نقل تقرير لصحيفة "الغارديان" البريطانية مجموعة من التحليلات الصادرة عن بنوك ومؤسسات مالية، بشأن توقعات تأثر الأسواق في بريطانيا حال فوز العمال في الانتخابات القادمة، مشيرين إلى أن ثمة قطاعات اقتصادية أساسية -من بينها البنوك- تراهن على فوز الحزب الذي يُعول عليه في استعادة ثقة الأسواق، بينما قطاعات أخرى ربما تتضرر من ذلك.

واستدل التقرير بالمذكرة الصادرة عن خبراء في بنك جيه بي مورغان الأميركي، قالوا إن فوز حزب العمال في الانتخابات سيكون بمثابة عامل إيجابي تماماً للأسواق المالية، وذلك في تحليل يسلط الضوء على جاذبية "البرنامج الوسطي" لكير ستارمر في لندن.

وكتب محللون بقيادة ميسلاف ماتيجكا، رئيس استراتيجية الأسهم العالمية في البنك، في مذكرة للعملاء، إن الأغلبية لحزب العمال ستفيد البنوك وشركات البناء ومحلات السوبر ماركت.

وإلى ذلك، قال محللون في بنك الاستثمار الياباني MUFG، إن فوز العمال سيكون "الأكثر إيجابية بالنسبة للجنيه الاسترليني"؛ لأنه سينهي عدم الاستقرار السياسي، ويزيد التوقعات بزيادة الإنفاق الحكومي، وربما يساعد في الدخول في علاقة أكثر إيجابية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، بعد خروج بريطانيا من الاتحاد.

أخبار ذات صلة

بيانات اقتصاد بريطانيا في أبريل تقصم آمال سوناك بالانتخابات
سوناك يعد الناخبين بتخفيض الضرائب وبـ"حلم امتلاك منزل"

وستارمر هو المرشح الأوفر حظا ليصبح رئيس وزراء المملكة المتحدة المقبل، وفقاً لاستطلاعات الرأي.

وكان التحول الذي شهده حزب العمال منذ الانتخابات العامة للعام 2019 ملحوظاً، بما في ذلك الإطاحة بالزعيم السابق جيريمي كوربين وتخفيف التزامات الإنفاق السابقة.

وفي السياق، يشار إلى أن أكثر من نصف المشاركين في استطلاع أجرته وكالة بلومبرغ نيوز، وعددهم 268، إن فوز حزب العمال سيكون أفضل نتيجة للجنيه الاسترليني.

كما كتب ديريك هالبيني ولي هاردمان، من بنك MUFG، الأسبوع الماضي أن خطط إنفاق حزب العمال "من غير المرجح أن تغذي مخاوف المستثمرين"، موضحاً أن من المرجح أن يتعلم الحزب درس حزب المحافظين تحت قيادة ليز تروس، التي تحولت رئاستها للوزراء بسرعة إلى الفوضى بعد أن شعرت الأسواق المالية بالخوف من التخفيضات الضريبية غير الممولة.

وانخفض الجنيه الإسترليني في ظل فترة تروس إلى أدنى مستوى له على الإطلاق مقابل الولايات المتحدة عند 1.0327 دولار، مقارنة بـ 1.27 دولار مطلع الأسبوع الجاري.

وعود العمال

ووعد حزب العمال بالالتزام بالقواعد المالية، بما في ذلك عدم الاقتراض لتغطية الإنفاق الحكومي، وخفض صافي الدين العام كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي على مدى فترة خمس سنوات متوقعة.

لكن كتب هالبيني وهاردمان، تعليقاً على ذلك: "لا يوجد تطور جريء هنا، ولا يوجد تحول في الأطر المالية.. يلتزم حزب العمال بشكل أساسي بنفس القيود المالية المعمول بها الآن".

