يدرك العارفون بدهاليز الميدان السوري أن الخاسر الأكبر مما يجري في شمال البلاد التي لم تشهد استقرارا حقيقيا من العام 2011، هو النفوذ الإيراني.
بل يرى هؤلاء أن الهجوم الأخير ليس إلا تنافسا بالنار بين قوى خارجية ذات نفوذ واسع في سوريا لملء الفراغ الإيراني، الذي خلفه تقهقر الأذرع الإيرانية في المنطقة بفعل المواجهة مع إسرائيل.
لكن يبدو أن القيادة الإيرانية تأبى التسليم بهذا الواقع الجديد، وهي إذاك تسعى لاستعادة حصتها أو الحدّ من خسارتها على أقل تقدير. وقد بدأت بالفعل بحشد قوات موالية لها في سوريا، تنقسم ما بين حزب الله اللبناني، وميليشيات شيعية عراقية.
صحيفة "واشنطن بوست" ذكرت أن هذه القوات بانتظار الأمر النهائي للبدء في القتال. ولم تنفرد الصحيفة الأميركية بهذه المعلومات، وقد سبقتها وكالة رويترز والمرصد السوري بالإشارة قبل أيام إلى أن ميليشيات من العراق عبرت الحدود إلى سوريا.
لكن إيران اليوم، ليست إيران الأمس. لذلك يتأخر أمر البدء بالهجوم الذي تتهدده عراقيل جمّة.
بادؤها أن إسرائيل منذ هجوم حماس في السابع من أكتوبر أخذت عهدا باقتلاع النفوذ الإيراني من محيطها الحيوي، بما يشمل لبنان وسوريا، وليس الاكتفاء بتشذيبه كما دأبت على الفعل في الماضي. وهي إذاك تترصد أي نشاط للميليشيات الموالية لإيران في الأرض السورية ولا تتردد في استهدافه، وفي ذلك مئات الأمثلة خلال الأشهر الماضية. فيما كانت تل أبيب تواظب على استهداف أي هدف في سوريا ترى فيه تهديداً لأمنها منذ العام 2011، وقد قتلت المئات من ضباط وعناصر الحرس الثوري والمليشيات الإيرانية والجيش السوري منذ تلك الفترة.
ثم إن الميليشيات العراقية وحزب الله اللبناني التي تركن عليها إيران لتغيير الواقع في سوريا هي نفسها تغير واقعها.
ففي العراق، ثمة إرادة واضحة ممن يديرون البلاد اليوم بأن ينأوا بأنفسهم قدر ما أمكن عن الصراعات في المنطقة، والمضي في اتجاه خيار الدولة الوطنية، وقد رشحت تصريحات من مصادر سياسية عراقية لـ"سكاي نيوز عربية" تقول إن إيران تسعى لجر العراق نحو وحل الصراع السوري، وأن طهران منزعجة بالفعل من محاولة الحكومة العراقية فصل موقفها عن موقف الميليشيات الموالية لإيران فيما يتعلق بالقتال في سوريا، لذلك ستوفد وزير خارجيتها إلى بغداد للضغط وإعادة إحياء غرفة العمليات الرباعية المشتركة الروسية العراقية الإيرانية السورية، وتطويرها من غرفة عمليات استخبارية إلى عسكرية استخبارية.
أما حزب الله، فقد خارت قواه بعد المواجهة الفتاكة التي خاضها مع الجيش الإسرائيلي طيلة أشهر، وما أفضى ذلك عن اشتداد الرغبة اللبنانية بأن يعتزل الحزب السلاح ويتحول إلى حزب سياسي لا يقاتل في لبنان نفسه، فكيف سيكون الحال بشأن القتال في سوريا.
وبالمحصلة، قد تقدم إيران على الزج مجددًا بميليشياتها في وحل الصراع السوري، لكن التساؤلات اليوم تتمحور عن مدى قدرتها في قلب الموازين أمام تنظيمات مسلحة بنسخة منقحة، إعدادًا وتسليحًا، ومظهرًا!