منذ اندلاع النزاع السوري عام 2011، أضحت الهوية الوطنية السورية هدفا مباشرا لتهديد التنظيمات المتطرفة التي استغلت حالة الفوضى وانهيار الدولة جزئيًا لتوسيع نفوذها.

مع تصاعد دور هذه التنظيمات، مثل "هيئة تحرير الشام"، برزت تحديات كبيرة أمام سوريا والمجتمع الدولي، تتعلق بتأثير هذه الجماعات على البنية الاجتماعية والثقافية للبلاد.

وفقًا للخبير السياسي والاستراتيجي فرج زيدان، فإن "المنهجية التي تتبعها الجماعات المتطرفة تركز على تفكيك الدولة الوطنية من خلال إضعاف المؤسسات مثل الجيش والقضاء، وإعادة تشكيلها بما يخدم أجنداتها الأيديولوجية".

زيدان أشار خلال حديثه لسكاي نيوز عربية، إلى أن "الجماعات المتطرفة، وعلى رأسها الإخوان المسلمون والفصائل المرتبطة بالقاعدة، تسعى إلى تفتيت النسيج الاجتماعي عبر اللعب على التباينات الدينية والطائفية، وتحويل الهوية الوطنية إلى مجرد أداة قابلة للتلاعب لخدمة مشروع إقامة دولة الخلافة".

واشنطن تحث هيئة تحرير الشام على عدم إدارة البلاد بشكل تلقائي

من جانبه، أوضح الخبير في شؤون الجماعات المتشددة، سامح عيد، أن "التنظيمات المتطرفة تستغل حالة الفراغ الديني والفكري لدى بعض الفئات المهمشة، خاصة الشباب الذين يعانون من البطالة والأزمات الاقتصادية".

وأكد عيد أن هذه الجماعات "تلجأ إلى تقديم مساعدات غذائية ومالية مقابل الولاء، مما يجعلها تبدو كبديل مشروع في نظر بعض الشرائح المجتمعية".

ويتمثل أحد أخطر آثار التنظيمات المتطرفة في محاولاتها طمس الهوية الثقافية المتنوعة لسوريا. حيث تعمل هذه الجماعات، بحسب زيدان، على "إقصاء الأقليات وتهميش الهويات المتعددة، ما يؤدي إلى تدمير النسيج الاجتماعي السوري الغني بطبقاته الثقافية والدينية".

عيد أضاف أن "السيطرة على المناهج التعليمية والإعلام تعد من أبرز أدوات هذه الجماعات لفرض أيديولوجياتها، حيث تسعى إلى تشكيل أجيال جديدة تحمل رؤيتها المتطرفة".

أخبار ذات صلة

بعد تكليف البشير.. مخاوف من انحراف مسار الانتقال في سوريا
"سكاي نيوز عربية" تتحدث إلى معتقل محرر من سجن صيدنايا

ازدواجية الخطاب وتأثيرها على الاستقرار

يشير زيدان إلى "ازدواجية الخطاب لدى هذه التنظيمات، التي تدعي الدفاع عن الإسلام والوطنية، لكنها في الواقع تتبنى براغماتية صارخة تسعى من خلالها إلى استمالة الدعم الدولي، متجاهلة الهوية الوطنية السورية التي تزعم حمايتها".

ومع استمرار النزاع، تبقى مواجهة الفكر المتطرف واستعادة الهوية الوطنية تحديا رئيسيا لسوريا.

ويرى عيد أن "السبيل الأمثل لمواجهة التنظيمات المتطرفة يكمن في تعزيز دور الدولة ومؤسساتها، ودعم مشاريع التنمية التي تستهدف تحسين أوضاع الشباب، ما يقلل من إمكانية وقوعهم فريسة لأيديولوجيات متطرفة".

وتشير المعطيات إلى أن التنظيمات المتطرفة لم تكتفِ بإضعاف الهوية الوطنية السورية فحسب، بل ساهمت أيضًا في ترسيخ الانقسامات، مما يزيد من تعقيد الجهود الرامية إلى تحقيق السلام وإعادة بناء الدولة السورية.