قررت بعض المدن السياحية الشهيرة حول العالم في أوروبا وآسيا اتخاذ إجراءات صارمة للتعامل مع ظاهرة تعرف باسم "السياحة المفرطة" فيما يخص ارتفاع أعداد السياح الوافدين وتجاوز قدراتها، ما قد تكون له عواقب سلبية على المجتمع، إضافة إلى ما تمثله من عبء ثقيل على تلك المدن ومواردها.
أحدث تلك البلاد كانت إندونيسيا، والتي تتجه لوقف بناء المزيد من الفنادق والنوادي الليلية في وجهة العطلات الاستوائية في بالي، بسبب الازدحام ومع تحويل حقول الأرز إلى فيلات فاخرة، مما أثار غضب السكان في الجزيرة الشهيرة.
الحكومة الإقليمية في بالي، التي تشتهر بشواطئها وثقافتها النابضة بالحياة والتنوع البيولوجي البحري الغني وأماكن ركوب الأمواج، طلبت من الحكومة المركزية تعليق البناء التجاري الجديد في أربع مناطق سياحية شهيرة، لكن لم يتم تحديد توقيت ومدة الحظر بعد، بحسب صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية.
في مؤتمر صحفي عقد هذا الأسبوع، قالت رئيسة قسم التسويق بمكتب السياحة في بالي، إيدا أيو إنداه يوستيكاريني إن حكومة إقليم بالي اقترحت وقف بناء الفنادق والفيلات والنوادي الليلية ونوادي الشاطئ في أربع مناطق مزدحمة، موضحة أن الهدف هو تشجيع صناعة السياحة الجيدة.
وقالت إدارة الرئيس جوكو ويدودو، التي ستتخذ القرار النهائي بشأن أي وقف مؤقت، إنها توافق على مثل هذه الخطوة.
ووفقًا لموقع ديتيك الإخباري المحلي، أكد وزير تنسيق الشؤون البحرية والاستثمار في إندونيسيا، لوهوت بينسار باندجايتان، أنه لا مزيد من الفيلات في حقول الأرز كي تكون بالي وجهة نظيفة، ذات بيئة جيدة، لتصبح وجهة ذات جودة، موضحًا أن الوقف المؤقت قد يكون خمس سنوات، وقد يكون عشر سنوات، على أن يكون ذلك بناء على تقييم.
- بالي بذلك انضمت إلى سلسلة من الوجهات السياحية الأخرى التي تسعى إلى الحد من تأثير السياحة المفرطة.
- اليونان قالت هذا الشهر إنها ستتخذ إجراءات صارمة ضد تأجير أماكن الإقامة لقضاء العطلات قصيرة الأجل وحركة السفن السياحية.
- في حين تدرس إيطاليا زيادة حادة في ضريبة السياحة .
وبينت الصحيفة أن جزيرة بالي إحدى جزر إندونيسيا التي يبلغ عددها 17 ألف جزيرة، أصبحت أبرز مناطق الجذب السياحي في البلاد، كما ساعد نجاح كتاب " طعام، صلاة، حب" الصادر عام 2006 والفيلم المقتبس عنه من بطولة الفنانة الأميركية جوليا روبرتس في حدوث طفرة سياحية بها.
وتابعت بأن الجزيرة استقطبت 3.5 مليون زائر أجنبي بين يناير ويوليو من هذا العام، بزيادة قدرها 22 بالمئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وفقا للبيانات الرسمية.
وقالت الصحيفة إن الشعبية المتزايدة للجزيرة أثارت ردود فعل سلبية، وأن كثيراً ما يشكو سكان بالي من الاختناقات المرورية والجريمة وعدم احترام الثقافة الإندونيسية، ويقول المسؤولون الإندونيسيون أيضاً إن العديد من الزوار يتجاوزون مدة تأشيراتهم ويديرون أعمالهم التجارية باستخدام تأشيرات سياحية.
وأشارت الصحيفة إلى أنه يتم ترحيل مئات الأجانب كل عام من بالي بسبب تجاوز مدة تأشيراتهم وممارسة أنشطة غير قانونية أخرى، حيث تم ترحيل رجل روسي العام الماضي بسبب وقوفه عارياً على جبل أغونغ، أحد أكثر الأماكن قدسية في بالي هذا العام، وتم القبض على رجل بريطاني لسرقة شاحنة وتحطيمها في المطار.
