عادةً ما يكون خفض معدلات الفائدة مصاحبًا للجهود الرامية إلى تحفيز الاقتصاد وتعزيز النمو الاقتصادي من خلال تشجيع الاستثمار في مختلف الأوجه الاستثمارية، بما في ذلك الأصول ذات المخاطرة الأعلى، والتي يمكن أن تحظى بنصيب وافر في ظل تلك الأوضاع.

قد يشعر المستثمرون بضغط على العائدات في ظل انخفاض معدلات الفائدة على الأصول التقليدية مثل السندات، لذلك يمكن أن يكون لديهم حافز للتوجه نحو الأصول ذات المخاطر الأعلى بحثًا عن عوائد أكبر.

مع ذلك، يتعين على المستثمرين أن يكونوا حذرين ويدركوا تمامًا المخاطر المرتبطة بالاستثمار في الأصول ذات المخاطر الأعلى، فقد تكون هذه الأصول عرضة لتقلبات أكبر، ولذا يفضل دائمًا تنويع المحفظة والاستفادة من النصائح المالية لتحقيق توازن مناسب بين المخاطر والعوائد.

أخبار ذات صلة

هل تستعيد الأسهم الدفاعية الزخم في 2024؟
المركزي الصيني سيكثف تعديلات سياسات دعم الاقتصاد

ومن بين أهم الأسئلة التي تفرض نفسها على اتجاهات المستثمرين في العام 2024 هو ما يتعلق بـ "هل يتحرك المستثمرون بشكل جماعي للخروج من النقد؟"، طبقاً لتقرير نشرته صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، أفاد بأنه عندما يحاول المستثمرون بشكل جماعي الابتعاد عن النقد (للحفاظ على قيمة مدخراتهم في وقت التقلبات الاقتصادية وحالة عدم اليقين بشكل خاص) فإن ذلك يدفع أسعار الأصول إلى الارتفاع.

وهناك الكثير من الأموال في الأدوات قصيرة الأجل، حيث تدر أرباحاً تبلغ 4 بالمئة في أو أكثر. وقد ارتفعت الأصول في صناديق أسواق المال وحدها من 5 تريليونات دولار إلى 6 تريليونات دولار منذ نهاية عام 2022. وإذا انتقلت تلك الأصول إلى أصول محفوفة بالمخاطر و/أو طويلة الأجل، فسيكون ذلك أمراً محورياً.

ويطرح التقرير سؤالاً: هل سيلجأ المستثمرون، الذين يحاولون إعادة التوازن بعيدا عن النقد، إلى خوض قدر أكبر من المخاطرة؟ ويشير إلى أنه "من المؤكد أنهم كانوا في الأسابيع الستة الماضية أو نحو ذلك".

مازن سلهب: الدولار سيواجه مزيدا من التراجع بالمستقبل

الخبير الاقتصادي مازن أرشيد، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن:

  • خفض الفائدة سيزيد من احتمالية الإقبال على فرص الاستثمار في الأصول ذات المخاطر.. عندما يقوم بنك الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة، تصبح تكلفة الاقتراض أرخص، مما يعزز الإنفاق والاستثمار، وهذا الوضع يميل إلى تحفيز الاقتصاد، الأمر الذي يشجع الأصول ذات المخاطر الأعلى مثل الأسهم أكثر جاذبية بالنسبة للمستثمرين، والسبب وراء ذلك هو البحث عن عائدات أعلى، خاصة في ظل انخفاض عوائد السندات الآمنة نسبيًا.
  • إذا ما أخذنا في الاعتبار أن الانتعاش الملحوظ في أسواق الأسهم والعملات المشفرة خلال الربع الأخير يعكس تحسن الثقة في الأسواق المالية، إلا أن هذا التحسن قد يكون مدفوعًا جزئيًا بتراجع التضخم في الولايات المتحدة واستقرار الدولار، مما يشير إلى بيئة اقتصادية أكثر استقرارًا.

أما فيما يتعلق بالمستثمرين الذين يسعون لإعادة التوازن في محافظهم الاستثمارية بعيدًا عن النقد، بين أرشيد أنهم قد يميلون نحو خوض قدر أكبر من المخاطرة، مشيرًا إلى أن الدافع وراء هذا التوجه يمكن تفسيره من خلال البحث عن عوائد أعلى في ظل انخفاض أسعار الفائدة التي تقلل من جاذبية الأصول النقدية أو السندات.

