يتخوّف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من احتمالية إصدار المحكمة الجنائية الدولية أوامر توقيف بحقه، إضافة لعدد من قادته العسكريين، في الوقت الذي يعوّل على دور واشنطن في التصدي لذلك، وتجنب أن يصبح مصيره على غرار رئيس يوغوسلافيا السابق سلوبودان ميلوسوفيتش الذي خضع لتحقيق أمام المحكمة ذاتها بتهم الإبادة الجماعية وارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
ويستعرض مختصون في القانون الدولي ومراقبون في حديثهم لموقع "سكاي نيوز عربية"، موقف نتنياهو من احتمالية إصدار مذكرة توقيف بحقه من الجنائية الدولية، وتداعياتها قانونياً وسياسياً عليه، وكذلك تأثيرها على مسار الحرب الراهنة.
ماذا يحدث؟
يعتقد المسؤولون الإسرائيليون بشكل متزايد أن المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، تستعد لإصدار مذكرات توقيف لكبار المسؤولين الحكوميين وعلى رأسهم نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، ورئيس الأركان هرتسي هاليفي، على خلفية الحرب في غزة، وفقًا لخمسة مسؤولين إسرائيليين وأجانب.
وتحقق المحكمة الجنائية الدولية في جرائم حرب مشتبه بها ضد مسؤولين إسرائيليين منذ عام 2021، وتقول المحكمة أنها تحقق كذلك مع أنصار حماس بنفس الاتهام، في حين أضيفت للتحقيقات تطورات الحرب الراهنة في غزة، وأعمال العنف التي يرتكبها مستوطنين إسرائيليين في الضفة الغربية. لكن نتنياهو رد على ذلك قائلًا إن إسرائيل "لن تقبل أبدًا أي محاولة من قبل المحكمة الجنائية الدولية لتقويض حقها الأصيل في الدفاع عن النفس".
وإذا استمرت المحاكمة، فمن المحتمل أن يُتهم المسؤولون الإسرائيليون بمنع إيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، والتسبب في مقتل آلاف المدنيين داخل القطاع ردًا على هجمات حماس في 7 أكتوبر الماضي.
ووفق صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، فإنه من المحتمل أن يُنظر إلى أوامر الاعتقال الصادرة عن المحكمة في معظم أنحاء العالم على أنها "توبيخ أخلاقي متواضع"، لا سيما لإسرائيل، التي واجهت منذ شهور رد فعل دولي عنيف بسبب سلوكها في غزة.
كما يمكن أن يؤثر على سياسات إسرائيل بينما تضغط لاجتياح رفح خلال الفترة المقبلة، في وقت ذكر موقع أكسيوس الأميركي أن نتنياهو طلب من الرئيس الأميركي جو بايدن مساعدته في منع إصدار المحكمة مذكرات التوقيف التي يمكن أن تستهدفه شخصيا.
محاكمة ميلوسوفيتش
أعاد الحديث عن موقف المحكمة الجنائية الدولية من نتنياهو، ما جرى عام 2002، حين بدأت محاكمة رئيس يوغسلافيا السابق سلوبودان ميلوسوفيتش أمام محكمة خاصة بجرائم الحرب في لاهاي، للنظر في الجرائم التي ارتكبت خلال الحرب اليوغسلافية في تسعينيات القرن الماضي.
واستمرت تلك المحاكمة حتى وفاته بسجنه في مارس 2006، على الرغم من دفاعه بأنه "غير مذنب".
وواجه ميلوسوفيتش حينها تهما عديدة منها الإبادة الجماعية وارتكاب جرائم ضد الإنسانية وغيرها من جرائم الحرب لدوره في الحروب التي دارت في البوسنة والهرسك وكرواتيا وكوسوفو في التسعينات.
وشهدت السنوات الماضية محاكمة عدد من القادة أمام الجنائية الدولية أو محاكم خاصة بجرائم الحرب، لكنها مع ذلك لم تتمكن من تنفيذ مذكرات اعتقال وجلب بعض القادة المتهمين للمحاكم.
وتحاكم المحكمة الجنائية الدولية الأفراد عن الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والعدوان، وهي أخطر الجرائم التي تثير قلقاً دولياً.
