بعد سنوات من الأزمات المتلاحقة في الاقتصاد السوري، والتي تفاقمت بفعل الحرب والعقوبات الدولية، تقف سوريا اليوم على مفترق طرق تاريخي، فسقوط نظام بشار الأسد، يفتح الباب أمام البلاد للاستفادة من فرص جديدة لإعادة بناء ما دمرته سنوات الأزمات.

ومن غير المرجح أن يكون لانهيار الحكم الذي دام في سوريا لأكثر من 53 عاماً، انعكاسات إيجابية فورية على الاقتصاد، فالصراع الذي شهدته البلاد لسنوات طويلة والعقوبات الدولية، أجهزت على مختلف القطاعات الاقتصادية وتركتها في حالة شلل شبه كامل.

ويقول المحللون إن الاقتصاد السوري قد يستغرق عقداً من الزمن، للتغلب على اضطرابات الحرب، بشرط أن تهدأ العاصفة السياسية ويأتي الدعم الخارجي.

فمع وجود عدد كبير من المغتربين السوريين الأثرياء واستعداد المنظمات الدولية للتدخل، ستكون أمام سوريا فرصة للازدهار لأول مرة منذ سنوات.

وبدأت الحرب الأهلية في سوريا في عام 2011.

وانكمش الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، بنسبة 54 بالمئة بين عامي 2010 و2021، في حين تشير التوقعات الصادرة عن البنك الدولي في مايو 2024 إلى أن الناتج المحلي لسوريا سينكمش بنسبة 1.5 بالمئة في 2024، بعد انكماش بنسبة 1.2 بالمئة في عام 2023.

بينما يقول البنك الدولي إنه اعتباراً من عام 2022، أثّر الفقر على 69 بالمئة من سكان سوريا، أي ما يعادل حوالي 14.5 مليون شخص.

أخبار ذات صلة

ما مصير "العقوبات الاقتصادية" على سوريا؟
غداة سقوط الأسد.. سوريون في دمشق يواصلون الاحتفال

الثروة النفطية في سوريا

يمكن لقطاع الطاقة في سوريا المساهمة في عملية بناء الاقتصاد من جديد، فالبلاد تمتلك احتياطيات نفطية مؤكدة تُقدر بنحو 2.5 مليار برميل، تتركز أغلبها في شرق البلاد، خاصة محافظة دير الزور، وذلك بحسب تقرير لموقع "أويل برايسز" المتخصص في شؤون الطاقة، نُشر في 2019.

وتحتل سوريا المرتبة الـ31 عالمياً في احتياطيات النفط، وتمثّل 0.2 في المئة من إجمالي احتياطي النفط العالمي البالغ 1.6 تريليون برميل، ولكن حقول النفط هناك تعاني أزمة كبيرة، منذ اندلاع المعارك في البلاد في عام 2011.

وتُظهر بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن إنتاج سوريا من النفط، الذي بلغ في المتوسط أكثر من 400 ألف برميل يومياً بين عامي 2008 و2010، وصل إلى أقل من 25 ألف برميل يومياً بحلول مايو 2015، قبل أن يعود ويرتفع إلى نحو 40 ألف برميل يومياً خلال عام 2023، حيث يرجع ذلك جزئياً إلى الأضرار التي أصابت البنية التحتية وتقادم حقول النفط.

ويقول الصحفي المختص بالاقتصاد السوري الدكتور عيسى الحمصي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن سوريا التي كان يعيش فيها نحو 25 مليون شخص قبل عام 2011، تمتلك موارد نفطية تكفي لتلبية احتياجات 80 مليون إنسان بمستوى الرفاهية، مشيراً إلى أن البلاد تضم حقولاً نفطية ذات تدفقات هائلة كحقول كونيكو والجبسة والتنك في دير الزور وأيضاً حقل العمر في دير الزور الذي يعد من أضخم وأغنى حقول النفط بالشرق الأوسط، إضافة حقل الكبيبة في الحسكة.

ويؤكد الحمصي أن الإدارة الجيدة واستغلال القطاع النفطي في سوريا، يمكن أن يساهما بشكل كبير في رفع دخل المواطن السوري إلى مستويات متميزة.

