أعلن حزب المحافظين عن خطط لتعزيز دخل المتقاعدين، في محاولة من المرجح أن تدعم حظوظ الحزب في الانتخابات المرتقبة، وفقا لعديد من استطلاعات الرأي، ويُنظر إليها على أنها إجراء يهدف إلى دعم الأصوات الأساسية للحزب.
صحيفة "الغارديان" البريطانية، نشرت تقريراً أجابت فيه على عددٍ من الأسئلة المرتبط بهذا التعهد وكلفته الاقتصادية، في محاولة لتفنيد المشهد وشرحه بشكل واضح.. على النحو التالي:
أولا: ما هي تفاصيل تعهد الحزب؟
اعتباراً من شهر أبريل من العام المقبل 2025، ستقوم حكومة المحافظين برفع بدل المعاشات التقاعدية المعفاة من الضرائب بما يتماشى مع القفل الثلاثي.
والقفل الثلاثي (الـ triple lock) آلية تستخدم في بريطانيا لضمان زيادة معاشات الدولة بطريقة تحافظ على قوتها الشرائية وتواكب تكاليف المعيشة. وقد تم تطبيق هذه الآلية لأول مرة في العام 2010. وتبعاً لتلك الآلية تتم زيادة معاشات الدولة سنوياً وفقاً لأعلى قيمة من بين ثلاثة معايير (نسبة التضخم ومتوسط الأجور و2.5 بالمئة نسبة زيادة ثابتة).
ويضمن هذا النظام أن تزداد معاشات التقاعد بمعدل لا يقل عن 2.5 بالمئة سنوياً، حتى لو كانت نسبة التضخم أو زيادة الأجور أقل من ذلك، مما يساعد على حماية المتقاعدين من التآكل في قيمة معاشاتهم الحقيقية نتيجة التضخم أو النمو الاقتصادي البطيء.
ويشار إلى أنه من المتوقع بحلول العام 2027، أن يكون معاش الدولة أعلى من العلاوة الشخصية المعفاة من الضرائب. ويقول المحافظون إن "القفل الثلاثي الإضافي" سيعني أن معاش التقاعد الحكومي سيكون دائما أقل من عتبة الإعفاء من الضرائب، مما يمنع ملايين المتقاعدين من الخضوع لضريبة الدخل.
كما يقولون إن ذلك سيصل إلى خفض ضريبي يبلغ حوالي 100 جنيه إسترليني سنوياً لثمانية ملايين متقاعد في العام المقبل، وسيرتفع إلى 275 جنيهًا إسترلينياً سنوياً بحلول نهاية البرلمان.
ثانياً: كم ستكلف تلك الخطة؟
يزعم حزب المحافظين أن هذه السياسة ستكلف ما يقدر بنحو 2.4 مليار جنيه استرليني سنوياً.. وهي تضاف إلى مشروع قانون بقيمة 2.5 مليار جنيه استرليني لخطة رئيس الوزراء لتجنيد الشباب الذين يبلغون من العمر 18 عاما للمشاركة في الخدمة الوطنية.
ومع ذلك، قال معهد الدراسات المالية (IFS) - وهو مركز أبحاث الضرائب والإنفاق - إن التوقعات بشأن التكلفة قد تخرج عن مسارها إذا كان هناك تكرار لذلك النوع من الصدمات الاقتصادية التي شهدناها على مدى السنوات الأربع الماضية.
ثالثاً: كيفية تمويل الخطة؟
وفق رئيس الوزراء ريشي سوناك فإن الخطة المعلنة سابقاً لتوفير 6 مليارات جنيه إسترليني سنوياً من حملة مواجهة التهرب الضريبي سيتم استخدامها لتمويل الإعفاء الضريبي لأصحاب المعاشات.
ولدى حزب العمال مخطط مماثل للتعامل مع دافعي الضرائب المخطئين (المتهربين)، على الرغم من أنه أكثر حذرا بشأن الأموال التي سيجمعها.
وقال المحافظون إن خطة الخدمة الوطنية الخاصة بهم سيتم تمويلها جزئياً من خلال اتخاذ إجراءات صارمة ضد التهرب الضريبي، ولكن أيضًا عن طريق تحويل 1.5 مليار جنيه إسترليني من صندوق الرخاء المشترك في المملكة المتحدة.
رابعاً: هل تفي مطاردة المتهربين من الضرائب بالغرض؟
كارل إيمرسون، نائب مدير IFS، قال إن هناك شكوكاً حول قدرة أي حكومة على تحقيق وفورات من خلال مطاردة المتهربين من الضرائب.
وقال مكتب مسؤولية الميزانية أيضاً إنه لا توجد أدلة كافية لإثبات أن وزارة الخزانة يمكنها جمع الأموال من التجنب والتهرب.
وعلى نطاق أوسع، قال إيمرسون: "الصورة الأكبر هي أن المالية العامة ليست في حالة جيدة، وسوف تحتاج الحكومة المقبلة إلى إظهار كيف ستمول الخدمات العامة". وقال إن الوعود بتخفيض الضرائب تجعل ذلك أكثر صعوبة.
ويشار إلى أنه في العام 2010، شرعت الحكومة الائتلافية في خطة لإنهاء فترة طويلة كان يتمتع فيها المتقاعدون بعلاوة ضريبة دخل أعلى من تلك التي يتمتع بها العاملون.
هلع المحافظين من الخسارة
من لندن، يقول خبير اقتصاديات الطاقة، نهاد إسماعيل، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه:
- مع تقدم حزب العمال في استطلاعات الرأي بحوالي 27 نقطة، هناك حالة من الهلع لدى حزب المحافظين من تكبد خسائر كبيرة في انتخابات الرابع من يوليو المقبل.