أخبار ذات صلة

معدل البطالة يرتفع في بريطانيا إلى 4,4% خلال أبريل
بريطانيا.. تحذيرات من فجوة مالية أو العودة إلى التقشف

وكتب ماثيو رايان، رئيس استراتيجية السوق في شركة إيبوري للخدمات المالية، أن احتمال تشكيل حكومة حزب العمال في الواقع يعزز الجنيه الاسترليني مقارنة باليورو، الذي تضرر من عدم اليقين بشأن حجم قوة اليمين المتطرف.

وبشكل عام، يفضل الاستراتيجيون في بنك جيه بي مورغان مؤشر أسهم FTSE 250 الذي يركز على السوق المحلية للشركات متوسطة الحجم المدرجة في لندن على مؤشر FTSE 100 للأسهم الممتازة، الذي يركز أكثر على المستوى الدولي.

ووفق التقرير، فإن الحكم الذي أصدره جيه بي مورغان على حزب العمال الذي ينتمي إليه ستارمر يتناقض بشكل صارخ مع معارضته لسياسات كوربين، بما في ذلك تأميم عديد من الصناعات. ففي العام 2019، قال بنك جيه بي مورغان إن حكومة حزب العمال "ستثقل كاهل" المستثمرين الأجانب.

ومع ذلك، لن ترحب جميع الشركات الكبرى بحكومة حزب العمال في العام 2024، حسبما قال جيه بي مورغان، مستشهدا بالتأميم الموعود لشبكة القطارات ومقترحات زيادة الضرائب على شركات الطاقة.

ومن المرجح أيضاً أن تواجه شركات المياه تنظيماً متزايداً، لكن المرافق الأخرى يمكن أن تستفيد من الإنفاق على البنية التحتية ذات صافي الطاقة الصفرية.

فرص وتحديات

 من لندن، أكد خبير اقتصاديات الطاقة، نهاد إسماعيل، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن حزب العمال سيرث الفرص والتحديات والأزمات التي تواجه الاقتصاد البريطاني، مشيراً إلى أن العنصر الهام في هذا السياق أن حزب العمال في العام 2024 ليس حزب العمال في التسعينات وما قبل ذلك.

وفسر إسماعيل ذلك بقوله: "التغيير الحاصل أن حزب العمال بقيادة كير ستارمر أقل أيديولوجية وأكثر براغماتية.. ويحمل أجندة داعمة لقطاع المال الأعمال والشركات.. ولكن التحدي الكبير يتمثل في إصلاح الفشل الاقتصادي الذي عانته بريطانيا تحت حكم المحافظين منذ العام 2010 حتى الآن".

 لذا يجب القول إن الاقتصاد البريطاني واجه أزمات وتحديات وكذلك سوء إدارة منذ وصول المحافظين لسدة الحكم عام 2010، لا سيما وأن "بريطانيا الأن الأقل نجاحاً في مجموعة السبعة حسب تقديرات صندوق النقد الدولي".

ورصد الخبير الاقتصادي ما وصفه بـ "الأخطاء التي ارتكبها حزب المحافظين منذ توليه دفة الحكم في بريطانيا" على النحو التالي:

  • الخروج من الاتحاد الأوروبي: منذ الاستفتاء على الخروج أو البقاء في الاتحاد الاوروبي بدأ الاستثمار الخارجي يجف بسبب حالة عدم اليقين.. قبل ذلك جذبت بريطانيا استثمارات أوروبية وآسيوية من شركات يابانية وصينية، ولندن كانت مركزاً عالمياً للمال والأعمال وسوق مالية هامة تضاهي نيويورك وشنغهاي وطوكيو.
  • خسرت بريطانيا أهم شريك تجاري في العالم وهو الاتحاد الأوروبي (..).
  • ارتفعت المديونية الوطنية لمستويات مرتفعة وقياسية (..).

وتحدث إسماعيل في الوقت نفسه عن الإشكالات التي واجهتها معدلات النمو في بريطانيا في عهد المحافظين (..) لافتاً إلى أنه من أهم عناوين أجندة حزب العمال هو تحقيق نمو اقتصادي، فبدون نمو اقتصادي سيكون من الصعب تمويل الخدمات العامة من صحة وتعليم دون فرض ضرائب إضافية.

