كشف تقرير حديث عن أن العائلات والأفراد الأثرياء الذين يشعرون بالقلق إزاء مستويات ديون الحكومة الأميركية كانوا المحرك المحتمل للطلب القياسي على الذهب في الربع الثاني من العام الجاري 2024، مما دفع السعر إلى أعلى مستوياته على الإطلاق هذا العام.
ارتفعت المشتريات الخاصة من أصول الملاذ الآمن إلى 329 طناً في الأشهر الثلاثة حتى يونيو، وهو ما يقرب من خمسة أضعاف ما كانت عليه في الربع السابق، وفقاً لتقرير صادر عن مجلس الذهب العالمي.
ساعد هذا في رفع الطلب على الذهب إلى 1258 طناً في الربع الثاني، وهو أعلى مستوى له في الفترة من أبريل إلى يونيو منذ بدء التسجيل في العام 2000 وبما يشكل ارتفاعاً بنسبة 4 بالمئة عن العام السابق.
سجل سعر الذهب أعلى مستوى قياسي عند 2483.60 دولار للأونصة خلال الشهر الماضي، مدفوعاً بتوقعات متزايدة بخفض أسعار الفائدة، وهو ما من شأنه أن يفيد الأصول غير المدرة للعائد مثل السبائك، من خلال خفض العائد على السندات، علاوة على عدم اليقين بشأن نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية.
ونقل تقرير لصحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، عن كبير استراتيجيي السوق في مجلس الذهب العالمي، جون ريد، قوله إن الأدلة تشير إلى أن مكاتب العائلات الثرية في الولايات المتحدة كانت واحدة من المجموعات الرئيسية التي تجمع السبائك الذهبية بسبب المخاوف بشأن العجز المالي غير المنضبط.
وتابع: "لم استطع تفسير سبب ارتفاع أسعار الذهب.. كنت أبحث عن المشتري المفقود، الذي ربما يكون أشخاصاً يشترون بسبب المخاوف المتجددة أو المتسارعة بشأن الديون الأميركية".
ووفق التقرير، كان المستثمرون قلقين بشأن ارتفاع مستويات الدين الفيدرالي الأميركي، وخاصة إذا فاز المرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترامب في انتخابات نوفمبر المرتقبة.
ويتوقع مكتب الميزانية بالكونغرس الأميركي، وهو هيئة مراقبة مالية مستقلة، أن يتجاوز الدين الأميركي أعلى مستوى له في الحرب العالمية الثانية عند 106 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2029. وقال مديره في وقت سابق من هذا العام إن العبء المالي كان على مسار "غير مسبوق".
- أصبحت عمليات شراء الذهب عبر البورصة عاملاً متزايد الأهمية في سوق الذهب، على الرغم من صعوبة تتبع المعاملات لأن البنوك التجارية تنظم الصفقات مع المشترين بشكل خاص.
- تميل عمليات الشراء إلى أن تعكس شراءً للتحوط من المواقف المضاربية في سوق العقود الآجلة، فضلاً عن الطلب من الأفراد الأثرياء.
وأشار ريد أيضاً إلى نشاط قوي في سنغافورة وهونغ كونغ من جانب الآسيويين الأثرياء، فضلاً عن تحول الأتراك الأثرياء إلى الذهب مع انخفاض قيمة الليرة بشكل كبير.
ما العوامل التي تحكم دفع الطلب المتزايد على الذهب؟
وفي هذا السياق، يشرح محللون مختصون في تصريحات متفرقة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" العوامل التي تدفع الطلب المتزايد على الذهب.
في البداية، يلخص الشريك المؤسس لأكاديمية ماركت تريدر لدراسات أسواق المال، عمرو زكريا عبده، أبرز ثلاثة عوامل أساسية مؤثرة في تزايد الإقبال على الذهب في الوقت الحالي:
- ارتفاع درجة الحرارة الجيوسياسية يدفع البنوك المركزية إلى التوجه لاستثمار فوائضها في الذهب.
- توقعات خفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة وأوروبا وإنكلترا تخفض من جاذبية عوائد السندات، ويجعلها أقل تنافسيةً كملاذ آمن مقارنة بالذهب.
- تراجع شهية المستثمرين تجاه أسهم النمو وخاصة التكنولوجيا يحدث نوعاً من تحرك رؤوس الأموال إلى القطاعات والأصول التي تُعتبَر أقل مخاطرة ومنها الذهب.