واستطرد: على سبيل المثال نجد أن المستثمرين الذين كانوا يعتمدون سابقًا على السندات الحكومية كوسيلة للحصول على عوائد آمنة وثابتة، قد يبدأون في تعزيز النظر إلى الأسهم أو الأصول البديلة كالعقارات والعملات المشفرة كخيارات استثمارية أكثر جاذبية، فهذا الانتقال يعكس تغير التوقعات بشأن ما يمكن أن يحققه المستثمرون من عوائد على استثماراتهم.

الملاذات الآمنة في الحروب

وشدد على ضرورة أن يكون المستثمرين مدركين للمخاطر المرتبطة بالأصول ذات العوائد الأعلى، على سبيل المثال، الأسهم والعملات المشفرة يمكن أن تكون أكثر تقلبًا من الأصول التقليدية مثل السندات أو الودائع النقدية، وهذا يعني أنهم قد يواجهون تقلبات حادة في قيمة استثماراتهم، مما يتطلب درجة عالية من التحمل للمخاطر وفهمًا عميقًا للأسواق.

هل ينجح خفض الفائدة المرتقب في وقف تدهور الاقتصاد العالمي؟

التخلي عن النقد

وذكر أرشيد أنتخلي المستثمرين عن النقد مقابل الأصول خلال 2024 يتطلب تحليل عدة عوامل اقتصادية وسوقية، على النحو التالي:

  • أولًا، السياق الاقتصادي العام للعام المقبل سيكون حاسمًا في تحديد سلوك المستثمرين، ففي حالة استمرار انخفاض معدلات التضخم وبدء البنك الفيدرالي الأميركي في خفض أسعار الفائدة، قد نرى اتجاهًا متزايدًا للتخلي عن النقد والاستثمار في أصول أخرى تقدم عوائد أعلى، هذا لأن انخفاض أسعار الفائدة يجعل تكلفة الاقتراض أرخص ويقلل من جاذبية الاحتفاظ بالأموال في شكل نقدي أو في ودائع بنكية.
  • ثانيًا، يجب أن نأخذ في الاعتبار حالة أسواق الأسهم والأصول البديلة، فإذا استمرت أسواق الأسهم في الانتعاش وشهدت أسواق الأصول البديلة مثل العقارات والعملات المشفرة نموًا، فإن هذا قد يشجع المستثمرين على نقل أموالهم من النقد إلى هذه الأصول،
  • ومع ذلك، يجب الأخذ في الاعتبار مستوى المخاطرة المرتبط بكل نوع من الأصول على سبيل المثال، قد يجد بعض المستثمرين أن المخاطر المرتبطة بالاستثمار في الأسهم أو العملات المشفرة أعلى مما يرغبون في تحمله، وبالتالي، قد يفضلون الاحتفاظ بجزء من محافظهم الاستثمارية في أصول نقدية أو سائلة.

أخبار ذات صلة

ما هي أفضل أسهم وول ستريت أداءً خلال 2023؟
ما الذي ينتظر سوق العملات المشفرة في 2024؟

فرص استثمارية

وأكد أرشيد أنه في سياق الاقتصاد العالمي الحالي، يبدو أن المستثمرين يميلون بشكل متزايد نحو البحث عن فرص استثمارية تحمل مخاطرة أكبر مثل العملات الرقمية، معتبرًا أن هذا التوجه نابع من عدة عوامل فمن جهة، قدمت العملات الرقمية، على الرغم من تقلباتها العالية، في السنوات الأخيرة عوائد استثمارية كبيرة لبعض المستثمرين، وهذه العوائد الكبيرة تجتذب المزيد من المستثمرين الذين يسعون لتحقيق أرباح غير عادية، خاصةً في ظل تراجع العوائد على الأصول التقليدية مثل السندات والودائع النقدية.

من جهة أخرى، تزايد الاهتمام بالتكنولوجيا المالية والابتكارات في مجال العملات الرقمية يعزز ثقة بعض المستثمرين في هذا النوع من الأصول، فالابتكارات مثل تكنولوجيا البلوك تشين والعقود الذكية تقدم إمكانيات جديدة للمعاملات المالية، مما يجعل الاستثمار في العملات الرقمية أكثر جاذبية لمستثمرين معينين.

وتحدث أرشيد عن ترتيب الاستثمارات الأكثر مخاطرة من الأقل إلى الأكثر مخاطرة، حيث تبدأ بالودائع البنكية وأذون الخزانة، والتي تُعد من بين الأصول الأكثر أمانًا، وذلك لأنها غالباً ما تكون مضمونة أو مدعومة من قبل الحكومات، مما يقلل من خطر خسارة رأس المال، ويلي ذلك السندات الحكومية والتي تعتبرها شركات التصنيف الائتماني العالي أنها أكثر مخاطرة قليلًا من الودائع البنكية وأذون الخزانة، لكنها لا تزال تُعد من الأصول المنخفضة المخاطر نسبيًا، وذلك لأنها توفر عائدات منتظمة ويُنظر إليها على أنها استثمارات مستقرة.