أخبار ذات صلة

رهانات على المتقاعدين.. هل تحسم الانتخابات البريطانية؟
تاريخيا.. كيف تؤثر انتخابات بريطانيا على سوق الأسهم؟

وفيما يخص ملف التضخم، قال: "من النجاحات القليلة التي حققها حزب المحافظين كان هبوط التضخم من 11.1 بالمئة عندما حل ريشي سوناك محل ليز تروس في نوفمبر 2022 إلى 2.3 بالمئة في شهر مايو ولكن ثمن ذلك هو ارتفاع أسعار الفائدة الى 5.25 بالمئة الأمر الذي أضاف عبءً ثقيلًا على المقترضين الذين اقترضوا لشراء شقة أو منزل.

أمراض الاقتصاد البريطاني

وشدد الخبير الاقتصادي على أنه ليس من العدل  وضع  كل اللوم على المحافظين لكل أمراض الاقتصاد البريطاني لعدة أسباب:

  • وباء كوفيد 19 الذي أدى إلى إغلاق الاقتصاد البريطاني، وتزايد إنفاق الحكومة لدعم الشركات والموظفين خلال عامين.
  • قامت الحكومة بدعم العائلات أثناء أزمة الطاقة وارتفاع أسعار الكهرباء والغاز وارتفاع غير مسبوق لأسعار المواد الغذائية بسبب اضطراب سلاسل التوريد كنتيجة مباشرة للحرب في أوكرانيا والعقوبات التي فرضتها مجموعة السبعة على الاقتصاد الروسي وقطاع الطاقة على الأخص.
  • بريطانيا تجاوزت هذه الأزمات لكن الاقتصاد لا يزال يعاني، إذ توجد أزمات تتعلق بالهجرة غير الشرعية وأزمة إسكان، علاوة على الضغوط على قطاع الصحة والنمو البطيء للأجور والرواتب وكل هذه الأمور والتي ستدفع الناخب للعزوف عن تأييد المحافظين في الانتخابات أوائل الشهر المقبل.

وذكر إسماعيل أن حزب العمال حال فوزه سيكون له سياسة خاصة تقوم في الأساس على البقاء في أوروبا، لافتاً إلى أن هناك مؤشرات بأن حزب العمال سيحسن العلاقة مع أوروبا وهذا سيخدم الاقتصاد البريطاني إيجابيا.

كما أوضح أن الحزب طرح أجندة طموحة للاقتصاد تشمل (تنشيط القطاع العقاري، وعلاقة تجارية أفضل مع أوروبا، والاستمرار في سياسة مكافحة التضخم والسعي لتخفيض أسعار الفائدة، تبني سياسة الاقتصاد الأخضر والطاقة النظيفة) وكل هذه الإشارات الإيجابية ترحب بها الأسواق، ولذلك لا يوجد مخاوف أن أسعار الأسهم والاستثمار في الأسهم سيتراجع.

وتوقع أنه إذا نجح الحزب في الانتخابات كما هو متوقع وانتهت حالة عدم اليقين واستقرت الأوضاع السياسية "سنرى انتعاشا في الاقتصاد، وارتفاعاً في قيمة الجنيه الاسترليني، علاوة على العمل على جذب الاستثمارات الخارجية، والتوصل إلى اتفاق تجارة حر مع الولايات المتحدة، وكل هذا سيساعد الأسواق ويسهم في عودة الثقة).

تأثير سلبي

في المقابل، يرى الرئيس التنفيذي في مركز كوروم للدراسات الاستراتيجية، طارق الرفاعي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن فوز حزب العمال البريطاني في الانتخابات سيكون له أثر سلبي على الاقتصاد البريطاني؛ نظراً لسياسته التي ستضر بالسوق البريطانية.

