شهد الشمال السوري في الأيام الأخيرة تطورات متسارعة، مع تصاعد القتال بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والفصائل الموالية لتركيا، وهو صراع أسفر عن مقتل أكثر من 100 شخص خلال يومين فقط، وفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان.

هذه المعارك، التي تركزت في محيط سد تشرين ومنطقة رأس العين، تعكس تعقيد الأزمة السورية، حيث تتداخل المصالح المحلية والإقليمية والدولية، وسط غياب أي رؤية واضحة للحل.

الإدارة الذاتية الكردية دعت المجتمع الدولي للتدخل ووقف الهجمات التركية، مؤكدة أن استمرار العمليات سيؤدي إلى كارثة إنسانية كبرى.

السيطرة على المناطق الغنية بالنفط والمياه والطاقة، بالإضافة إلى موقعها الجيوسياسي الحساس، يجعل هذه المناطق مركزًا للصراع، حيث تسعى تركيا إلى منع أي مشروع كردي مستقل بالقرب من حدودها الجنوبية.

الأكراد في المعادلة السورية

الأكراد يمثلون مكونًا قوميًّا أصيلًا في سوريا، لكنهم يواجهون تحديات سياسية معقدة. القيادة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع أبدت استعدادها لدمج الأكراد في المشهد السياسي، لكن التساؤلات تبقى بشأن جدية هذه الوعود، خصوصًا في ظل غياب خطوات تنفيذية ملموسة.

من ناحية أخرى، تواجه قسد اتهامات بأنها تمثل أجندة سياسية منفصلة عن تطلعات الأكراد كشعب، حيث يصفها الكاتب الصحفي عبدالله الحمد بأنها "تنظيم سياسي مرتبط بأجندات خارجية، لا يعكس تطلعات المكون الكردي الأصيل في سوريا". هذا التمييز بين قسد والأكراد يعكس تعقيد المشهد الداخلي، حيث تبدو قسد غير قادرة على التفاعل الإيجابي مع دعوات الحوار والاندماج في الدولة السورية الجديدة.

أخبار ذات صلة

شمال سوريا.. 100 قتيل في معارك بين قسد وفصائل موالية لتركيا
أردوغان يتوعد "العمال الكردستاني" بقبضة تركيا "الحديدية"

الدور التركي خط أحمر ضد الكيان الكردي

تركيا ترى في أي مشروع كردي مستقل على حدودها الجنوبية تهديدًا وجوديًّا لأمنها القومي. هذا التخوف ينبع من مخاوف أن يؤدي قيام كيان كردي في سوريا إلى تحفيز الأكراد في تركيا على المطالبة بمزيد من الحقوق أو السعي للانفصال.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شدد مؤخرًا على أن الفصائل المسلحة "إما أن تسلّم سلاحها أو تُدفن معه"، في إشارة واضحة إلى عزمه الحازم على كبح أي تطلعات كردية انفصالية. التحركات التركية العسكرية ليست مجرد رد فعل على الأحداث الميدانية، بل هي جزء من استراتيجية أوسع لتعزيز نفوذ أنقرة الإقليمي ومنع إعادة تشكيل سوريا بشكل يتعارض مع مصالحها.

الدور الأميركي... بين حليف كردي ومصالح إقليمية

الولايات المتحدة تجد نفسها في موقف صعب، إذ تسعى إلى حماية حليفها الكردي من جهة، والحفاظ على علاقاتها الاستراتيجية مع تركيا من جهة أخرى.

التحركات الأميركية الأخيرة في عين العرب (كوباني)، بما في ذلك إنشاء قاعدة عسكرية جديدة، تعكس التزام واشنطن بمنع انهيار قسد أمام الضغط التركي. لكن هذا الالتزام لا يبدو غير محدود. الأسئلة المطروحة الآن هي: إلى أي مدى ستذهب الولايات المتحدة في دعمها للأكراد؟ وهل ستتمكن من تحقيق توازن بين تطلعاتها في محاربة داعش، واحتواء النفوذ التركي المتزايد في الشمال السوري؟.

صراع على الثروات الوطنية

المناطق التي تسيطر عليها قسد تعتبر "خزان سوريا الاقتصادي"، حيث تضم معظم حقول النفط والغاز وأراضي القمح الخصبة. هذه الموارد تمثل نقطة خلاف رئيسية بين قسد والإدارة السورية الجديدة. الكاتب عبد الله الحمد أشار إلى أن "احتكار قسد لهذه الثروات يثير تساؤلات حول استخدامها، وهل تخدم الشعب السوري أم أجندات سياسية منفصلة؟".

على الجانب الآخر، تعاني هذه المناطق من انقطاعات حادة في الكهرباء والخدمات الأساسية، بينما تلجأ الحكومة السورية إلى استيراد الطاقة. هذه المفارقة تعكس فشل الأطراف المختلفة في إدارة الموارد بشكل يخدم المصالح الوطنية، ما يؤدي إلى استمرار معاناة السكان.

مسارات متناقضة

رغم دعوات الحوار بين دمشق وأنقرة، إلا أن الموقف التركي تجاه الأكراد يبقى عائقًا رئيسيًا أمام أي تفاهم طويل الأمد. تركيا ترى في سوريا الجديدة فرصة لتعزيز نفوذها الإقليمي، لكنها ترفض أي صيغة تتيح للأكراد دورًا مؤثرًا في مستقبل البلاد.

الشمال السوري ليس مجرد مسرح لصراع عسكري، بل هو نقطة محورية لرسم مستقبل سوريا والمنطقة بأسرها. الحل يتطلب إرادة سياسية شاملة تتجاوز المصالح الضيقة للأطراف الفاعلة.