ألقى وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف باللوم على العقوبات الأميركية في حادث تحطم طائرة الرئيس الإيراني الراحل، إبراهيم رئيسي، واعتبر أن "هذه الجرائم ستُدرج في قائمة جرائم أميركا ضد الشعب الإيراني"، على حد وصفه.
حادثة تحطم مروحية الرئيس الإيراني، الأحد الماضي، تعيد إلى الواجهة الملف المرتبط بتقادم الأسطول الجوي لإيران، بسبب تأثير العقوبات، لا سيما وأنها ليست المرّة الأولى التي تشهد فيها طهران خلال السنوات الماضية حوادث من ذلك القبيل.
في هذا السياق، ذكر تقرير لصحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، أنه:
- لم يكن من الممكن أن تكون الظروف أكثر صعوبة عندما شرعت المروحية التي يبلغ عمرها عقوداً من الزمن، والتي قطعت آلاف الساعات من الطيران، في رحلة فوق تضاريس صعبة ووسط ضباب كثيف.
- ليس من الواضح سبب تحطم المروحية أميركية الصنع من طراز بيل 212 والتي كانت تقل الرئيس الإيراني ووزير خارجيته على سفح جبل بالقرب من الحدود الأذربيجانية يوم الأحد الماضي.
- لكن محللين ومسؤولين سابقين قالوا إن العطل من المرجح أن يكون بسبب "مشاكل فنية"؛ نظرا لأن جزءاً كبيراً من الأسطول الجوي الإيراني في حاجة ماسة إلى قطع الغيار التي لم تتمكن طهران من شرائها "بسبب العقوبات الأميركية والغربية الأخرى".
وبالتالي فإن الأسطول الجوي الإيراني "قديم ولا ينبغي أن يكون قادراً على الاستمرار في الطيران"، بحسب ما نقلته الصحيفة عن مؤسس معهد الدراسات الإيرانية في جامعة سانت أندروز، علي أنصاري.
وفيما لم تقدم طهران بعد تفسيراً رسمياً لحادث التحطم، أشار المسؤولون الإسرائيليون إلى أنهم غير متورطين، في حين قال زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأميركي، تشاك شومر، إن وكالات المخابرات الأميركية أبلغته بأنه لا يوجد دليل على وجود جريمة (أي أن الحادث ليس ناجماً عن استهداف للمروحية).
وبدلا من ذلك، فإن السبب الأرجح هو الأسطول القديم، لا سيما وأن تم إحباط جهود طهران الرامية إلى تجديد أسطولها أو الوصول إلى قطع الغيار وعقود الصيانة، وذلك بسبب العقوبات الغربية المفروضة على المؤسسات الإيرانية وقيود التصدير على هذه السلع في قطاع الفضاء لسنوات.
- تشمل الطائرات المدنية الإيرانية مجموعة من طائرات إيرباص A300 التي توقف إنتاجها منذ أكثر من عقد من الزمن.
- يبلغ متوسط عمر الطائرات النشطة في أسطول الركاب 28 عاماً تقريباً، أي أكثر من ضعف المتوسط العالمي، وفقاً لمجموعة بيانات الطيران سيريوم.
- لا تزال الخطوط الجوية الإيرانية، الناقل الوطني، تستخدم طائرة من طراز A300 يبلغ عمرها حوالي 40 عاماً.
وبحسب رئيس الأعمال الاستشارية لشركة Cirium Ascend ، روب موريس، فإن "الطائرات الأقدم عادة ما تكون أقل موثوقية، وهذا ينعكس في متوسط الاستخدام، الذي يبلغ متوسطه 4.8 ساعة يومياً، أي حوالي نصف المتوسط العالمي".
- كان قد تم رفع بعض العقوبات الغربية بعد أن وافقت إيران على الاتفاق النووي في العام 2015 مع القوى العالمية، وأبرمت طهران صفقات مع بوينغ وإيرباص بقيمة تزيد عن 40 مليار دولار لتجديد أسطولها.
- لكن هذا الانفتاح توقف فجأة في العام 2018 بعد أن تخلى الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب من جانب واحد عن الاتفاق النووي وفرض مئات العقوبات المعوقة الأخرى.
تقادم الطائرات
وأفاد تقرير الصحيفة بأن قسماً كبيراً من القوات الجوية الإيرانية أقدم من أسطولها المدني، ويجمع بين طائرات أميركية عمرها عقود وأكثر، تم شراء الكثير منها في السبعينيات، وطائرات سوفيتية الصنع وعدد قليل من طائرات ميراج F1 الفرنسية الصالحة للطيران.
ويعتقد مسؤولو المخابرات الغربية بأن روسيا قامت هذا العام بعرض اتفاقيات سرية لتزويد إيران بطائرات مقاتلة متطورة من طراز Su-35. لكن لا يوجد دليل على إتمام أي صفقات.
