تصاعدت التوترات في اليمن بشكل دراماتيكي مع تكثيف الضربات الجوية الأميركية ضد مواقع الحوثيين في صنعاء.

وبينما تبرر واشنطن هذه الهجمات بأنها تهدف إلى إضعاف الجماعة التي تهدد الملاحة في البحر الأحمر وتستهدف المواقع الإسرائيلية، تبرز عدة أبعاد وتحالفات تتشابك فيها الأجندات الأميركية، الإسرائيلية، والإيرانية.

هذه التطورات تعكس تحولا في الاستراتيجيات الإقليمية ومحاولة فرض واقع جديد على الأرض.

الحوثيون.. دفاع عن النفس أم تكتيك إقليمي؟

في أعقاب الضربات الأميركية التي استهدفت منشآت حوثية في صنعاء، وصفت الجماعة هذا التحرك بأنه "انتهاك سافر لسيادة اليمن"، متهمة واشنطن بتوفير الغطاء السياسي والعسكري لإسرائيل.

من جهة أخرى، استمرت الجماعة في تأكيدها على "مواصلة نهج المقاومة"، كما قامت بتنفيذ هجمات ضد مواقع إسرائيلية في منطقة يافا وجنوب القدس، بالإضافة إلى استهداف حاملة طائرات أميركية.

هذا التصعيد يعكس استراتيجية حوثية تعتمد على التحالف مع إيران، حيث يتم استخدام اليمن كمنصة لتهديد المصالح الإقليمية والدولية.

ويرى مدير التحالف الأميركي الشرق الأوسطي للديمقراطية، توم حرب، خلال حديثه لـ"سكاي نيوز عربية" أن هذه التحركات جزء من خطة أوسع تقودها طهران لتوسيع نفوذها الإقليمي عبر وكلائها مثل الحوثيين.

الضربات الأمريكية إضعاف للحوثيين أم استهداف لإيران؟

أعلنت القيادة الأميركية الوسطى عن تنفيذ ضربات دقيقة استهدفت مواقع قيادة وسيطرة للحوثيين، بالإضافة إلى مرافق لإنتاج وتخزين أسلحة متقدمة تشمل الصواريخ والطائرات المسيّرة.

هذه الضربات تمثل، وفقا لتوم حرب، استجابة متأخرة لكنها حاسمة، في إطار محاولات التحالف الدولي بقيادة واشنطن حماية الملاحة البحرية في البحر الأحمر.

ومع ذلك، يشير حرب إلى وجود انتقادات حادة للسياسة الأميركية، حيث يرى أن الإدارة الحالية تتردد في اتخاذ موقف صارم تجاه الحوثيين، ويفترض أن هذه المهمة قد تُترك للرئيس القادم.

كما يثير حرب مخاوف بشأن التأثير المحتمل لهذه السياسة على دول المنطقة، مثل مصر، التي تعتمد بشكل كبير على تأمين الملاحة في قناة السويس.

أخبار ذات صلة

الحوثيون يكشفون تفاصيل أحدث ضرباتهم على إسرائيل
قلق دولي متنام جراء تنفيذ الحوثيين عمليات هجومية بعيدة المدى
الحوثيون يهددون باستهداف كل المصالح الأميركية في المنطقة

الصراع بالوكالة أم المواجهة المباشرة؟

في الجانب الإسرائيلي، أطلق المسؤولون، بما في ذلك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، سلسلة من التحذيرات لجماعة الحوثي، مهددين بدفع "ثمن باهظ".

هذه التصريحات تتزامن مع تزايد المخاوف داخل إسرائيل من صعوبة استهداف الحوثيين، خاصة بالنظر إلى البعد الجغرافي وتعقيدات المشهد اليمني.
وفي هذا السياق، يعتبر محللون إسرائيليون أن الحل يكمن في استهداف إيران بشكل مباشر بدلا من وكلائها، وهو ما قد يفسر تصاعد الخطاب الإسرائيلي تجاه طهران.

ويرى مراقبون أن هذا التصعيد يمثل حلقة جديدة في الصراع الإقليمي بين إيران وحلفائها من جهة، والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى.

وقد أشار حرب إلى أن الوضع الحالي يختلف عن المواجهات السابقة مع حماس وحزب الله، حيث يبدو أن هناك تراجعا في هيبة إسرائيل، ما يعكس تغيرا في موازين القوى الإقليمية.

حرب سلط الضوء أيضا على تأثير السياسات الأميركية المتغيرة، حيث قامت إدارة جو بايدن برفع الحوثيين من قائمة الإرهاب، وهو ما اعتبره البعض إشارة ضعف تجاه إيران.

وأوضح حرب أن العمليات العسكرية ضد الحوثيين لها أهمية استراتيجية أكبر من تلك الموجهة ضد حماس وحزب الله، نظرا لتهديد الحوثيين المباشر للملاحة البحرية الدولية.

أخبار ذات صلة

غارات إسرائيل تصعد المواجهة مع الحوثيين.. ومن خلفهم إيران
الحوثيون يعلنون نوع الصاروخ الذي استهدف إسرائيل الأربعاء

تداعيات إنسانية

على الرغم من التركيز على الأبعاد العسكرية والسياسية، لا يمكن تجاهل الكارثة الإنسانية التي يعاني منها اليمن.

ووفقا لحرب، فإن أكثر من 20 مليون شخص يعانون من تبعات الحرب، مع تفاقم الأزمات الإنسانية بسبب سيطرة الحوثيين على أجزاء من البلاد.

هذا البعد الإنساني يضيف ضغطا دوليا لإيجاد حل للصراع، لكنه في الوقت ذاته يُستغل كأداة في لعبة المصالح الإقليمية.

إن الضربات الجوية الأميركية الأخيرة في صنعاء تمثل تصعيدا خطيرا في النزاع اليمني، مع استمرار الحوثيين في تبني استراتيجية "الهجوم للدفاع"، واعتبار إسرائيل والولايات المتحدة خصوما مباشرين.

وحسبما ذكر حرب، فإن غياب قرار سياسي واضح في واشنطن قد يؤدي إلى تصعيد أكبر في المستقبل القريب.

وفي ظل هذه التطورات، تبقى الأسئلة مفتوحة حول إمكانية احتواء هذا التصعيد، وهل ستتحول المواجهة مع الحوثيين إلى صراع إقليمي أوسع يشمل إيران؟