في مقابلة أجراها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، قبيل أيام، مع مجلة "تايم"، تحدث بشكل مباشر عن بعضٍ من السياسات (المثيرة للجدل) التي يتبناها، وموقفه من عديد من القضايا الراهنة وما ينتوي فعله، حال فوزه في انتخابات نوفمبر وعودته من جديد إلى البيت الأبيض.
بخلاف تصريحاته المثيرة بشأن التعامل مع المهاجرين غير الشرعيين، وكذا حديثه عن أسلوب التعامل (بالقوة) مع الاحتجاجات في الجامعات والشوارع الأميركية أخيراً، وأيضاً موقفه من ملف الإجهاض، فإن تصريحاته بخصوص "أوروبا" قد وجدت صدى واسعاً، وحرّكت المخاوف القائمة.
صحيح أن ترامب لم يقدم جديداً في رؤيته للتعامل مع دول القارة العجوز، إلا أن تأكيداته على تبني نفس النهج السابق جددت المخاوف الأوروبية بشكل واسع، لا سيما وأنه "يعامل حلف الناتو وكأنه نادٍ يدفع الرسوم"، بحسب تعبير تقرير نشرته صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية قبيل أيام، سلط الضوء على ما تثيره عودة ترامب من مخاوف في أوروبا.
من بين أبرز تهديدات ترامب في هذا السياق إشارته إلى أن الدول التي لن تلتزم بتحقيق هدف الإنفاق الدفاعي البالغ 2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لن تحظى بمساعدة الولايات المتحدة . وبحسب التقرير فإنه "لم يكن من المفاجئ أيضاً أن يقوم بتصعيد الحرب التجارية عبر الأطلسي في ولايته الأولى".
ورصد التقرير بعضاً من أوجه التعامل الأوروبي مع احتمالية عودة ترامب:
- أحد تلك الأوجه ما يرتبط بإلقاء الآمال على خسارة ترامب في نوفمبر. بينما سيكون ذلك رهانًا متسرعًا (..) إذ يظهر متوسط استطلاعات الرأي في الأشهر الثلاثة الماضية أن ترامب يتقدم بفارق 1.5 نقطة مئوية.. كما أنه (ترامب) يتقدم، ولو بشكل هامشي، في كل من الولايات السبع المتأرجحة.. ولو أجريت الانتخابات الأميركية اليوم، فسيفوز ترامب.
- الوجه الآخر يتمثل في تبني عديد من قادة الأعمال في الولايات المتحدة، القول إن ترامب لم يكن بهذا السوء في الفترة الرئاسية السابقة التي قضاها بالبيت الأبيض.. وبطبيعة الحال سيكون هناك فائزون وخاسرون ولكن الحياة ستستمر.
مخاوف أوروبية
من لندن يقول خبير اقتصاديات الطاقة، نهاد إسماعيل، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن:
- أوروبا غير متحمسة لعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، والذي تعكس تصريحاته باستخدام القوة العسكرية لإنهاء موجة الاحتجاجات في الجامعات الأميركية ضد الحرب في غزة وملاحقة المهاجرين غير الشرعيين وترحيلهم إلى بلادهم، طبيعة الرجل وتفكيره.
- من الملفات المثيرة للمخاوف بالنسبة لأوروبا، تهديدات ترامب لأعضاء حلف الناتو الأوروبيين بضرورة الالتزام بتخصيص 2 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي لنفقات الحلف الدفاعية، وأن من لن يلتزم سيفقد حماية الحلف العسكرية.
- يُتوقع أن تمر أوروبا بشكل عام ولا سيما ألمانيا وفرنسا بأوقات صعبة حال عودة ترامب إلى البيت الأبيض، خاصة مع تهديداته المتكررة بحرب تجارية تتعلق بالمنتجات الزراعية والسيارات، إذ يرى أن الولايات المتحدة لا تحصل حصة كافية من الأسواق الأوروبية
- البعض في أوروبا يأملون أن يخسر ترامب في انتخابات نوفمبر، ولكن حسب استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة إذا عقدت الانتخابات اليوم فان ترامب سيكون الرابح.