ونقلت الصحيفة عن مؤسس جمعية تأجير وإدارة الفيلات في بالي، كاديك أدنيانا، قوله: "يشعر العديد من السكان المحليين بأن ثقافة وتقاليد بالي الفريدة يتم استغلالها تجاريًا أو تخفيفها لتلبية احتياجات السياحة الجماعية".
وأضاف أن البناء السريع للفنادق والمنتجعات والفيلات فرض ضغوطًا على البنية التحتية المحلية، وأن غالبًا ما يُنظر إلى هذا التطور غير المقيد على أنه يضر بالجمال الطبيعي لبالي ويسبب نموًا غير مستدام.
وقد انتشرت في أنحاء بالي مشاريع تجارية تخدم السياح، وبلغ عدد الفنادق المصنفة بالنجوم 541 فندقاً العام الماضي، بعد أن كان 113 فندقاً في عام 2000، كما تم تدمير حقول الأرز الخصبة لإفساح المجال لإقامة فاخرة، حيث أصبحت إيجارات الفيلات على وجه الخصوص أكثر شعبية.
وبحسب الصحيفة، أكد المدير التنفيذي لمجموعة والهي البيئية، مايد كريشنا ديناتا:
- كان ينبغي تنفيذ وقف البناء منذ فترة طويلة، حيث تم بناء الكثير من المباني في بالي، وينبغي أن تكون حازمة في وقف خطط تطوير البنية الأساسية.
- بالي على وشك أن تواجه أزمة بيئية بسبب تأثير التطورات التجارية والبنية الأساسية.
- انخفاض مساحات حقول الأرز ومناطق أشجار المانجروف فضلاً عن تدهور السواحل من شأنه أن يجعل بالي أكثر عرضة للكوارث.
وأفادت الصحيفة بأنه على الرغم من الغضب المتزايد بين السكان، سعت الحكومة الإندونيسية إلى الاستفادة من شعبية بالي، وعرضت إندونيسيا تأشيرات أكثر مرونة لجذب البدو الرقميين، كما تدرس السلطات خطة لجعل بالي مركزًا للمكاتب العائلية كبديل لسنغافورة وهونج كونج.
وأضافت أن السكان في بالي يقولون إنهم يفضلون أن تبذل الحكومة المزيد من الجهود لتطبيق القواعد الرامية إلى منع الأنشطة غير القانونية التي يقوم بها السياح، وزيادة الوعي الثقافي لديهم، وحماية المجتمعات المحلية.
وقال كاديك: "في حين تولد السياحة إيرادات كبيرة لبالي، يشعر العديد من السكان المحليين أن الأرباح تفيد إلى حد كبير المستثمرين الأجانب والشركات الكبرى، وليس الشركات والمجتمعات المحلية".
نعمة للحكومات ونقمة للسكان الأصليين
في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أوضح مدير مركز رؤية للدراسات الاقتصادية، بلال شعيب، أن ظاهرة "السياحة المفرطة" قد اكتسبت زخمًا خلال السنوات الأخيرة، على الرغم من أن بداياتها تعود إلى ستينيات القرن الماضي. وقد شهدت هذه الظاهرة تزايدًا ملحوظًا بين عامي 2017 و2018 نتيجة الازدهار السياحي العالمي.
وأضاف شعيب أن السياحة المفرطة تعتبر ميزة للحكومات بفضل العائدات الاقتصادية، لكنها تشكل تحديًا كبيرًا للسكان المحليين، حيث يسبب تدفق السائحين ضغطًا على البنية التحتية ومرافق الدولة، بما في ذلك الازدحام المروري، مما ينعكس سلبًا على الحياة اليومية للسكان.
وأشار شعيب إلى أن هناك عوامل عديدة تجذب السياح إلى مناطق معينة، من بينها: البنية التحتية المتطورة ووجود آثار تاريخية، والسياحة الشاطئية وتوافر منتجعات ساحلية، علاوة على عوامل الجذب السياحي الثقافي مثل المتاحف والآثار وكذلك السياحة الدينية والسياحة التجارية.. إلخ.
من بين العوامل أيضاً انخفاض قيمة العملة في بعض الدول مقارنة بالدولار الأميركي، مما يعزز تدفق السائحين ويسهم في زيادة دخل الحكومات من العملة الأجنبية.
