شهدت سوريا مؤخراً عودة لافتة للجماعات المسلحة، حيث تصاعدت نشاطاتها في شمال غربي البلاد مع شن هجمات منسقة تشير إلى ديناميكيات جديدة في المشهد الميداني، ويبرز دور هيئة تحرير الشام بوصفها اللاعب الرئيسي في هذه التحولات.

الخبير في شؤون الجماعات المتشددة، ماهر فرغلي، أوضح أن هيئة تحرير الشام نجحت في توظيف "براغماتية سياسية وعسكرية" مكّنتها من تعزيز نفوذها.

وأشار إلى أن أبو محمد الجولاني، زعيم الهيئة، قاد تحولات جذرية من خلال تحالفات مع الفصائل المحلية، وإعادة هيكلة المجلس العسكري تحت مسمى غرفة الفتح المبين. وتضم هذه الغرفة أكثر من 26 فصيلاً، أبرزها: فتح الشام، لواء الحق، أنصار الدين، وجيش السنة، إضافة إلى فصائل من الجبهة الوطنية للتحرير مثل الجيش الحر وصقور الشام.

سوريا.. تطورات ميدانية متسارعة وتقدم للتنظيمات المسلحة

تمويل وتسليح غير مسبوق

بحسب فرغلي، فإن الهيئة تحصل على تمويل يقدر بـ21 مليون دولار شهرياً من عوائد النفط والضرائب والتجارة، مما ساعدها في تعزيز قدراتها العسكرية. "تمكنت الهيئة من توفير أسلحة متطورة، بما فيها طائرات مسيرة، مما ساعدها على التوسع في حلب ومناطق أخرى"، كما يقول.

تحديات داخلية وتغيرات جيوسياسية

رغم هذا التوسع، تواجه هيئة تحرير الشام تحديات داخلية كبيرة. فقد عانت سابقاً من "اختراقات تجسسية وانقسامات داخلية"، وفق فرغلي.

وأضاف أن الجولاني اعتمد نهجاً صارماً للتخلص من القادة المنافسين ومن يُشتبه في ولائهم للقاعدة، مما أدى إلى احتجاجات واسعة في المناطق التي تسيطر عليها الهيئة.

إقليمياً، لعبت المخاوف من المصالحة بين تركيا والنظام السوري دوراً في تسريع تحركات الهيئة العسكرية الأخيرة. "كانت الهجمات على حلب خطوة استباقية تهدف إلى تعزيز مواقعها قبل أي تغيير في التوازنات الإقليمية"، بحسب فرغلي.

هجمات سوريا.. هل جاءت بمباركة أميركية؟

المستقبل المجهول

ورغم هذا التمدد، يعتقد فرغلي أن المواجهات لم تصل إلى نهايتها، محذراً من احتمالات نشوب صراعات داخلية بين الفصائل المتحالفة تحت مظلة المجلس العسكري، أو وقوع هزائم للهيئة نتيجة الضغوط الإقليمية والدولية.

العودة القوية للجماعات المسلحة في سوريا، بقيادة هيئة تحرير الشام، تمثل تحولاً مهماً يعكس ديناميكيات معقدة بين التحالفات المحلية، التحديات الداخلية، والتغيرات الجيوسياسية. ومع ذلك، تبقى قدرة هذه الجماعات على الحفاظ على تماسكها وتمددها موضع تساؤل في ظل تصاعد التحديات الداخلية والخارجية.

هيئة تحرير الشام

في أعقاب اندلاع الأزمة السورية عام 2011، تشكلت العديد من التنظيمات المسلحة التي جرى هزيمتها أو تفكيكها أو دمجها مع فصائل أخرى. وعلى رأس تلك الجماعات تأتي هيئة تحرير الشام، والتي مرت بأربع مراحل منذ نشأتها.

  • المرحلة الأولى (2012-2013)

أول تلك المراحل هي التأسيس، إذ تشكلت في عام 2012، بتمويل من تنظيم داعش، وكانت تعرف حينها باسم جبهة النصرة.

  • المرحلة الثانية (2013-2016)

خلال الأعوام التي تلت وتحديدا في الفترة بين عامي 2013 و2016، انفصلت الجماعة عن داعش وأعلن زعيمها أبو محمد الجولاني الولاء لتنظيم القاعدة.

  • المرحلة الثالثة (2016-2017)

وبعدها بعام شهدت الجماعة تحولات جذرية في توجهاتها، إذ انفصلت أيديولوجيا عن تنظيم القاعدة وحصرت نفسها في تنفيذ عمليات داخل الحدود السورية.

  • المرحلة الثالثة (2016-2017)

واتبعت الجماعة، التي باتت تعرف بجبهة فتح الشام، استراتيجية تعتمد على هزيمة الفصائل الأخرى في إدلب، بهدف المحافظة على نفوذها، إلى أن باتت تسيطر على معظم مناطق المدينة.

  • المرحلة الرابعة (2017- إلى الآن)

ومنذ عام 2017، اندمجت الجماعة، مع فصائل جديدة وأصبحت تعرف باسمها الحالي، فيما تركز نشاطها بشكل أساسي على السيطرة المحلية والحكم.

وفي قائمة الدول والكيانات التي تصنف هيئة تحرير الشام تنظيما إرهابيا، تأتي الأمم المتحدة والولايات المتحدة وكندا.

وتعد جبهة تحرير الشام من أقوى الفصائل المسلحة في شمال غرب سوريا، إذ تسيطر على أغلب مناطق إدلب والمناطق الشمالية المحاذية لها.