حدد مراقبون وفاعلون في هيئات ومجموعات سياسية ومدنية رافضة للحرب 5 مطالب من المفاوضات التي دعت لها الولايات المتحدة طرفي القتال في السودان - الجيش والدعم السريع - في جنيف السويسرية في منتصف أغسطس.
ولخصوا تلك المطالب في إلزام الطرفين بوقف فوري لإطلاق النار، وفتح المسارات الإنسانية، وحماية المدنيين، وإيجاد آلية دولية وإقليمية فاعلة لتنفيذ تلك الالتزامات تمهيدا للحل الشامل، والدخول في ترتيبات سياسية.
جوانب اساسية
يؤكد الدكتور الهادي إدريس عضو مجلس السيادة السابق ورئيس الجبهة الثورية السودانية أن هنالك جوانب أساسية يجب ان تركز عليها مفاوضات جنيف، رابطا ذلك بضرورة وجود آلية رقابة دولية وإقليمية فاعلة.
وقال إدريس لموقع سكاي نيوز عربية "يجب أن تركز المفاوضات المقترحة على الضغط على طرفي الصراع لوقف الحرب، وفتح المسارات الإنسانية وإلزامهما بعدم عرقلة المساعدات الإنسانية مع ضرورة الفصل بين المسارين الإنساني والسياسي والأمني".
كما أشار إلى أهمية الضغط على الطرفين لوقف الاعتداءات على المدنيين وحمايتهم، والشروع في إرسال بعثة لحماية المدنيين مدعومة من الأمم المتحدة و الاتحاد الأفريقي.
وشدد إدريس على أن معالجة الوضع الإنساني المتردي يجب أن تكون في قمة الأولويات، وأوضح "منذ اندلاع الحرب المدمرة تتفاقم يومياً معاناة السودانيين لتشكل أكبر كارثة يشهدها العالم اليوم، فأكثر من نصف السكان اضطروا لمغادرة منازلهم بسبب انتهاكات طرفي الصراع (...) لكن النزوح واللجوء لم يخفف معاناة السودانيين، فالفاشر على سبيل المثال التي نزح فى أقل من أسبوع نصف سكانها إلى المحليات القريبة، لكن أولئك النازحين يعيشون الآن في العراء بلا مأوى أو غذاء أو دواء و مع دخول موسم الأمطار تزداد أوضاعهم الإنسانية سوءاً (...) اما الذين عبروا الحدود و أصبحوا لاجئين خاصةً في دول الجوار فإنهم يعيشون أوضاع إنسانية مأساوية".
ومن جانبه، يرى بكري الجاك المتحدث الرسمي لتنسيقية القوى المدنية "تقدم" أن الوقف الفوري الغير مشروط لإطلاق النار هو الأساس الذي يجب أن تنطلق منه مفاوضات جنيف، ويقول لموقع سكاي نيوز عربية "يجب التوصل لاتفاق غير مشروط لإطلاق النار وفتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية والانخراط في تشكيل لجنة مشتركة لضمان نجاح الموسم الزراعي لتفادي المجاعة الأسوأ، والكف عن القيام باي أعمال عدائية وابداء حسن النوايا لإنهاء الحرب وإطلاق عملية سياسية لإعادة بناء الدولة المدنية".
أما بالنسبة للناشط السياسي هشام عباس، فإن الأولوية الأولى يجب أن تعطى لوقف القتال بشكل الزامي، ويقول لموقع سكاي نيوز عربية "لا بد من وقف القتال أولا حتى إذا اقتضى الأمر نشر مراقبين دوليين للفصل بين القوات، وإخلاء المدن من أي ظواهر عسكرية، ثم التوجه للعملية السياسية".
ويرى عباس أن المعضلة ستكون في تباين المواقف والضغوط التي يمكن أن يمارسها الداعين لاستمرار الحرب. وفي حين يتوقع عباس أن تكون هنالك انقسامات كبيرة في معسكر الداعمين للجيش، إلا أنه يحذر من أن أي رفض أو تلكؤ في قبول الدعوة سيجعل الطرف الرافض في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي.
ويشير هشام عباس إلى أن مصلحة البلاد والجيش نفسه تتطلب التحرر من قبضة المجموعات الرافضة لإيقاف الحرب خصوصا في ظل الأوضاع الميدانية الحالية.
جدل الدور الدولي
رغم التفاؤل المتزايد بإمكانية نجاح الجهود الأميركية في سويسرا، إلا أن هناك مخاوف من أن تجد أي مخرجات قد تتوصل اليها مفاوضات جنيف ذات المصير الذي واجهته الجهود الدولية والاقليمية التي سعت منذ بداية الحرب لإيجاد حل سلمي للأزمة.
