تواجه المملكة المتحدة تحديات واسعة في مجال الطاقة؛ خاصة مع اقتراب فصل الشتاء؛ فيما تظهر تقارير مختلفة أن البريطانيين سيضطرون إلى التكيف مع زيادة ملحوظة في فواتير الطاقة، مما يثير القلق بشأن كيفية قدرتهم على تدفئة منازلهم.
في ظل هذه الأوضاع، أظهرت دراسة استقصائية أن ما يقرب من نصف البالغين البريطانيين يخططون لترشيد استهلاك الطاقة هذا الشتاء، مع ارتفاع فواتير الطاقة.
فيما دعت الجمعيات الخيرية الحكومة إلى بذل المزيد من الجهود لمساعدة الأفراد المعرضين للخطر في تدفئة منازلهم. وبحسب استطلاع أجرته شركة "يوغوف" لصالح مؤسسة العمل الوطني للطاقة لمكافحة فقر الوقود، فإن:
- نحو 46 بالمئة من البالغين من المرجح أن يستخدموا طاقة أقل مما يحتاجون إليه للحفاظ على الراحة والرفاهية.
- حوالي 45 بالمئة من ذوي الدخل المنخفض قد واجهوا بالفعل صعوبات في دفع فواتير الطاقة خلال العام الماضي.
- أكثر من ثلث أصحاب عدادات الدفع المسبق أكدوا أنهم لم يحصلوا على الكهرباء أو التدفئة عند الحاجة.
وحذرت المنظمة من أن نحو ستة ملايين أسرة في المملكة المتحدة ستدخل في حالة فقر الوقود، مما يعني أن هذه الأسر ستحتاج إلى إنفاق أكثر من 10 بالمئة من دخلها على فواتير التدفئة عندما يدخل الحد الأقصى للسعر حيز التنفيذ.
وبموجب الحد الأقصى الجديد، من المتوقع أن يرتفع متوسط فاتورة الطاقة السنوية إلى 1717 جنيهًا إسترلينيًا سنويًا للغاز والكهرباء، ارتفاعًا من 1568 جنيهًا إسترلينيًا، وهو السعر المحدد منذ يوليو، وفق تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
نقل التقرير عن الرئيس التنفيذي لمنظمة العمل الوطني للطاقة، آدم سكورير، قوله: "تواجه ملايين الأسر شتاءً رهيبًا آخر، بعد أن استسلمت لديون الطاقة المتزايدة أو لم تتمكن من تدفئة منازلها على الإطلاق". ويبلغ إجمالي ديون الطاقة للأسر في المملكة المتحدة 3.7 مليار جنيه إسترليني، وفقًا لمؤسسة العمل الوطني للطاقة لمكافحة فقر الوقود.
وأضاف سكورير أنه "لا يزال هناك متسع من الوقت أمام حكومة المملكة المتحدة لزيادة الدعم المقدم من خلال مخطط خصم المساكن الدافئة والعمل مع المؤسسة وموردي الطاقة لتقديم الدعم المباشر لخفض الفواتير". وأكد أن "هذا يجب أن يكون الشتاء الأخير للإصلاح السريع".
في السياق، كشفت دراسة أخرى أجرتها وكالة الطاقة الوطنية أن 4 بالمئة من البالغين قالوا إنهم قللوا من استخدام المعدات الطبية الأساسية مثل الأكسجين والرافعات في الأشهر الثلاثة الماضية لتوفير المال.
أسعار الطاقة
في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أوضح خبير اقتصاديات الطاقة نهاد إسماعيل، من لندن، أن أسعار الطاقة في بريطانيا تظل مرتفعة تاريخيًا مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى، مشيراً إلى أن أسباب هذه الارتفاعات لا تعود فقط إلى أزمة كوفيد أو الحرب في أوكرانيا وتداعياتها، بل تتجاوز ذلك إلى عوامل هيكلية أقدم، من بينها عدم وجود بنية تحتية كافية لتخزين الغاز في بريطانيا، حيث لا تتجاوز سعة التخزين فيها 2 بالمئة من الطلب السنوي، مما يجعلها تعتمد بشكل شبه كامل على استيراد الغاز، خصوصًا من النرويج وروسيا.
وأشار إلى أن أسعار الطاقة للمستهلك شهدت ارتفاعاً كبيراً في وقت سابق ترافق مع عوامل متعددة، أبرزها الحرب في أوكرانيا وإغلاق خط "نوردستريم 1"، مما أدى إلى عودة ارتفاع الأسعار بعد انخفاضها في وقت سابق لتلك الأحداث، لتظل أسعار الجملة أعلى بنسبة 50 بالمئة مقارنة بمطلع 2021.
وأوضح إسماعيل أن تراجع الأسعار خلال العام 2023 كان مرتبطًا بموسم شتاء أقل قسوة مما كان متوقعًا، مما أدى إلى انخفاض الطلب على الطاقة وتهدئة الأسواق. ومع ذلك، ظلت الأسعار مرتفعة في العام 2024، مما دفع الحكومة البريطانية إلى وضع خطط لدعم المستهلكين في مواجهة الفواتير المرتفعة خلال الشتاء المقبل.
