أن سوريا تسعى لتبني مسار جديد ينأى بها عن ارتباطها السابق بالمحاور الإقليمية والدولية التي أضرت بالأمن القومي العربي.

ويشير خلال حديثه لغرفة الأخبار على سكاي نيوز عربية إلى أن "الإدارة الحالية في دمشق تحاول تحقيق تكامل اقتصادي ضمن إطار عربي، بهدف كسر العزلة وإعادة بناء الثقة".

الحاضنة العربية بين الترقب والحذر

تتفاوت مواقف الدول العربية بشأن دعم سوريا. فعلى الرغم من الانفتاح الملحوظ، لا تزال هناك تحفظات معلنة من بعض العواصم العربية، خاصة في ظل التوجهات الأيديولوجية والإرث الطويل لعلاقة النظام السوري مع إيران. ويؤكد الأكاديمي الدكتور أمين المشاقبة خلال حديثه لـ"سكاي نيوز عربية" أن "بعض الدول العربية تتخوف من الأبعاد الأيديولوجية والإسلامية للإدارة السورية الحالية، لكنها تدرك في الوقت نفسه أهمية سوريا كدولة مركزية في العالم العربي".

إضافةً إلى ذلك، تلعب دول الخليج، مثل قطر والسعودية والإمارات، دورا حاسما في صياغة هذا التحول. قطر، على سبيل المثال، تدفع باتجاه تكامل اقتصادي، بينما تُظهر السعودية اهتمامًا استراتيجيًا يعكسه دعمها للجهود الرامية لاستعادة الاستقرار الإقليمي.

العقبات أمام الانفتاح

رغم التفاؤل الحذر، تواجه سوريا تحديات كبيرة تعيق انتقالها السلس نحو الاستقرار. العقوبات الغربية المفروضة بموجب "قانون قيصر" تشكل عقبة رئيسية، حيث تؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية وتعرقل جهود إعادة الإعمار. وهنا يوضح المشاقبة أن "رفع العقوبات يتطلب خريطة طريق واضحة تضمن خروج إيران وحزب الله من سوريا".

من جهة أخرى، التهديدات الإسرائيلية المستمرة تزيد من تعقيد المشهد. ففي الوقت الذي تسعى فيه إسرائيل إلى دعم استقلال الأكراد، تُظهر دمشق رغبة في استعادة السيطرة على أراضيها وتوحيد البلاد. الباحث عباس شريفة يُحذر من أن "أي فشل في التوافق الداخلي السوري قد يؤدي إلى استمرار الانقسامات وزيادة التدخلات الخارجية".

سوريا وتحديات الداخل.. ملفات بانتظار الحسم

الآفاق المستقبلية

ترسم المرحلة الانتقالية في سوريا ملامح تحديات وفرص في آن واحد. على المستوى السياسي، يشدد الخبراء على ضرورة إشراك كافة مكونات الشعب السوري في صياغة دستور جديد يضمن المواطنة والديمقراطية. أما اقتصاديًا، فإن تعزيز التعاون مع الدول العربية يمكن أن يسهم في تخفيف الضغوط الاقتصادية وإعادة بناء المؤسسات.

ويشير مهدي دخل الله إلى أهمية بناء الثقة بين سوريا والدول العربية، مضيفًا أن "الاستقرار الإقليمي يتطلب تعاونًا عربيًا لمواجهة التدخلات الخارجية وضمان وحدة الأراضي السورية".

وفي السياق نفسه، يدعو المشاقبة إلى "إعادة صياغة العلاقات السورية-العربية على أسس جديدة تركز على التكامل الاقتصادي والسياسي".

وتواجه سوريا مرحلة حاسمة تُعيد فيها تشكيل هويتها الإقليمية وسط تحديات سياسية واقتصادية كبرى. النجاح في هذه المرحلة يعتمد على قدرة الإدارة الجديدة في دمشق على تحقيق توازن بين متطلبات الانفتاح العربي وضمان استقلالية القرار الوطني.

وفي ظل الحراك الدبلوماسي الحالي، يبدو أن سوريا ماضية نحو استعادة دورها، لكن الطريق مليء بالعقبات التي تتطلب تعاونًا إقليميًا ودوليًا مستدامًا.