تتزايد الضغوط داخليا وخارجيا على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لدفعه إلى إجراء انتخابات مبكرة، في حين دخلت العمليات العسكرية التي يشنها الجيش الإسرائيلي على غزة يومها رقم 165، مع تعثر مفاوضات الهدنة حتى الآن.
ورغم مناهضة نتنياهو لتلك الفكرة منذ هجوم السابع من أكتوبر، وفشل جهود الإفراج عن كافة الأسرى المحتجزين لدى حماس، فإن صحيفة "بوليتيكو" الأميركية كشفت أن رئيس الوزراء الإسرائيلي ودائرته المقربة بحثوا بالفعل إمكانية الدعوة إلى انتخابات مبكرة.
وقالت الصحيفة إنه "مع تصاعد الضغوط، يدرس نتنياهو ومساعدوه القريبون الآن ما إذا كانت الانتخابات المبكرة قد تكون أفضل تكتيك بالنسبة له في سعيه لإحكام قبضته على السلطة".
ومع ذلك، يعتقد سياسيون ومراقبون في حديثهم لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن نتنياهو ليس بوسعه الآن الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة، التي حال حدوثها ستكون "ضربة قوية" للائتلاف الحكومي الحالي، بعد تراجع مؤشرات تأييده لدى المجتمع الإسرائيلي منذ هجوم 7 أكتوبر.
خيارات نتنياهو
- وفقا لأحد مساعدي نتنياهو الذي تحدث إلى "بوليتيكو" بشرط عدم الكشف عن هويته، فإنه تم الحديث عن خيار الانتخابات المبكرة لأول مرة في جلسات استراتيجية منتظمة خلال ديسمبر الماضي، حتى قبل دعوة الوزير في حكومة الحرب الحالية رئيس الأركان الأسبق غادي أيزنكوت، إلى إجراء انتخابات قريبة "من أجل استعادة ثقة المواطنين في الحكومة بعد هجمات السابع من أكتوبر".
- تتزامن تلك التقارير مع حديث زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأميركي تشاك شومر، الذي أشار إلى ضرورة إجراء انتخابات جديدة في إسرائيل، معتبرا إياها الطريقة الوحيدة لإفساح المجال أمام عملية اتخاذ قرار سليمة ومفتوحة بشأن مستقبل البلاد، في وقت فقد به الكثير من الإسرائيليين ثقتهم برؤية حكومتهم وإدارتها.
- بعث رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت رسالة إلى شومر، أشاد فيها بخطابه الذي دعا فيه إسرائيل إلى إجراء انتخابات مبكرة، معتبرا أن نتنياهو "لا يستحق المسؤوليات الملقاة على عاتقه".
- سرعان ما انتقد نتنياهو تلك التصريحات، موضحا لشبكة "سي إن إن" الإخبارية الأميركية أن تصريحات شومر غير ملائمة على الإطلاق.
- أشار نتنياهو إلى أن "إجراء الانتخابات من عدمه في إسرائيل قرار للحكومة تقوم به من تلقاء نفسها"، معتبرا أنه "من غير المناسب محاولة استبدال القيادة المنتخبة (...) فإذا أجرينا انتخابات الآن قبل تحقيق النصر في الحرب، سيكون لدينا 6 أشهر على الأقل من الشلل الوطني".
- اعتبرت الصحيفة الأميركية تصريحات زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأميركي مؤشرا آخر على إحباط الديمقراطيين الأميركيين، لأنهم يخشون أن تؤدي الحرب في غزة وما يترتب عليها من ارتفاع في عدد القتلى المدنيين، إلى خسارة الرئيس الأميركي جو بايدن أصوات الناخبين الشباب في نوفمبر المقبل.
- يخشى نتنياهو استمرار الاحتجاجات ضده، في الوقت الذي أشار به نداف شتراوشلر الخبير الاستراتيجي الذي عمل سابقا معه، إلى أنه إذا لم تكن هناك أي إنجازات في غضون أشهر قليلة، فسيبدأ حوالي 300 ألف من جنود الاحتياط في العودة إلى ديارهم، وسيبدأ بعضهم في الاحتجاج والمطالبة بإجراء انتخابات مبكرة.
- في فبراير الماضي، كشف استطلاع رأي أجرته القناة 12 الإسرائيلية، أن 51 بالمئة من الإسرائيليين يؤيدون الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة في إسرائيل، كما أشار إلى أن 43 بالمئة يعتبرون زعيم حزب الوحدة الوطنية عضو حكومة الحرب بيني غانتس الأنسب لرئاسة الحكومة، مقابل 27 بالمئة لنتنياهو.
- سبق أن ذكر ناحوم بارنيا، وهو كاتب عمود في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن أغلبية الإسرائيليين يريدون رحيل نتنياهو، لكن "ليس لدينا آلية يمكنها إقالة الحكومة الحالية، كما أنه لا يعتقد أنه مذنب أو مسؤول عما جرى في السابع من أكتوبر".