وسلط خبير اقتصاديات الطاقة من لندن الضوء على الإجراءات التي اتخذتها هيئة تنظيم سوق الطاقة في بريطانيا للتخفيف من تأثير ارتفاع الأسعار على المستهلكين. وقد تضمنت هذه الإجراءات وضع سقف لتكلفة الطاقة على المستهلك، كما فرضت تسعيرات محددة للغاز والكهرباء، بلغت 6.24 بنس لكل كيلووات ساعة للغاز الطبيعي و24.50 بنس لكل كيلووات ساعة للكهرباء، ما يلزم شركات الطاقة بالتقيد بهذه التسعيرات. وأكد إسماعيل أن المستهلكين لديهم الحق في التفاوض مع الشركات للحصول على شروط أفضل.
وأشار إلى أن هذه الخطوات الحكومية ستسهم في مساعدة نحو 28 مليون أسرة بريطانية، مع مراجعة سقف الأسعار كل ثلاثة أشهر. ومع ذلك، أوضح أن هذه المساعدات والسقوف السعرية لا تنطبق على قطاع الأعمال والصناعة. وأضاف أن هناك دعمًا إضافيًا مخصصًا لكبار السن والأسر الفقيرة لمساعدتهم في تحمل تكاليف الطاقة خلال فصل الشتاء، ما سيفيد حوالي 10 ملايين شخص من الفئات الأكثر تضررًا.
أزمة الغاز
على النقيض من الدول الرئيسية في الاتحاد الأوروبي، تفتقر بريطانيا إلى قدرات التخزين في فصل الشتاء. فمرافقها قادرة على تخزين أقل من ثمانية أيام من ذروة الطلب خلال الطقس البارد، مقارنة بـ 89 يوما في ألمانيا. لذا فإن المملكة المتحدة تصدر الغاز الفائض إلى الاتحاد الأوروبي في الصيف وتستورد الوقود خلال فصل الشتاء باستخدام خطي أنابيب يربطانها بهولندا وبلجيكا، بحسب بلومبرغ.
ونقل تقرير بلومبيرغ عن المدير الإداري في شركة إنسبايرد بي إل سي، نيك كامبل، قوله: "إن موجة البرد الطويلة قد تؤدي إلى استنزاف مرافق التخزين في المملكة المتحدة بسرعة، ومن هنا تأتي الحاجة إلى تحديد أسعار أعلى من القارة".
وبحسب إليزابيث كونلي، محللة سوق الغاز في إس آند بي غلوبال، فإن علاوة العقود الآجلة في المملكة المتحدة مدفوعة أيضًا بالحاجة إلى جذب المزيد من الغاز الطبيعي المسال بعد انخفاض وصوله إلى البلاد في وقت سابق من هذا العام. وقالت إن السفن التي تحمل الوقود فائق التبريد "تفضل المحطات في شمال غرب أوروبا وإيطاليا على المملكة المتحدة".
انخفضت شحنات الغاز الطبيعي المسال إلى المملكة المتحدة بأكثر من النصف في الفترة من يناير إلى سبتمبر مقارنة بمستويات عام 2023، وفقًا لبيانات تتبع السفن التي جمعتها بلومبرج.
وعزز الاتحاد الأوروبي قدراته على استيراد الغاز الطبيعي المسال، مما حد من الطلب على الإمدادات من المملكة المتحدة، في حين انخفض استخدام الغاز المحلي من قبل قطاع الطاقة.
الحكومات المتعاقبة
في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أشار الخبير الاقتصادي وكبير الاقتصاديين في شركة "ACY"، الدكتور نضال الشعار، إلى أن الحكومات البريطانية المتعاقبة قد فشلت على مدار ثلاثين عاماً في حل أزمة الطاقة، رغم أن إنكلترا تمتلك مخزوناً جيداً.
واعتبر أن الأزمة الحالية هي امتداد للأزمة التي ظهرت خلال جائحة كورونا، وقد ازدادت حدتها بفعل الحرب في أوكرانيا. وأكد أن التقلبات في الأسعار على المستوى العالمي تؤثر بشكل مباشر على أسعار الطاقة للمستهلكين المحليين.
ورصد الشعار المشكلة بشكل شامل، موضحاً أن القضية ليست فقط مرتبطة بالطاقة، بل هي أزمة اقتصادية بحتة. وأفاد بأن نظام الشرائح الذي اتبعته إنكلترا في استهلاك الطاقة وتحديد الأسعار لم يحقق النجاح المطلوب، مما أدى إلى حالة من الإرباك في الحكومة البريطانية وشعور بالارتباك لدى المواطنين. وأوضح أن المواطن البريطاني أصبح في حيرة بين خيار تثبيت سقف الأسعار أو جعله مرنًا حسب أسعار السوق، خاصةً مع التغييرات المتكررة في هذا السقف خلال الفترة الماضية.
وشدد الشعار على المطالب الخاصة بضرورة أن تلغي الحكومة البريطانية النظام الحالي، مشيرًا إلى أهمية الانتقال إلى نظام استهلاك حر كما هو مطبق في الولايات المتحدة الأميركية وأستراليا. وأوضح أن الحكومة يجب أن تعوّض المستهلك بطرق أخرى، وليس من خلال تحديد أسعار الطاقة فقط.
وفي سياق توقعاته، عبر الشعار عن اعتقاده بأن الأزمة الحالية لن تؤثر بشكل كبير على المواطن البريطاني، الذي أصبح متأقلمًا مع مثل هذه الأزمات المتكررة. وأكد أن تأثيرات الأزمة ستبدأ في الانحسار بشكل واضح في المستقبل القريب.