- الحزب أراد أن يستخدم المتقاعدين، وهم كتلة انتخابية كبيرة تتألف من ملايين الناخبين ومعظمهم تاريخيا متعاطفين مع المحافظين، لذا فهم من نقاط القوة بالانتخابات.
- تتركز استراتيجية ريشي سوناك على كسب أصواتهم.. رئيس الوزراء يقدم وعوداً سخية.. ويدفع بحماية معاشاتهم التقاعدية من الضرائب برفع المستوى الذي بموجبه تنطبق عليه الضريبة، أي ضمان معاش تقاعدي معفي من الضرائب (..).
- هذا الامتياز سيلقى ترحيباً من المتقاعدين أو ما يطلق عليه الجيل الذي ولد بعد الحرب العالمية الثانية (الـ Baby Boomers).
ويلفت إلى أن الحكومة تقول إنها ستجني التمويل اللازم من ملاحقة الذين يهربون من الضرائب، ولكن الخبراء يشككون في هذه الفرضية، مشيراً إلى أن مركز الدراسات الضريبية يعتقد بأن الفرضية لا تأخذ بعين الاعتبار احتمال صدمات اقتصادية أو ارتفاع التضخم بنسبة عالية (..).
ويؤكد إسماعيل أنه لا توجد أي أدلة تفيد بأن الحكومة ستجد التمويل الكافي من ملاحقة الذين يتجنبون دفع الضرائب المستحقة، لذلك الاعتقاد بأنها خطوة انتخابية بامتياز وقد تنجح في كسب عدة ملايين ناخب لصالح المحافظين.
وعود انتخابية
ومن جهته يوضح عضو حزب العمال البريطاني، مصطفى رجب، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن:
- حزب المحافظين في مأزق لا يحسد عليه، وهو ما يجعل فوز الحزب في الانتخابات المرتقبة ليس فقط صعب بل أصبح شبه مستحيل، في تقديره.
- في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد وتورط الحكومة فى الحرب بين روسيا وأوكرانيا التي أضافت إلى الأزمة الاقتصادية، تتعمق الأزمات.
- من المعتاد قبل أي انتخابات صدور كثير من الوعود من الأحزاب، وهي ما تسمى بالوعود الانتخابية التي تؤثر فقط على أصحاب الذاكرة الضعيفة، على حد وصفه.
- الوعد بزيادة المعاشات هي أحد هذه الوعود؛ خاصة وأن المتقاعدين منذ فترة طويلة يشتكون من صعوبة مواجهة أعباء الحياة ووفاة بعضهم من شدة البرد وعدم قدرتهم المادية على استعمال الطاقة.
ويشير رجب إلى الإضرابات المتعددة التي شهدتها البلاد، والتي شملت جميع الفئات للمطالبة بزيادة الأجور للمساهمة في مواجهة أعباء الحياة، والحكومة دائما تقول "ليس فى مقدورنا غير ذلك"، لذا فالحكومة تخاطب اليوم كبار السن أملا في استجاباتهم واستغلال أصواتهم انتخابياً، من وجهة نظره.
تحقيق الاستقرار الاقتصادي
وفي السياق، يقول المحلل الاقتصادي بصحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، الدكتور أنور القاسم، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن:
- من أهم وعود سوناك في حملته الانتخابية لولاية جديدة للمحافظين خطة بقيمة 2.4 مليار جنيه إسترليني لحماية معاشات التقاعد الحكومية من الضرائب.
- المحافظون والعمال كلاهما يلعبان على وتر تحقيق الاستقرار الاقتصادي من خلال قواعد الإنفاق الصارمة، حتى يحقق الاقتصاد تنمية منتظرة، وإبقاء الضرائب والتضخم والرهون العقارية منخفضة قدر الإمكان.
- فرض الضرائب على الطبقة العاملة أمر حساس جداً، وقد خلق اضطرابات عمالية في بريطانيا دائماً.
وعن موقفي حزبي المحافظين والعمال بشأن فرض الرسوم والضرائب خلال وعودهما الانتخابية أو حال الفوز بالانتخابات، يوضح أن:
- حزب العمال يقول إنه لن تتم زيادة ضريبة الدخل أو معدلات التأمين الوطني إذا فاز في الانتخابات، بينما لم يتحدث رئيس الحزب إلا قليلاً عن الضرائب المرتبطة بالثروة، وهو ما يعكس أن الاعتداء على معاشات التقاعد والثروات قد يكون وشيكاً.
- بالنسبة لحزب المحافظين فقد تعهد بالفعل بالحفاظ على القفل الثلاثي (مصطلح يشير إلى عملية حسابية تُستخدم لتحديد مقدار ارتفاع معاش الدولة كل عام) إذا فاز في الانتخابات، وبالتالي ضمان ارتفاع معاشات التقاعد بنسبة أعلى من التضخم، أو نمو متوسط الدخل.
- حتى الآن لم يتطرق حزب العمال إلى ما إذا كان يعتزم نشر شبكة التأمين الوطني لتشمل المتقاعدين الذين يتلقون معاشاً تقاعدياً حكومياً.
- من المحتمل أن حزب العمال يخطط لإعادة فرض الحد الأقصى على المبلغ الذي يمكن للأفراد الأثرياء ادخاره داخل صندوق التقاعد دون تكبد رسوم ضريبية إضافية.
ويؤكد أنه تاريخيا من المعروف أن حزب المحافظين سجل تقدماً في إدارة المالية العامة للدولة، فيما يعد العمال نصيرا أكبر للطبقة العاملة.