توافر مقومات السياحة تلك من شأنه أن يدعم مكانة بلد بعينه على الخارطة السياحية ويعزز من تدفق السائحين عليه.
استغلال الظاهرة
فيما أوضح الباحث الاقتصادي ومحلل ذكاء الأعمال، ياسين أحمد، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن السياحة المفرطة يكون لها تأثير كبير على البلدان المستضيفة، أبرزها تدهور البيئة المحلية، وارتفاع تكاليف المعيشة وازدحام المدن، ما يؤثر على السكان المحليين.
وأشار إلى أن من الدول التي تعاني السياحة المفرطة إيطاليا وبعض دول شرق آسيا، لذا هناك صعوبة كبيرة في إدارة أعداد السياح بها، ما يؤثر سلبا على حياة المواطنين.
وأفاد بأنه على الجانب الآخر بإمكان بعض الدول استغلال هذه الظاهرة في الدول التي تعاني السياحة المفرطة لجذب سياحها إليها وزيادة أعداد السائحين القادمين إليها، موضحًا أن ذلك من خلال:
- التسويق للوجهات التي يوجد بها عدد أقل من السائحين، واستغلال الأماكن جميعها والترويج لها.
- الترويج للسياحة المستدامة بوضع استراتيجيات لحماية البيئة والمواقع التاريخية.
- التركيز على السياحة الثقافية والتاريخية للدولة، والاستفادة من تاريخها في جذب سائحين مهتمين بالتاريخ والثقافة.
- تحسين الخدمات والبنية التحتية بتوفير تسهيلات وخدمات عالية الجودة لجذب السائحين ممن يرغبون في تجنب الأماكن المزدحمة ويبحثوا عن وجهات توفر لهم الراحة والهدوء والجودة، مع إمكانية تقديم أسعار منافسة للأماكن السياحية.
- استهداف أسواق سياحية جديدة، بتوجيه جهود التسويق بعيداً عن البلدان التي بدأت تشعر بتأثيرات السياحة المفرطة كإيطاليا وبعض الدول الآسيوية، واستغلال دول أخرى بالتسويق لنفسها كبديل.
عوامل انتشار السياحة المفرطة
ومن جهته قال مدير مركز الغد للدراسات الاستراتيجية والاقتصادية، الدكتور سيد خضر، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن السياحة المفرطة تعد ظاهرة تؤثر بشكل كبير على البلدان المستضيفة، حيث يمكن أن تؤدي إلى مجموعة من الآثار السلبية على البيئة، والاقتصاد، والثقافة.
وأوضح أن من أهم العوامل المساعدة على ظاهرة السياحة المفرطة:
- التسويق المكثف والحملات الإعلانية الكبيرة التي تروج للوجهات السياحية.
- تطور وسائل النقل وسهولة السفر وتوفر رحلات الطيران الرخيصة
- التكنولوجيا ومنصات الحجز عبر الإنترنت التي تجعل التخطيط للسفر أسهل.
- التوجهات الاجتماعية
- الرغبة في مشاركة تجارب السفر على وسائل التواصل الاجتماعي
- الأحداث العالمية
- تنظيم فعاليات كبيرة مثل الألعاب الأولمبية أو المعارض الكبرى
واستعرض بعض الوسائل التي يمكن من خلالها أن تستغل بعض الدول التي لديها إمكانات الجذب السياحي من أجل أن تجذب السائحين من الدول التي تعاني السياحة المفرضة، وتعزز القطاع السياحي وهي:
- تقديم تجارب فريدة.
- تطوير عروض سياحية تبرز الثقافة المحلية والتقاليد
- تحسين البنية التحتية والاستثمار في المرافق السياحية والنقل العام لجعل التجربة أكثر راحة.
- تسويق السياحة المستدامة
- التركيز على السياحة التي تحافظ على البيئة وتدعم المجتمعات المحلية.
- تقديم حوافز تقديم تخفيضات أو عروض خاصة لجذب السياح من البلدان المزدحمة.
- التعاون مع المنظمات السياحية والعمل مع وكالات السياحة لترويج الوجهات الأقل ازدحامًا.
- تنظيم الفعاليات الثقافية وإقامة مهرجانات وفعاليات لجذب الزوار المهتمين بالثقافة
- ضبط الأسعار وجعلها تنافسية مقارنة بالدول الأخرى.
- الاستفادة من التكنولوجيا في تسهيل الحجز والتواصل مع السياح