- أوروبا تخشى أن تتحول الولايات المتحدة تحت ولاية ترامب إلى قلعة أميركية حصينة صعب التعامل معها.
ويشير إسماعيل في السياق ذاته إلى أن هناك تبايناً في المواقف الأوروبية تجاه ترامب ووصوله إلى الحكم من جديد، موضحاً أن:
- رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان وكذلك رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، وكذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يرحبوا بنجاح دونالد ترامب وعودته للبيت الأبيض، وهو ما يعكس أن اليمين الأوروبي يرحب بدونالد ترامب.
- الموقف البريطاني يختلف وقد تستفيد بريطانيا من إدارة أميركية بقيادة ترامب (..) مشيرًا إلى ما يدعى "مشروع 2025" في وثيقة مؤسسة هيريتج اليمينية المؤيدة لترامب The Heritage Foundation الذي يؤكد العلاقة المميزة مع بريطانيا ورغبة ترامب في زيادة التبادل التجاري بين الولايات المتحدة وبريطانيا، وحتى أن حزب العمال البريطاني الذي يتوقع الفوز في الانتخابات المقبلة هذا العام بدأ التواصل مع الجمهوريين من أنصار ترامب لتبادل وجهات النظر.
ويقول إسماعيل إن أوروبا لديها مخاوف كبيرة من أن عودة ترامب للرئاسة الأميركية تمثل تضحية بأوكرانيا لإرضاء موسكو، موضحًا أن الأزمة بين أوروبا وترامب تتلخص في:
- تقليص الدعم لأوكرانيا وإضعاف الدعم الغربي لها للانتهاء والتخلص من هذا الملف المزعج.
- وضع عراقيل أمام التبادل التجاري بين أوروبا وأميركا (بما يمثل وجهاً من أوجه الحرب التجارية).
ويختتم حديثه قائلاً: نتائج الانتخابات الأميركية قد يمكن التكهن بها، ولكن لا أحد يستطيع التنبؤ بدقة بما سيحدث خلال ستة أشهر في ظل المحاكمات التي يواجهها ترامب أمام القضاء الأميركي.
كيف تستعد أوروبا؟
وبالعودة لتقرير الصحيفة البريطانية، فإنه يلفت إلى أنه:
- من غير الواضح ما الذي يمكن أن تفعله أوروبا من أجل التحوط ضد ترامب حال عودته.
- سوف ترحب أقلية من الزعماء الأوروبيين به (منهم رئيس المجر فيكتور أوربان)، علاوة على ترحيب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
- وإذا حقق اليمين المتطرف في أوروبا أداء جيدا في الانتخابات البرلمانية الأوروبية الشهر المقبل، كما هو متوقع، فسوف يكون لدى ترامب مجموعة أكبر من المتعاطفين في بروكسل مقارنة بأي وقت مضى. وربما يكون قادرا أيضا على الاعتماد على دعم جيورجيا ميلوني، رئيسة وزراء إيطاليا اليمينية المتشددة، التي تعاونت مع بايدن بشأن أوكرانيا، على نحو فاجأ البعض.
وتلفت الصحيفة إلى أن من بين الأحزاب الرئيسية في أوروبا، هناك استراتيجية أخرى تتلخص في "ترويض النمر"، فقد كان حزب العمال في المملكة المتحدة، والذي سيفوز بشكل شبه مؤكد في الانتخابات العامة المقبلة في بريطانيا، يجس نبض الشخصيات الرئيسية في عالم ترامب.