وأكمل أنه مع التقدم في سلم المخاطر، نصل إلى الأسهم، والتي تمثل مستوى مخاطر أعلى بسبب تقلبات السوق، فالأسهم يمكن أن توفر عوائد عالية، ولكنها تأتي مع مخاطر كبيرة بما في ذلك احتمال خسارة جزء أو كل رأس المال المستثمر، وأخيرًا، في أعلى سلم المخاطر نجد الأصول البديلة مثل العملات الرقمية والسلع الأساسية مثل النفط والذهب فهذه الأصول تعرف بتقلباتها الشديدة وتقلب الأسعار، على سبيل المثال، العملات الرقمية معروفة بتحركاتها السعرية السريعة والكبيرة، مما يجعلها من بين الأصول الأكثر مخاطرة للاستثمار فيها.

أخبار ذات صلة

هل تشهد أزمة المعيشة في بريطانيا انفراجة وشيكة في 2024؟
الدولار يزداد ضعفا.. الإسترليني نحو أفضل أداء سنوي منذ 2017

العقارات والذهب وأسواق الأسهم

وعن سبل الاستثمار المتاحة حاليًا والمهددة من قبل الأصول الأكثر مخاطرة، ذكر أرشيد أن العقارات والذهب والبورصة  تعتبر ثلاثة من أبرز القنوات الاستثمارية التي يفضلها المستثمرون، لافتًا إلى أن كل من هذه السبل لها خصائصها وتحدياتها الخاصة في الوضع الاقتصادي الحالي.

  • بالنسبة للقطاع العقاري، من المحتمل أن نشهد تحديات مرتبطة بصعوبة تسييل الأصول العقارية فالعقارات تتميز بكونها استثمارات طويلة الأجل وليست سائلة مثل الأسهم أو السندات، وفي سياقات اقتصادية متقلبة أو في حالات ارتفاع أسعار الفائدة، قد يجد المستثمرون صعوبة في بيع عقاراتهم بسرعة أو بالسعر المطلوب، مما قد يؤدي إلى ركود في القطاع العقاري.
  • أما بالنسبة للذهب، فهو يعتبر تقليدياً مخزنًا للقيمة وملاذًا آمنًا في أوقات الاضطرابات الاقتصادية، ومع ذلك، كما ذكرت، يحتاج الذهب إلى دورة زمنية طويلة لجني العوائد، وقد لا يكون جذابًا للمستثمرين الذين يبحثون عن عوائد سريعة، في ظل البيئة الاقتصادية الحالية التي تتميز بتراجع معدلات التضخم واحتمال خفض أسعار الفائدة، قد يتراجع الطلب على الذهب كملاذ آمن، مما يؤدي إلى انخفاض أسعاره.
  • فيما يخص البورصة، يبدو أن الأسواق المالية تواجه مجموعة من المخاطر التي يمكن أن تؤثر على أدائها هذه المخاطر تشمل التوترات الجيوسياسية، التغيرات في السياسات النقدية، والتطورات الاقتصادية العالمية، وهذه العوامل يمكن أن تؤدي إلى تقلبات في البورصات وقد تجعل بعض المستثمرين أكثر حذرًا في استثماراتهم.

أخبار ذات صلة

هذه القطاعات تقود ارتفاعات الأسواق الأوروبية
البنك الدولي: 2023 عام انعدام المساواة والفقراء يدفعون الثمن

العملات المشفرة

وتطرق أرشيد إلى مدى المخاطرة في سوق العملات المشفرة، فرغم شغل الأخير موقع متميز في المشهد الاستثماري العالمي، إلا أن ذلك الموقع مُعرض بالفعل إلى سرعة التغير والتقلبات الحادة التي يمكن أن تطرأ في لحظات، ضاربًا المثل بحالة إفلاس بورصة FTX التي تُظهر هذا الواقع بشكل جلي، معتبرًا أن تلك الحادثة ليست فقط مثالاً على التقلبات السعرية للعملات المشفرة، ولكنها تسلط الضوء أيضاً على المخاطر التشغيلية والتنظيمية في هذا القطاع.