وينظر إليها على أنها محكمة "الملاذ الأخير"، حيث تمارس المحاكم الوطنية التحقيق والادعاء في الجرائم المرتكبة في البلد، ولا تتدخل المحكمة الجنائية الدولية إلا إذا لم تستطع دولة التحقيق والادعاء في جرائم أو لم تُرِد ذلك. لكن ليس عند المحكمة جهاز شرطة أو جيش خاص بها، حيث تعتمد على أعضائها البالغ عددهم 124، في القبض على المشتبه بهم وتسليمهم، وتبقى أوامر القبض سارية المفعول مدى الحياة ما لم يقرر قضاة المحكمة خلاف ذلك، لكن لم تصادق إسرائيل مع عدد آخر من الدول على ميثاق المحكمة.
مصير نتنياهو
وقال أستاذ القانون الدولي وعضو الجمعية الأميركية للقانون الدولي، محمد مهران، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن مخاوف نتنياهو تأتي مع احتمالية إصدار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، قرارات بشأن الجرائم المرتكبة في الأراضي الفلسطينية، استنادًا إلى نتائج الدراسة الأولية التي خلصت إلى وجود أسباب معقولة للاعتقاد بارتكاب جرائم حرب من قبِل الجانب الإسرائيلي.
وأوضح مهران أن السلطة الفلسطينية ومنظمات حقوقية دولية، فضلاً عن الأداة التي دشنتها المحكمة على موقعها، وفّرت لها العديد من الأدلة والشهادات التي توثق هذه الجرائم، خلال السنوات الماضية بما في ذلك الحرب على غزة.
وأشار إلى أن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية يشمل جرائم الحرب بموجب المادة 8 من نظام روما الأساسي، وأن احتمالية توريط قادة سياسيين وعسكريين إسرائيليين بارتكابها، بما فيهم نتنياهو نفسه، قد يعرضهم لخطر الملاحقة الجنائية وإصدار مذكرات اعتقال دولية في حقهم، مثلما حدث مع عدد من الزعماء السياسيين في العالم الذين مثلوا أمام المحكمة، ومن بينهم رئيس يوغوسلافيا السابق سلوبودان ميلوسوفيتش.
وبشأن تداعيات تلك الخطوة على نتنياهو، بيّن مهران أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يدرك تبعات صدور مذكرة اعتقال دولية بحقه، إذ تتسبب في تقييد حركته وتنقلاته الخارجية خشية تنفيذ أمر القبض، فضلًا عن التأثير السلبي على مكانة إسرائيل ومصالحها الدبلوماسية والاقتصادية، ودفع المجتمع الدولي نحو تبني مواقف وإجراءات أكثر حزمًا ضدها، وكذلك سينظر إلى ذلك على أنه "تقويض لمكانته السياسية".
لكنه مع ذلك، أشار إلى عقبة تحول دون تنفيذ مذكرة التوقيف حال صدورها، وهي عدم التزام السلطات الإسرائيلية بتسليم نتنياهو والقادة العسكريين المطلوبين، خاصة مع عدم اعتراف إسرائيل ذاتها بالمحكمة، فضلاً عن طلبها من الولايات المتحدة التدخل لوقف ذلك وممارسة ضغوطها، وهو ما قد يعطل إصدار المذكرة بالأساس، ما يعني عدم تطبيق القانون الدولي.
كيف تراها تل أبيب؟
من وجهة النظر الإسرائيلية، يرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العبرية في القدس وعضو اللجنة المركزية لحزب العمل، مئير مصري، أنه لا يوجد وجه مقارنة بين نتنياهو وميلوسوفيتش "لا من حيث الشكل ولا المضمون".
واعتبر مصري في حديث لموقع سكاي نيوز عربية، أن "نتنياهو رئيس وزراء مُنتخب في نظام ديمقراطي ويقود حربا ضد الإرهاب يتكفل الجيش بإدارتها في إطار القانون الدولي ووفقاً لضوابط واضحة"، حسب قوله.
ووصف التقارير التي تشير إلى احتمالية صدور مذكرة توقيف لنتنياهو وقادة عسكريين بأنها "مسرحية فاشلة"، لافتاً إلى أنها لن يكون أي تأثير على مجرى الأحداث أو على إدارة العمليات العسكرية.