وبرر الرفاعي السبب في تبينه لهذا الرأي، على النحو التالي:

  • حزب العمال ليس من أولوياتهم خفض عجز موازنة الحكومة البريطانية.
  • سيفرضون ضرائب جمة على الشركات والأفراد وهو ما سينعكس سلبا على الاقتصاد الكلي لبريطانيا في نهاية المطاف.

واستنادا على استطلاعات الرأي من المتوقع أن يفوز حزب العمال البريطاني بالانتخابات العامة الشهر المقبل.

صوت الطبقة العاملة

فيما قال المحلل الاقتصادي بصحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، الدكتور أنور القاسم، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن هدف حزب العمال في بداية تأسيسه كان التعبير عن صوت الطبقة العاملة وإسماعه، وتمكين تلك الطبقة من التمثيل في البرلمان، وقد نجح الحزب للمرة الأولى في قيادة الحكومة في العام 1924، ونجح في تحقيق منجزات لافتة ومهمة في الأربعينيات، تضمنت على سبيل المثال إنشاء خدمة الصحة العمومية، فضلاً عن وضع أسس دولة الرفاهية.

وأضاف القاسم أن حزب العمال يسعى إلى تقديم رؤى اقتصادية تقنع المواطن البريطاني، تتضمن تلك الرؤى مجموعة من الإجراءات الهادفة لدعم معدلات النمو، علاوة على توفير المزيد من فرص العمل، في خط متوازٍ مع الحفاظ على وضعية الاستقرار المالي بالبلاد، وكذلك عدم الإفراط في الإنفاق (لتجنب مزيد من الضغوطات على المالية العامة)، وذلك جنباً إلى جنب والتعامل بإيجابية مع قضايا رئيسية تهم المواطن البريطاني؛ من أهمها ما يرتبط بالرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية.

وواصل المحلل الاقتصادي، حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، مشدداً على أن حزب العمال في محاولة منه لكسب دعم النقابات، يدرس عدداً من الأمور، من بينها خفض سن التقاعد لعمال الإسعاف على سبيل المثال، وذلك كوسيلة لتعزيز التوظيف في هذا القطاع الحيوي، كما أن الحزب يعمل على تهيئة الطريق من أجل اتخاذ إجراءات مماثلة لصالح عمال الخدمة الصحية الآخرين.. كذلك هنالك وعود يقدمها الحزب فيما يتعلق بحقوق العمال، وزيادة أعداد المعلمين، والسيطرة على الهجرة.

واستطرد القاسم: "مع ذلك، يبدو أن حزب العمال يتبنى نهجاً حذراً في هذه المسائل؛ خشية التداعيات المالية والسياسية لإلغاء هذه القيود في الوقت الحالي"، مؤكداً على أن المعضلة الأكبر التي تواجه الحزب حالياً تتمثل في عدم ثقة الأسواق ورجال المال في الحكومات العمالية؛ ذلك أنهم يرون أن تلك الحكومات عادة ما تلجأ إلى الحلول "الاشتراكية" لمعالجة الأزمات المالية عبر فرض الضرائب خصوصاً.

 وشدد على أن منظري الحزب هذه المرة يرون أن اقتصاد بريطانيا يحتاج إلى نموذج جديد للإدارة الاقتصادية يسترشد بثلاث ضرورات أساسية، تتمثل في (الاستقرار السياسي، وتحفيز الاستثمار من خلال الشراكة مع قطاع الأعمال، وعدد من الإصلاحات من شأنها إطلاق العنان لزيادة الإنتاجية).

وأضاف المحلل الاقتصادي: الحزب قد تعهدات بأن يدعم العمال والأعمال التجارية على حد سواء بعدما حظي بتأييد 120 من كبار الشخصيات في عالم المال والأعمال في وقت يحاول الإطاحة بالمحافظين في الانتخابات العامة المقبلة".

ياسين يستبعد أن يأتي "العمال البريطاني" بخطة اقتصادية جديدة