تعرض حزب الله في ثلاثاء "البيجر" ما لم يتعرض له في أيّ من أيام "حرب المشاغلة" التي بدأها مع إسرائيل قبل عامٍ إلا قليل.
وقد طال الهجوم كل ركنٍ في لبنان فيه عنصر من حزب الله يحمل واحدًا من أجهزة البيجر التي انفجرت، وهذه حسبةٌ كبيرة، تقاس بالآلاف.
والحال أن موقعة البيجر هذه، تنتمي من حيث النوع إلى طراز فريد من العمليات الاستخبارية الإسرائيلية بالغة التعقيد، على غرار عملية اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة في نوفمبر من العام 2020، أو عملية زرع فيروس ستكوكس نت الذي دمر أجهزة الطرد المركزي في منشأة نطنز واكتشفته طهران عام 2010.
لذلك لن تجد ثمة شخص واحدٌ يتساءل عمن يقف خلف الهجوم؛ فأصابع الاتهام كلّها صوبت نحو إسرائيل، وتلك الأخيرة، لم تكلف نفسها عناء النفي.
مصادر خاصة ذكرت لسكاي نيوز عربية أن الموساد الإسرائيلي تمكّن من اعتراض شحنة أجهزة البايجر التي وصلت مؤخرًا إلى حزب الله في لبنان ومن ثم زرع فيها كميات صغيرة من مادة PETN شديدة الانفجار على البطارية قبل أن يعيدها إلى مسارها نحو حزب الله، أما التفجير، فتمّ عبر تسخين البطارية. القناة الرابعة عشرة الإسرائيلية قالت إن الشركة المصدرة هي شركة تيليريم الإيرانية.
أرادت إسرائيل من خلال هذا الهجوم إيصال حزمة من الرسائل إلى حزب الله، أولها يتعلق بالتفوق النوعي على أكثر من مستوى.
بداية بالشق التقني، قالت تل أبيب لحزب الله أنها تتفوق عليه تكنولوجيًا أكثر مما يعتقد، وقد فجرت آلاف من أجهزة البيجر التي كان يحملها عناصره وهم في غفلة من أمرهم.
وأيضًا كان هناك رسالة أخرى تتعلق بالمقدرة والإرادة؛ بينت إسرائيل لحزب الله أنها تستطيع أن تعرف أن ثمة شحنة ما من أجهزة ما قادمة إليه، ثم إنها تستطيع اعتراض الشحنة المكونة من آلاف الأجهزة، وتستطيع تفخيخها بمواد متفجرة، وتستطيع إعادتها إلى مسارها الأولي لتكمل طريقها إلى الحزب، ثم تستطيع تفجيرها عن بعد، ثم أخيرًا نفّذت كل ذلك.
ومن رسائل إسرائيل إلى حزب الله في هجوم البيجر، أنها غير ملتزمة بأي قواعد اشتباك لطالما تحدث عنها الحزب والمقربون منه، ويكفي أنها نفذت هجومًا بهذا الحجم من حيث عدد العناصر الذين استهدفتهم، فضلًا عن تجاهلها لاحتمالية مقتل قيادات رفيعة في الحزب بالهجوم ممن يحملون أجهزة البايجر، وقد أصيب السفير الإيراني في بيروت، وقس على ذلك.
ومن الرسائل غير المسبوقة،"مشهدية الهجوم نفسه"، آلاف التفجيرات على امتداد لبنان وفي وضح النهار، كانت عقارب الساعة تدور ما بين الرابعة والخامسة عصرًا بتوقيت بيروت، ومع الأخذ بالحسبان أن أجهزة البايجر لا يحملها عناصر الحزب إلاّ وهم بعيدين على الجبهات، فقد كان أغلبهم بين أهله، وأقاربه، أو في المتاجر، وفي شوارع المدن اللبنانية من الجنوب حتى البقاع، مرورًا بضاحية بيروت الجنوبية.
فكان المشهد في مجمله رسالة إلى اللبنانيين كلهم، بما تستطيع إسرائيل فعله لو توسعت الحرب من منضبطة إلى مفتوحة.