ووفقاً للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، تكافح القوات الإيرانية مع "معدات عفا عليها الزمن على نحو متزايد". وقال محللون إنه من المرجح أن يكون ذلك عاملاً رئيسياً في تحطم المروحية الحكومية وسط أحوال جوية سيئة، مما أسفر عن مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان وستة آخرين من الركاب وأفراد الطاقم.
المروحية المُحطمة
- تشتهر المروحية المحطمة بكونها طائرة موثوقة.. وكان قد تم تطويرها لأول مرة في الستينيات، واستخدمت في حرب فيتنام، وظلت داعماً قوياً للعمليات الجوية العالمية منذ ذلك الحين.
- واليوم يتم نشرها من قبل منظمات متنوعة مثل القوات الجوية النمساوية، وخفر السواحل الياباني، وقوات الشرطة التايلاندية، وإدارات الإطفاء الأميركية.
- أستاذ هندسة الطيران والفضاء بجامعة ميشيغان، كارلوس سيسنيك، أفاد بأن "طائرات الهليكوبتر Bell 212 و412 تستخدم على نطاق واسع وتتمتع بسجل جيد للغاية في مجال السلامة.. ولكن في أي حادث، يجب أن تؤخذ ظروف التشغيل في الاعتبار، مع وضع الطقس والصيانة في أعلى القائمة".
وتمتلك إيران 62 طائرة هليكوبتر من طراز Bell قيد التشغيل النشط، بما في ذلك 13 طائرة من طراز Bell 212، وفقًا لشركة Cirium .
تهالك الطائرات الإيرانية
مدير المركز العربي للبحوث والدراسات والخبير في الشأن الإيراني والعلاقات الدولية، هاني سليمان، قال في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الحادث الأخير يعيد فتح الملف الأكثر واقعية الآن، والمرتبط بطبيعة وحالة الطائرات الإيرانية، وأسطول طهران الجوي.
أضاف: "مع تزايد سنوات العقوبات الأميركية والغربية على إيران أوجد ذلك نوعاً من حالة التهالك والتردي بالنسبة للطائرات المتقادمة ومع عدم توافر قطع غيار أو صيانة دورية للتأكد من سلامتها بشكل دقيق".
وأشار إلى أن ذلك الأمر أوجد نوعاً من علامات الاستفهام حول حالة الطيران المدني الإيراني والهليكوبتر، خاصة وأنه خلال العقود السابقة وقعت عديد من حوادث الطائرات بشكل مكثف في وقت قصير وسط غموض كبير يوحي بعلامات استفهام كثيرة، ويعكس طبيعة الأزمة التي يعاني منها قطاع الطيران الإيراني.
وأضاف سليمان: "هذا الأمر يعكس حادثة الرئيس الايراني، وهل هي متعلقة بمشاكل تقنية وفنية في التحليق والإقلاع في ظل الظروف الجوية الصعبة، أم مشاكل خاصة بالطائرة ذاتها ونظام الإشارات والتفاصيل الدقيقة".
وبالعودة لتقرير الصحيفة البريطانية، فقد نقل عن شريك العقوبات المالية والتجارية في شركة المحاماة HFW، دانييل مارتن، قوله إن قطع الغيار للأنظمة التقنية الموجودة على متن مروحية بيل تخضع بالتأكيد لضوابط التصدير الأميركية والبريطانية والأوروبية.
وعلى الرغم من بعض الاستثناءات في العقوبات الأميركية، بما في ذلك القدرة على التقدم بطلب للحصول على تراخيص تصدير لسلامة الطيران المدني، قال مارتن إنه ليس من الواضح عدد الشركات التي تقدمت بطلب لتصدير مثل هذه الأجزاء.
وأضاف:"استهدفت الولايات المتحدة شركات الطيران والمعدات.. ولا أعتقد بأنه يمكن القول إن الولايات المتحدة كانت تستهدف الرحلات الجوية التجارية العادية، ولكن هناك تأثير لا مفر منه على السلامة".
وبحسب شركة بيل تكسترون، الشركة الأميركية المصنعة لمروحية رئيسي التي تحطمت: "إن شركة بيل لا تمارس أي أعمال في إيران أو تدعم أسطول طائراتها المروحية".
تأثير العقوبات
الباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية والمدير التنفيذي للمنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، محمد خيري، قال في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن:
- العقوبات الأميركية المفروضة على إيران منذ العام 1979 وما تلاها من عقوبات فرضت بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي في العام 2018 تسببت في أزمات عدة في غالبية القطاعات الحساسة في إيران.
- أبرز تلك القطاعات كان قطاع الطيران المدني، إذ لم يتم تحديث أسطول الطائرات المدنية سواء الإيرباص المتخصصة في نقل الركاب أو الطائرات الهليكوبتر التي تستخدمها مؤسسة الرئاسة أو حتى الطيران العسكري.