مخاوف من "شلل عام"
يرى المحلل السياسي الإسرائيلي شلومو غانور أنه ليس بوسع نتنياهو أن يتخذ قرارا يتعلق بقضية تبكير موعد الانتخابات منفردا، فالقرار منوط بموافقة أقطاب الائتلاف الحكومي، خاصة حزب الليكود، لضمان الأغلبية المطلوبة في الكنيست لتمرير مثل هذا الإجراء.
ومع ذلك، يؤكد غانور لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن استطلاعات الرأي العام لا تبشر خيرا لجميع أحزاب الائتلاف الحكومي، كما أن الإقدام على الإعلان عن انتخابات مبكرة يعني انتهاء الحرب الراهنة من دون تحقيق أهدافها، إضافة إلى إدخال إسرائيل في حالة من "الشلل الاقتصادي والسياسي وإعادة الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي بغض النظر عن تحويل نتنياهو إلى (بطة عرجاء) ونهاية مسيرته السياسية".
وأكد غانور أن نتنياهو لن يقدم على مثل هذه الخطوة لأنه "يرفض الانتحار سياسيا"، وفق قوله.
وحتى حال إقدام على هذه "الخطوة الصعبة"، فهناك قائمة طويلة من المنافسين لخلافته برئاسة الحكومة، بحسب المحلل السياسي الإسرائيلي الذي أضاف: "هناك قائمة منافسين طويلة من وجوه معروفة، وتلك التي تتحضر للظهور عندما يتضح أن هناك انتخابات بالفعل وليس حديث عنها".
3 أسباب للرفض
وحدد المحلل المختص بالشأن الإسرائيلي غسان محمد لموقع "سكاي نيوز عربية"، 3 أسباب مباشرة تقف وراء رفض نتنياهو الاستجابة للضغوط الداخلية والخارجية بشأن تغيير حكومته، أو الدعوة لانتخابات مبكرة، قائلا إن:
- استطلاعات الرأي في إسرائيل تشير إلى تراجع شعبية نتنياهو مقابل خصمه غانتس.
- سيظهر نتنياهو وكأنه رضخ للضغوط الأميركية على ضوء تصريحات شومر، الذي دعا إلى إجراء انتخابات مبكرة في إسرائيل، واصفا نتنياهو بأنه عقبة في طريق السلام.
- نتنياهو يعرف مسبقا أن نتائج الانتخابات في الظروف الحالية لن تكون في صالحه ولا في صالح حزبه الليكود، وبالتالي ستكون بمثابة "خطوة انتحارية" ستكلفه ثمنا سياسيا باهظا في ظل فشل الحرب على غزة، من دون تحقيق نتائج مباشرة.
واعتبر غسان أن الانتخابات المبكرة مطلب خصوم نتنياهو وكذلك الإدارة الأميركية، وتهدف بالأساس إلى إسقاط الحكومة اليمينية التي باتت تشكل عبئا على واشنطن، مضيفا أن "نتنياهو الذي قرر على ما يبدو التصعيد مع بايدن لا يمكن أن يختار الانتخابات لأنها ستكون هدية مجانية لخصومه في إسرائيل وهو لن يعطي خصومه مثل هذه الهدية".
وأضاف: "الحديث عن انتخابات مبكرة في إسرائيل غير مطروح في المدى المنظور، حيث يسعى نتنياهو بكل قوة للحفاظ على ائتلافه الحكومي وتحالف مع اليمين رغم الانتقادات الأميركية، كما سيحاول كسب الوقت ومواصلة الحرب في غزة على أمل أن يحقق إنجازا عسكريا يكون كفيلا بضمان مستقبله السياسي".
رفض تحمل المسؤولية
واتفق مع هذا الطرح أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية بالقدس عضو اللجنة المركزية لحزب العمل الإسرائيلي مئير مصري، الذي لا يتوقع أن يلجأ نتنياهو لخطوة إجراء انتخابات مبكرة، مضيفا أنه "يرفض حتى الآن تحمل أي مسؤولية عن الفشل الأمني الذريع في السابع من أكتوبر، وهو مسؤول مسؤولية أدبية عن كل ما وقع كونه على رأس الحكومة، وكذلك مسؤولية سياسية لأنه صاحب نظرية ترويض حماس التي أتت بالويلات على إسرائيل"، وفق تعبيره.
وأوضح مصري في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن نتنياهو ليس مضطرا لإجراء انتخابات مبكرة طالما لم يتخل عنه حلفاؤه في اليمين، فسوف يتبقى له 64 مقعدا في الكنيست لو انسحبت قوى الوسط المشاركة في الحكومة، وهذا يكفي للاستمرار في الحكم.
وأشار إلى أن نتنياهو "لن ينجح في الاحتفاظ بمقعده حال إجراء انتخابات مبكرة، إذ فقد الكثير من شعبيته بعد السابع من أكتوبر، وحتى قبل ذلك على خلفية مشروع التعديلات القضائية سيء السمعة الذي تسبب في إحداث شرخ داخل المجتمع الإسرائيلي".
وأكد مصري أنه بحسب جميع استطلاعات الرأي، يعد غانتس المنافس الأول لرئيس الوزراء، وصاحب الحظ الأوفر في الفوز في حال أجريت انتخابات عامة الآن.