ومن جهة، يشير إفلاس مثل هذه البورصة إلى المخاطر المرتبطة بالبنية التحتية لسوق العملات المشفرة، ففي حين أن العملات المشفرة نفسها قد تقدم فرصًا استثمارية مغرية، فإن المنصات التي يتم التداول من خلالها والتي تدعم هذه السوق لا تزال تواجه تحديات تنظيمية وأمنية كبيرة، وهذا يعني أن المستثمرين ليسوا فقط عرضة لتقلبات أسعار العملات المشفرة، ولكن أيضًا للمخاطر التشغيلية المرتبطة بالبورصات والمنصات التي يستخدمونها.

من ناحية أخرى، تعتبر حالة FTX تذكيرًا بأهمية الإدارة الرشيدة والشفافية في عالم العملات المشفرة، فالنظام البيئي للعملات المشفرة لا يزال في مراحله التطويرية ويفتقر إلى الإطار التنظيمي الشامل الذي يوجد في الأسواق التقليدية، وهذا يعني أن المستثمرين قد يتعرضون لمخاطر أعلى مقارنة بالاستثمار في أسواق أكثر نضجًا وتنظيمًا.

أخبار ذات صلة

الليرة التركية تنخفض لمستوى قياسي جديد وتهبط 36% هذا العام
لهذه الأسباب.. الدولار يتجه لتكبد أول خسارة سنوية في 3 أعوام

ضوابط استثمارية

وإلى ذلك، قال كبير الاقتصاديين في شركة ACY المالية، نضال الشعار، إن تخلي المستثمرين عن النقد مقابل الأصول من الصعب حدوثه بشكل كلي؛ وذلك لأن هناك ضوابط استثمارية تأتي على رأسها ضرورة الاحتفاظ بجزء من النقد في محافظهم الاستثمارية أو استثماراتهم الشخصية.

وتوقع الشعار حدوث حالة من الانتعاش في الاستثمار بشكل عام خلال 2024 في ظل توقعات انخفاض سعر الفائدة، فالخفض يعني تكلفة أقل للاقتراض وتوفر السيولة في السوق وبالتالي يكون هناك ارتفاعًا في حجم الاستثمارات، وهذا ما يتبعه توسيع السياسة الاستثمارية، وبالتالي ارتفاع معدلات الاستثمار في الأوصول ذات المخاطر المرتفعة.

وتطرق إلى العملات الرقمية باعتبارها وعاء استثماري شهد خلال الفترة الماضية ارتفاعًا في أسعاره خلال الـ 3 أشهر الماضية، معتبرًا أن ارتفاع أو انخفاض هذه العملات في الأساس متعلق بأسباب إدارية في المقام الأول وليست اقتصادية، على حد تعبيره.

وضرب المثل بارتفاع البيتكوين خلال الفترة الماضية بسبب تقدم شركة "بلاك روك" لإدراج صندوق "ETF" لعملة "البيتكوين" المشفرة في البورصة الأميركية، وبناء على ذلك لم يمكن المقارنة بالاستثمار التقليدي مقابل العملات الرقمية.

وبخصوص الأصول الأكثر مخاطرة فيأتي على رأس القائمة الشركة الناشئة المعرضة للنجاح أو الفشل، على عكس العقارات التي تصنف على أنها واحدة من السبل الاستثمارية الأكثر أمانًا خصوصًا وأنه حال انخفاض سعر الفائدة يرتفع الطلب عليها كوعاء ادخاري أكثر أمانًا.

أخبار ذات صلة

عام تألق الذهب.. أفضل أداء سنوي منذ 2020
مسؤولو بنك اليابان يدعون لمناقشة التخلي عن السياسة التيسيرية

الطلب على الاستثمار

أما الخبير الاقتصادي وخبير المخاطر المالية من الولايات المتحدة، محي الدين قصار، قال إن معدل الفائدة هو سعر الاستثمار بدون مخاطرة، وبالتالي فإن توقعه له أكثر تأثير من قيمته الحقيقية، مبينًا أنه إن بدأت التوقعات بهبوط سعر الفائدة فالطلب على الاستثمار سيكون أعلى، لافتًا إلى أن اعتبار تغيير السياسة المركزية العالمية هو تغيير مؤقت فلن يكون هناك نتائج واضحة على سعر الأصول والاستثمار به.

وذكر أن البنوك المركزية بما فيها الفيدرالي تستطيع أن تحدد سعر الفائدة النقدي، ولكن ما يهم الاقتصاد الوطني هو سعر الفائدة الحقيقي  وهو الفرق بين سعر الفائدة الرقمي ومعدل التضخم، وهو ما يؤثر في نهاية الأمر على طبيعة الاستثمارات.