وأشار إلى أن الميزانية العامة للدولة سابقاً (باستثناء عائدات النفط) كان يُخصص منها 85 في المئة لتمويل الجيش السوري، بينما يُوجه 15 في المئة فقط لتلبية احتياجات الشعب، في حين أن عائدات النفط، فكانت تدخل مباشرة في الحسابات الخاصة لعائلة الأسد، بدلاً من أن تُستخدم لصالح مؤسسات الدولة.

ويلفت الحمصي أيضاً إلى الدور الكبير الذي يمكن للقطاع السياحي أن يلعبه في إعادة إحياء الاقتصاد السوري، من خلال رفد خزينة الدولة بمليارات الدولارات، وذلك في حال استثماره بطريقة صحيحة، فسوريا تعد من بين أغنى دول العالم، من حيث التراث الثقافي والآثار التاريخية، التي تعكس حضارات عريقة، امتدت عبر آلاف السنين.

وكشف أن البلاد تحوي أيضاً جبالاً من الرخام والغرانيت الأجود عالمياً، في حين أن المعابر الموجودة في سوريا والتي تصل الشرق بالغرب، كمعبر باب الهوى الذي يصل تركيا بأوروبا، ومعبر نصيب الذي يصل الأردن بالخليج، يمكن أن يُدخلا سنوياً إيرادات هائلة.

وأكد الحمصي أن سوريا تمتلك ثروات وكنوز طبيعية هائلة، منها الفوسفات، ومناجم الفحم الحجري في دير الزور ومناجم الذهب في الشمال، كما تشتهر بزراعة القطن والقمح القاسي عالي الجودة عالمياً، إلى جانب كونها من أبرز الدول في إنتاج الزيتون وزيت الزيتون، وزراعة وتصدير الحمضيات والخضروات، فضلاً عن أن 70 في المئة من الشعب السوري تحت سن الثلاثين، مما يعكس حيوية المجتمع وإنتاجيته.

أخبار ذات صلة

كلفة إعادة إعمار سوريا.. تقديرات متفاوتة تعكس حجم الدمار
حقائق عن الاقتصاد السوري في 53 عاما

ما التالي للاقتصاد السوري؟

وبحسب الحمصي فإن هناك الكثير من المعلومات الاقتصادية المتعلقة بسوريا ستظهر قريباً، والتي ستسلط الضوء على إمكانيات كانت مجهولة للكثيرين، مشدداً على ضرورة استغلال القدرات التي تتمتع بها البلاد بشكل جيد، تحت إدارة تمنع الفساد والمحاسبية وتركز على بناء اقتصاد قوي، فسوريا تمتلك قدرات اقتصادية هائلة، يمكن أن تجعلها في مصاف الدول القادرة على تحقيق نهضة تنموية شاملة، إذا أُحسن استثمارها، ولذلك فإن التوقعات تقول بأن الاقتصاد السوري المنهك حالياً، تنتظره حقبة من النمو في المستقبل.

من جهته يقول الدكتور يسري الشرقاوي رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين الأفارقة في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن النظرة إلى الاقتصاد السوري في المرحلة المقبلة ستكون شديدة القتامة والظلمة، فالبلاد تفتقر حالياً لقطاعات اقتصادية قائمة، يمكن أن يعتمد عليها في عملية النهوض.

ولذلك فإنه في أفضل الأحوال والظروف واذا استقرت الاوضاع في سوريا، وتوافرت الظروف المثلى فإن إعادة بناء الاقتصاد، ستحتاج الى عشر سنوات على الأقل، في حين أن الإدارة غير المستقرة قد تحدث مزيداً من التدني في مستوى الاقتصاد السوري، دون وجود مؤشر زمني على استقرار الحال.

ويرى الشرقاوي أن الاقتصاد السوري تشوبه الآن حالة من عدم اليقين، فالحرب الداخلية التي استمرت لأكثر من 12 عام تقريباً، لم توفر فرصة لوجود بيانات دقيقية عن مستويات البطالة والإنتاج المحلي، في حين يبقى القطاع الزراعي هو القائم حالياً والذي كان يصل إنتاجه إلى نحو 1.5 مليار دولار سنوياً.