في خضم الجدل المستمر حول حجم الحكومة الفيدرالية وكفاءة الإنفاق العام، برزت "لجنة كفاءة الحكومة" في الولايات المتحدة كإحدى المبادرات المثيرة للجدل التي تهدف إلى إعادة النظر في هيكل البيروقراطية الأميركية.
أطلق هذه اللجنة الرئيس المنتخب دونالد ترامب، ويتولى قيادتها إيلون ماسك، رجل الأعمال المثير للجدل، والمرشح الرئاسي السابق فيفيك راماسوامي.
تسعى اللجنة إلى خفض النفقات الفيدرالية من خلال تقليص عدد الموظفين وإعادة هيكلة الوكالات الحكومية، في خطوة قد تعيد تشكيل العلاقة بين الحكومة والمواطنين الأميركيين.
ورغم أن هذه الخطوة تهدف إلى تعزيز الكفاءة، إلا أنها تثير مخاوف بشأن فقدان آلاف الموظفين لوظائفهم وتأثير ذلك على أداء الوكالات الحيوية.
تغييرات جذرية
وبحسب تقرير لـ "بيزنس إنسايدر"، فقد تؤدي لجنة كفاءة الحكومة بقيادة إيلون ماسك إلى تغييرات جذرية قد تشمل فقدان بعض العاملين الفيدراليين لوظائفهم.
ومع تولي ماسك والمرشح الرئاسي السابق للحزب الجمهوري، فيفيك راماسوامي، مهام تحديد أولويات اللجنة التي أنشأها الرئيس السابق دونالد ترامب، يبدو أن إحدى الأولويات الرئيسية هي تقليص حجم الوكالات الحكومية.
في تصريحات أخيرة لشبكة فوكس نيوز، قال راماسوامي: "نتوقع أن يتم حذف بعض الوكالات بشكل مباشر". هذه التصريحات تسلط الضوء على خطط اللجنة التي من المتوقع أن تشمل تغييرات جوهرية في الهيكل الإداري الفيدرالي.
توظف الحكومة الفيدرالية أكثر من مليوني أميركي، ما يجعلها أكبر جهة تشغيل في الولايات المتحدة.
ونقل الموقع عن المتحدثة باسم عملية انتقال ترامب-فانس، كارولين ليفات، قوله:"الشعب الأميركي أعاد انتخاب الرئيس ترامب بأغلبية ساحقة، ما يمنحه تفويضاً لتنفيذ وعوده الانتخابية. هذه الوعود ستُنفذ".
ووفقًا لمكتب إدارة الموظفين الأميركي، فإن ثماني وكالات حكومية رئيسية، تابعة مباشرة للرئيس، توظف أكثر من 100 ألف موظف مدني. على سبيل المثال:
- تضم إدارة شؤون المحاربين القدامى نحو نصف مليون موظف.
- إدارة التعليم يعمل بها ما يزيد قليلًا على 4,000 موظف.
- وزارة الخزانة تضم أكثر من 100 ألف موظف، منهم حوالي 94 ألفًا يعملون في مصلحة الضرائب.
المتوسط السنوي للرواتب في معظم هذه الإدارات يتجاوز حاجز الستة أرقام، مع تسجيل أعلى المعدلات في وزارتي التعليم والطاقة.
وكان راماسوامي، قد قال في مقابلة مع فوكس نيوز: "نتوقع تخفيضات كبيرة في المناطق المتضخمة داخل الحكومة الفيدرالية."
ورغم أن ترامب وماسك وراماسوامي لم يحددا بعد الإدارات التي ستواجه التخفيضات، فإن تصريحات سابقة لترامب استهدفت وزارة التعليم. ففي عام 2023، قال: "من أول القرارات التي سأتخذها هو إغلاق وزارة التعليم في واشنطن العاصمة، وتحويل كافة الشؤون التعليمية إلى الولايات."