ومنذ اندلاع الحرب، طرحت أطراف دولية واقليمية 9 مبادرات لحل الأزمة لكن جميعها لم تنجح حتى الآن. وفي حين طرحت تلك المبادرات حلولا وخطوات عديدة لوقف الحرب وتوصلت إلى مقررات شملت عقد لقاءات مباشرة بين قائدي الجيش والدعم السريع، إلا ان تلك المقررات لم يتم تنفيذها.
وينتقد هشام أبو ريدة الخبير القانوني والقيادي في الجبهة الوطنية، المجتمع الدولي لعدم وفاءه بالتزاماته، منوها إلى أن جميع المطلوبات السابقة منصوص عليها في القانون الدولي.
ويقول أبو ريدة لموقع سكاي نيوز عربية "الأطراف الدولية غير جادة في الضغط على أطراف القتال من أجل تحقيقها، حيث تنص مواثيق الأمم المتحدة وبنود القانون الدولي بشكل واضح على آليات وقف الحرب وتوصيل المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين".
ويضيف "الحل يبقى فقط في حوار سوداني سوداني جاد يعمل على إيقاف الحرب، وإفشال كل المحاولات التي تعمل على إبقاء نظام حكم جماعة الإخوان في السودان".
لكن مراقبون وفاعلون سياسيون يرون أن الدور الدولي يكتسب أهمية كبيرة في حل الأزمة، يعزون فشل الجهود السابقة إلى تعدد المنابر وعدم رغبة بعض الأطراف في الوصول إلى سلام، إضافة إلى الضغط الذي تمارسه مجموعة الإخوان الرافضة لوقف الحرب.
ووفقا للسفير الصادق المقلي، فإن من شأن الضغوط الدولية أن تساهم في وقف الحرب خاصة بعد الاهتمام المتزايد وغير المسبوق في الفترة الأخيرة على الملف السوداني الحرب والمحاولات الجادة لطي الأزمة المتفاقمة انسانياً.
ويشرح المقلي موقفه بالقول "كان الدور الأميركي طيلة الفترة الماضية خجولا وعديم التأثير، و لم تتجاوز سياسة عصاه عقوبات شخصية طالت طرفي الصراع، لكن الوضع تغير نسبيا وليس من المستبعد أن هذه المبادرة الجديدة تهدف إلى تحسين صورة واشنطن، والسعي لإحراز نجاح في الملف السوداني لدعم الحملة الانتخابية التي بدأ زخمها خاصة بعد تخلي بايدن عن الترشيح و مساندته لترشيح نائبته كامالا هاريس، كما تزايد الاهتمام الدولي والإقليمي بالحرب حيث بدأت كل مؤسسات ووكالات الأمم المتحدة في التحرك بفاعلية أكبر".
واعتبر المقلي أن المبادرة الأميركية الجديدة ربما تمثل الفرصة الأخيرة للحيلولة دون انهيار الدولة.
وفي ذات السياق، يؤكد شهاب الطيب القيادي في التحالف الوطني وجود إجماع إقليمي ودولي لإيقاف الحرب مدفوعا بالتشابكات التي بدأت تظهر في الدول المجاورة للسودان والتي تعيش أوضاع هشة. لكن الطيب يشدد على أن نجاح المفاوضات يتطلب استقلالية قرار الجيش والتحرر من ضغوطات تنظيم الإخوان السالبة، وزيادة الضغوط على أطراف الحرب من أجل الوصول إلى تفاهمات لإيقافها، على حد قوله.
محفزات ومخاوف
- أظهرت الأسابيع الماضية تزايدا كبيرا في التوجهات الداعية لإيقاف الحرب ودفع التدهور المتسارع في الأوضاع الانسانية واتساع رقعة الجوع لتشمل أكثر من 25 مليون من سكان البلاد، وارتفاع أعداد الضحايا والنازحين إلى أكثر من 100 الف قتيل و12 مليون نازح ولاجئ، الدوائر الغربية لتكثيف الاهتمام بالشأن السوداني بعد فترة تجاهل استمرت لشهور طويلة بسبب الظروف الاقليمية والدولية المحيطة.
- يشير مراقبون إلى ثلاث مخاوف قد تعيق أي تقدم في مفاوضات جنيف وتتمثل في محاولات تنظيم الإخوان الرامية لإفشال أي حل سلمي والانقسامات الداخلية، إضافة إلى غياب آليات الضغط والتي أدت إلى عدم تنفيذ مقررات المبادرات التسع الماضية التي تم اطلاقها منذ اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل 2023.