- أكثر من 20 طائرة مدنية توقفت عن العمل بسبب قيود تشغيلية تتعلق بنقص قطع الغيار التي فشلت الجهات المعنية في إيران في الحصول عليها نتيجة العقوبات الأميركية.
- بعض العقوبات الأميركية على إيران منعت إيران من استيراد أكثر من 10 بالمئة من حجم المطلوب من قطع الغيار لإعادة تأهيل الطائرات أميركية الصنع لديها.
- كما أن فترة ما بعد الاتفاق النووي في العام 2015 لم تكن كافية بالنسبة للسلطات الإيرانية للحصول على طائرات جديدة أو حتى قطع غيار تكفي لتحديث أسطول الطائرات الهليكوبتر أو الإيرباص الإيرانية.
وأشار إلى أن الأزمة تكمن في أن غالبية الطائرات الهليكوبتر لدى إيران هي أميركية الصنع، وموجودة منذ فترة حكم الشاه محمد رضا بهلوي، وبسبب العقوبات التي فرضت بعد الثورة الإيرانية في العام 1979 لم تحدث إيران نظم التشغيل لأسطولها الجوي، وهو ما دفع محسن منصوري المساعد التنفيذي للرئيس الإيراني الراحل إلى أن يخاطب نائب الرئيس محمد مخبر ويطالبه بضرورة الإسراع في شراء طائرات روسية الصنع بدلاً من الطائرات الأميركية المتقادمة، تجنبا لحدوث كوارث.
حوادث الهليكوبتر
ويشار إلى أنه على الرغم من أنها أقل أمانًا مقارنة بالطائرات - حيث يبلغ معدل الحوادث القاتلة في الولايات المتحدة حوالي 1.3 لكل 100 ألف ساعة مقارنة بـ 0.98 للطائرات، وفقًا للمجلس الوطني لسلامة النقل - إلا أن طائرات الهليكوبتر تظل العمود الفقري للخدمات اللوجستية العسكرية وسفر كبار الشخصيات في الرحلات القصيرة في عديد من الدول.
ومع ذلك، فإن حوادث طائرات الهليكوبتر العسكرية تحدث بشكل أكثر انتظاماً، فعلى سبيل المثال:
- أوقف الحرس الوطني الأميركي مؤقتاً جميع طائراته المروحية في فبراير بعد حادثتي تحطم خلال شهر واحد.
- لقي عشرة من أفراد الطاقم حتفهم في حادث تحطم مروحية تابعة للبحرية الشهر الماضي في ماليزيا، في حين أدى حادث آخر إلى مقتل أعلى ضابط عسكري في كينيا.
- كما تعرضت المروحيات الروسية التي تستخدمها القوات المسلحة الكولومبية لعدد من الحوادث الأخيرة، كان آخرها حادث تحطم مميت الشهر الماضي أدى إلى مقتل تسعة جنود كانوا على متنها.
حوادث مختلفة في إيران
وإيران، التي تحافظ على تحليق طائراتها عبر مزيج من الأجزاء المهربة والهندسة العكسية، لديها تاريخ متقلب بشكل خاص. وفي العام 2005، تحطمت طائرة نقل عسكرية فوق مبنى سكني في طهران، مما أسفر عن مقتل 128 شخصًا، وفقًا لوسائل الإعلام الرسمية.
وفي الآونة الأخيرة، تحطمت طائرة هليكوبتر تقل وزير الرياضة الإيراني حامد سجادي العام الماضي أثناء محاولتها الهبوط في ملعب لكرة القدم. ونجا الوزير، لكن مساعده توفي وأصيب 12 آخرون. وبعد خمسة أشهر، تحطمت طائرة تدريب غرب إيران، مما أسفر عن مقتل شخصين.
من جانبه، قال الباحث في الشؤون الإيرانية، علي عاطف، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن:
- إيران تعاني من تقادم أسطولها الجوي، خاصة وأن بعض هذه الطائرات تعود لما قبل 1979.
- على مدار العقود التي تلت ذلك العام، فُرضت حزم عقوبات متتالية على إيران، أثرت على قطاع الطيران، إذ منعت طهران من استيراد قطع الغيار، بما عطل عمليات الصيانة والتجديد، وهو الأمر الذي قاد هذا إلى تكرار وقوع حوادث الطيران في البلاد.
وأوضح أن حادثة سقوط مروحية الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي لم تكن هي الأولى، بل كان هناك حادثة بارزة أخرى في 2005 حينما تسبب تحطم طائرة في مقتل قائد القوات البرية الأسبق في الحرس الثوري أحمد كاظمي، وفي 2023 كان هناك حادث مشابه أصيب فيه وزير الرياضة الإيراني. وأيضاً وقع حادث مماثل آخر في 2022.