كما أكد ماسك في أكتوبر الماضي أن هدف اللجنة ليس الإضرار بالعاملين، بل تقليص عددهم مع توفير مكافآت نهاية خدمة سخية تصل إلى أجر عامين. وقال: "لسنا هنا لنكون قساة، بل لنقلص عدد الموظفين الحكوميين إلى مستويات أكثر منطقية، مع منحهم فرصة لإعادة توظيفهم في أماكن أخرى".
التحديات القانونية والسياسية
وفي حين تسعى اللجنة لتحديد مجالات الإنفاق المستهدفة، فإنها ليست جهة حكومية رسمية. وتستمد شرعيتها من سوابق لجان شبيهة مثل "لجنة جريس" خلال عهد الرئيس رونالد ريغان، التي قدمت توصيات للرئيس والكونغرس بشأن خفض الإنفاق.
ومع ذلك، فإن إجراء تغييرات كبيرة على الهيكل الفيدرالي يتطلب موافقة الكونغرس، ما يعقد التنفيذ.
بلغت النفقات الفيدرالية في السنة المالية 2024 حوالي 6.75 تريليون دولار، مع استحواذ برامج الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية على الحصة الأكبر.
وعلى الرغم من أن اللجنة قد تستهدف هذه القطاعات، فإن تعديلها يتطلب تشريعات إضافية.
ولا تزال أهداف لجنة كفاءة الحكومة موضع نقاش.
وبينما يسعى ماسك وراماسوامي لتحقيق خفض ملموس في الإنفاق، يبقى من غير الواضح ما إذا كانت هذه الخطط ستحظى بموافقة الكونغرس أو تحقق التأثير المرجو.
ومن ثم يبدو أن الطريق إلى تقليص حجم الحكومة الفيدرالية مليء بالعقبات القانونية والسياسية، مع تأثيرات كبيرة محتملة على ملايين العاملين وعائلاتهم.
فرص وتحديات
يقول استشاري العلوم الإدارية وتكنولوجيا المعلومات في G&K، عاصم جلال، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" بشأن تعيين إيلون ماسك رئيساً للجنة الكفاءة الحكومية الاستشارية في الولايات المتحدة الأميركية:
- اللجنة الاستشارية للكفاءة الحكومية التي سيقودها إيلون ماسك دورها استشاري فقط، حيث تقدم المشورة وتراجع الأداء الحكومي، وتقترح قرارات، لكنها لا تمتلك سلطة تنفيذية مباشرة تُلزم الرئيس أو الكونغرس.
- السلطة الفعلية في الإنفاق الفيدرالي واتخاذ القرارات النهائية تبقى بيد الكونغرس.
- القرارات التي قد تُوصي بها اللجنة تحتاج إلى موافقة سياسية وتشريعية لتنفيذها، مما يعني أن نجاح إيلون ماسك في تمرير مقترحات اللجنة سيكون مرتبطاً بمدى توافقها مع أجندة الكونغرس.
- هناك أيضاً مخاطر تتعلق بتضارب المصالح، إذ قد يواجه ماسك انتقادات إذا ما ظهرت أي تشريعات تخدم مصالحه الشخصية أو التجارية، ما قد يثير جدلاً سياسياً واسعاً.
ويتطرق إلى بعض الخطوات التي قد تنفذها اللجنة لتحسين الكفاءة الحكومية، مشيراً إلى أن أهم أولوياتها ستكون:
- مع استمرار ارتفاع مستويات الإنفاق والاقتراض الفيدرالي، فإن تقليل النفقات الحكومية أصبح أمراً حاسماً، خاصة أن الولايات المتحدة تواجه أحياناً أزمة موافقة على الميزانية من الكونغرس، ما يؤدي إلى فترات شلل حكومي.