لكن "لا يمكن لأي من هذه التكتيكات المذكورة (التي تتبعها أوروبا حيال الاستعداد لعودة ترامب) أن تكون مضمونة في نتائجها، ذلك أن "الحقيقة الأكبر هي أن ولاية ترامب الثانية من المرجح أن تعني نهاية الغرب كفكرة تنظيمية على المسرح العالمي". وهذا من شأنه أن يكون إيجابياً بالنسبة لبوتين وسلبياً بالنسبة لأوكرانيا.
ومن الممكن أيضًا أن يفتح صندوق باندورا النووي. وإذا لم يعد حلف شمال الأطلسي قادرا على الاعتماد على المظلة
ملفات شائكة
من بروكسل، استعرض خبير الشؤون الأوروبية، محمد رجائي بركات، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، بعضاً من الملفات الشائكة التي تلف مستقبل العلاقات بين أوروبا وترامب حال عودته إلى البيت الأبيض، على النحو التالي:
على الجانب العسكري:
- ثمة أزمة شائعة بين ترامب والاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي تعتمد فيه دول الاتحاد في هذا الملف على حلف شمال الأطلسي الذي تسهم الولايات المتحدة الأميركية في ميزانيته بنحو 70 بالمئة.
- هناك تخوف لدى دول الاتحاد الأوروبي من نفس السيناريو الذي اتبعه ترامب عندما كان رئيساً، لجهة مطالبته دول الاتحاد الأوروبي بزيادة مساهمتها في نفقات الحلف العسكرية، بحيث تزيد الميزانية العسكرية لكل دولة عضو عن اثنين بالمئة من ناتجها، وإلا فإنه كما قال أخيراً لن يدافع عنها أمام أي هجوم عسكري خارجي عليها.
- من هنا بدأت دول الاتحاد الأوروبي بالتفكير جدياً في توجهها نحو تشكيل قوة عسكرية خارج إطار الحلف، وتم التحدث عن تشكيل قوة تدخل سريع يبلغ عدد أعضائها نحو خمسة آلاف عنصر، وجرت أخيراً الإشارة إلى ضرورة زيادة عدد القوات إلى خمسين ألفاً.
- السؤال المطروح هو: هل هناك إمكانية تشكيل تلك القوات، علماً بأن هذا يتطلب توفير الأموال والإمكانات اللازمة وتوحيد الأنظمة الدفاعية وموافقة كافة الدول الأعضاء سياسياً على هذا التوجه.
- منذ سنوات يتم بحث ذلك ولكن دون تحقيق تقدم ملحوظ، إلا أن الخوف من عودة الرئيس ترامب للحكم مرة أخرى يجعل هذه الدول مضطرة لبذل المزيد من الجهود وزيادة نفقاتها الدفاعية ومحاولة زيادة إنتاجها العسكري وشراء الأسلحة الأوروبية وغيرها من الإجراءات.
ملف دعم أوكرانيا:
يشير بركات إلى أن هناك تخوفاً من تقليص الدعم الأميركي لأوكرانيا في حال عودة ترامب إلى الحكم، إذ أن دول الاتحاد الأوروبي ستجد نفسها وحيدة أمام روسيا، لافتاً إلى أن هذا ما عبر عنه عديد من المسؤولين والخبراء العسكريين الأوروبيين أخيراً لاسيما وأن المخزون الاستراتيجي العسكري لديها انخفض بشكل كبير بسبب دعمها لأوكرانيا.
ثانياً- الجانب الاقتصادي:
- هناك تخوف لدى دول الاتحاد الأوروبي من أن يقوم ترامب بفرض جمارك جديدة على واردات بلاده من دول الاتحاد الأوروبي.
- تبدي أوروبا قلقاً من تكرار وتوسع ما فعله ترامب في السابق عندما فرض جمارك على عديد من المنتجات الأوروبية كالحديد والصلب والألمنيوم وغيرهما، ومنع استيراد عديداً من المنتجات الأوروبية بغرض حماية المنتجات الأميركية تطبيقًا لمبدأ أميركا أولًا.