ملاذ آمن
وإلى ذلك، تقول خبيرة أسواق المال، حنان رمسيس، إن ثمة مجموعة من العوامل التي تعزز الطلب المتزايد على الذهب؛ أبرزها الأحداث الجيوسياسية المتوترة وتصاعد الصراعات، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، وبما يدفع المتعاملين إلى اللجوء إلى ملاذات آمنة، تخوفاً من تأثر استثماراتهم الأخرى سلباً بهذه الأحداث.
وتضيف: "لا يمكن إغفال دور ارتفاع التضخم في دفع المستثمرين إلى البحث عن أصول تحافظ على قيمة أموالهم من التآكل".
كما تلعب التطورات السياسية دوراً حاسماً؛ فبالرغم من أن السندات والأذونات الأميركية تعد بدائل استثمارية جذابة، إلا أن عديد من الدول تفضل الذهب، حتى الصين التي خفضت ملكيتها من السندات الأميركية، بدوافع سياسية (في إشارة للتنافس الاستراتيجي بين بكين وواشنطن).
وتستطرد: "يختلف الاستثمار في الذهب باختلاف المناطق.. ففي المنطقة العربية، يُعتبر الذهب ملاذاً آمنًا للحفاظ على القيمة، بالإضافة إلى كونه رمز للمكانة الاجتماعية وحتى التجميل والزينة.. وقد انتقلت هذه الثقافة الاستثمارية إلى عديد من الدول المتقدمة".
وبالتالي فإن عامل زيادة الطلب من جانب الأفراد، لا سيما الأثرياء يمكن اعتباره لاعب أساسي أيضاً في تعزيز زيادة الطلب على المعدن الأصفر، إلى جانب مشتريات البنوك المركزية.
وبحسب تقرير "فاينانشال تايمز"، تأتي موجة الشراء التي يقوم بها الأفراد والأسر الغنية في الوقت الذي تحولت فيه التدفقات إلى صناديق الاستثمار المتداولة المدعومة بالذهب إلى الإيجابية في الأسابيع الأخيرة، في إشارة إلى أن المستثمرين الغربيين بدأوا أخيرا في شراء الذهب في هذا الارتفاع. وشهد شهرا يونيو ويوليو خمسة أسابيع متتالية من التدفقات الداخلة بلغ مجموعها 39 طنا، بعد عامين من البيع المستمر.
وبلغت مشتريات البنوك المركزية الصافية، التي ساعدت في دفع سعر الذهب للارتفاع بمقدار الثلث منذ بداية العام 2022، 483 طنًا، وهو مستوى قياسي للنصف الأول من العام. ومع ذلك، شمل هذا انخفاضًا بنسبة 39 بالمئة بين الربعين الأول والثاني. وقد يقلل هذا من احتمالية تجاوز مشتريات البنوك المركزية 1000 طن هذا العام، بعد أن وصلت إلى هذا المستوى في العامين السابقين.
ومع ذلك، بدأ المستهلكون والمستثمرون الصينيون، الذين قادوا ارتفاع الذهب في النصف الأول من العام، في إبطاء مشترياتهم بعد أن أوقف بنك الشعب الصيني عمليات الشراء في مايو.
وتأثرت مشتريات المجوهرات الذهبية أيضاً بارتفاع الأسعار، حيث انخفضت بنسبة 19 بالمئة إلى 390 طنًا في الربع الثاني مقارنة بالعام الماضي.
عوامل متضافرة
رئيس قسم الأسواق العالمية في Cedra Markets، جو يرق، يقول: يشهد الذهب ارتفاعاً في الطلب في الآونة الأخيرة، وذلك بسبب عدة عوامل متضافرة، على النحو التالي:
- التوترات الجيوسياسية المتزايدة تجعل المستثمرين يبحثون عن ملاذات آمنة لحماية استثماراتهم.
- سياسات البنوك المركزية التيسيرية المرتقبة، وفيما يخص خفض أسعار الفائدة، تسهم في زيادة جاذبية الذهب كمخزن للقيمة.
- أي تقلبات في الأسواق المالية، سواء كانت ناجمة عن أحداث جيوسياسية وتصحيحات في أسواق الأسهم، تدفع المستثمرين إلى تنويع استثماراتهم باللجوء إلى الذهب وغيره من الأصول الآمنة.
ويستطرد: "يدفع التصاعد المتسارع في التوترات الجيوسياسية، إلى جانب السياسات النقدية التيسيرية وتقلبات الأسواق، المستثمرين إلى زيادة الطلب على الذهب كملاذ آمن ومخزن قيمة".