- يمكن لماسك أن يبدأ بإعادة هيكلة الوكالات الفيدرالية، وتسريع عمليات اتخاذ القرار، وتبني نموذج إداري جديد يركز على الأداء والنتائج. كما يمكن أن يعمل على تحسين الشفافية والرقابة لكشف مصادر الهدر سواء بسبب ضعف الكفاءة أو غياب الرقابة.
- قد يستفيد ماسك من تقنيات حديثة مثل الذكاء الاصطناعي لتحسين أداء الموظفين وتعزيز الكفاءة التشغيلية، إضافة إلى تطبيق نماذج عمل مبتكرة مستوحاة من القطاع الخاص.
- التركيز على إعادة تدريب الموظفين الحكوميين، وضع معايير أدائية صارمة، وتطبيق أنظمة رقابة دورية لضمان الأداء الأمثل.
ويختتم جلال تصريحه بالقول: إذا نجح ماسك في تنفيذ هذه التحسينات، فقد يكون ذلك إنجازاً تاريخياً في الإدارة الرئاسية الأمريكية الحديثة، لكنه سيكون بلا شك خاضعاً للمتابعة والتقييم السياسي من كافة الأطراف.
أولويات اللجنة
المستشار الأكاديمي بجامعة سان خوسيه الحكومية في كاليفورنيا، الدكتور أحمد بانافع، يقول لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- إيلون ماسك شخصية بارزة في مجال التكنولوجيا والابتكار، مما يؤهله للعب دور مؤثر في الإدارة الأميركية، خصوصاً من خلال لجنة كفاءة الحكومة.
- إن رؤيته المستقبلية وخبراته المتنوعة تمنحه القدرة على تقديم إسهامات جوهرية لتحسين أداء الحكومة وتطوير خدماتها، لكن هذه الإسهامات تتطلب تكييفًا دقيقًا مع طبيعة العمل الحكومي وتحدياته.
ويضيف: الدور الذي يمكن أن يلعبه ماسك يشمل عدة محاور رئيسية:
- مساعدة الحكومة في اعتماد تقنيات متقدمة، كالذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة، لتحسين كفاءة الخدمات العامة.
- بفضل رؤيته الطموحة، يمكنه تحفيز الابتكار في وضع السياسات الحكومية وتطويرها.
- تطبيق منهجية الشركات الناشئة: من خلال نشر ثقافة العمل السريع والمرن، قد يجعل الحكومة أكثر تجاوباً مع التغيرات والتحديات.
- ريادته في مجالات الطاقة النظيفة والنقل الكهربائي يمكن أن تساهم في وضع سياسات فعالة لمواجهة التغير المناخي.
وعن مدى قابلية سياساته للتطبيق على مستوى الحكومة، أشار بانافع إلى وجود جوانب إيجابية وأخرى تحديات محتملة؛ أما الإيجابية فتتمثل فيما يلي:
- تركيز ماسك على تحسين الأداء وتقليل النفقات قد يساعد الحكومة على إدارة مواردها بفعالية أكبر.
- اعتماد الذكاء الاصطناعي والأتمتة قد يحدث نقلة نوعية في طريقة تقديم الخدمات الحكومية.
- التفكير الاستراتيجي الذي يتبناه ماسك قد يساعد الحكومة في التخطيط المستدام لمستقبل أفضل.
بينما من بين أبرز التحديات المحتملة:
- بينما تهدف الشركات للربح، تركز الحكومات على خدمة المواطنين، مما قد يجعل بعض سياسات ماسك غير ملائمة.
- التغيير الجذري الذي يتبناه ماسك قد يواجه عقبات داخل المؤسسات الحكومية.
- أسلوب ماسك في العمل المكثف قد لا يتناسب مع بيئة العمل الحكومي.
ويشدد بانافع على أن "إسهامات ماسك يمكن أن تكون قيمة إذا تم دمجها بعناية مع منظومة العمل الحكومي، مع مراعاة طبيعة احتياجات المواطنين وتحديات القطاع العام".