ارتفعت أسعار القهوة العالمية إلى مستويات قياسية، بسبب الظروف الجوية السيئة التي أدت إلى تعطيل المحاصيل، مما أدى إلى ارتفاع التكاليف بالنسبة للمستهلكين ودفع "المحمصين" إلى إضافة حبوب أقل تكلفة إلى خلطاتهم.
بحسب تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية ارتفعت أسعار حبوب الروبوستا، المستخدمة في القهوة سريعة التحضير، وأصناف أرابيكا الأعلى جودة في الأشهر الأخيرة. ووصلت العقود الآجلة لحبوب الروبوستا في لندن، وهي المعيار العالمي، إلى مستوى قياسي بلغ 4971 دولارا للطن الأسبوع الماضي.
كذلك ارتفعت العقود الآجلة لحبوب أرابيكا المتداولة في نيويورك إلى 2.49 دولار للرطل، وهو ما يقترب من أعلى مستوياتها منذ عقود.
ونقلت الصحيفة عن المؤسس المشارك لشركة تشاي، وهي شركة للتنبؤ بأسعار السلع الأساسية تستخدم الذكاء الاصطناعي، ستيف باتلر، تأكيده على أن الأسعار لم تصل إلى ذروتها بعد، وأن الارتفاع اجتذب المضاربين، الذين من المرجح أن يستمروا في زيادة رهاناتهم على استمرار ارتفاع الأسعار.
ضغوط تواجهها الشركات المنتجة
أوضحت الصحيفة أن شركات تحميص القهوة تتعرض إلى بعض الضغوط ما أثر على الأسعار وارتفاعها على نحو واسع.
- أثارت موجة البرد الأخيرة في البرازيل، التي تمثل ثلث إنتاج العالم من البن مخاوف من نقص المعروض.
- يأتي الطقس البارد في البرازيل بعد شهور من الجفاف في فيتنام، من أكبر منتجي البن في العالم، مما دفع الإمدادات العالمية من حبوب البن إلى النقص للعام الرابع على التوالي.
وتفرض تكاليف الشحن المتزايدة ضغوطا أيضا على السوق، فقد أجبرت الهجمات التي يشنها الحوثيون في البحر الأحمر منذ نوفمبر السفن المسافرة بين آسيا وأوروبا على اتخاذ الطريق الأطول حول رأس الرجاء الصالح بدلا من المرور عبر قناة السويس.
وقالت آنا مانز المديرة المالية لشركة نستله، للمستثمرين في يوليو، إن تكاليف المدخلات من القهوة والكاكاو من شأنها أن تفرض ضغوطاً على هوامش ربح شركة الأغذية العملاقة خلال الأشهر الستة المقبلة.
وأشارت الصحيفة إلى أنه وفقًا لمجموعة المستهلكين Assoutenti فإن هذه التكاليف تنتقل أيضًا إلى المستهلكين، ففي إيطاليا، لم يعد بإمكان رواد المقاهي الاستمتاع بقهوة الإسبريسو الصباحية مقابل يورو واحد، وارتفع متوسط السعر في جميع مدن البلاد بنسبة 15 بالمئة منذ عام 2021 إلى 1.20 يورو هذا العام.
بدائل أقل تكلفة
ونقلت الصحيفة عن كبير محللي السلع الأساسية في BMI، تشارلز هارت، قوله إن المستهلكين لاحظوا تغيراً في الطعم، فعندما كانت أسعار أرابيكا مرتفعة، من منتصف عام 2021 حتى بداية عام 2023، وكانت إمدادات روبوستا وفيرة، بدأ المحمصون في إضافة المزيد من الحبوب الأرخص إلى خلطاتهم، وهو ما أدى بدوره إلى انخفاض المخزونات في فيتنام والبرازيل، وبالتالي وضع الأساس لزيادة أسعار القهوة في عام 2024.
والآن، وفي مواجهة تكاليف متصاعدة لكلا النوعين من الحبوب، يحاول منتجو حبوب البن حماية هوامش ربحهم المتقلصة من خلال الحصول على حبوب أرابيكا من منتجين أرخص، وخاصة البرازيل، وإضافة المزيد من أنواع الحبوب الأقل تكلفة إلى مخاليطهم.
ووفقًا للصحيفة، قالت المحللة المخضرمة في مجال القهوة، جودي جانز، عادة ما يكون الفارق بين نيويورك أرابيكا ولندن روبوستا ضيقاً فقط عندما تكون الأسعار منخفضة، أما الآن، ومع ارتفاع الأسعار، فإن المحمصين يستخدمون المزيد من حبوب البن منخفضة الجودة، ومعظمها من البرازيل.
وحسب باتلر، فإنه على الرغم من الضغوط التصاعدية على الأسعار، فإن سوق القهوة لا تزال ليست مثل سوق الكاكاو في وقت سابق من هذا العام.
وارتفعت أسعار المكون الرئيسي المستخدم في صناعة الشوكولاتة بشكل كبير، مما أدى إلى تقلبات حادة في السوق مع اندفاع صناديق التحوط والمضاربين الآخرين للخروج من الرهانات الخاسرة.
وأضاف بتلر أنه في حين لم تشهد أسعار القهوة تقلبات مماثلة حتى الآن، فإن الأسعار المرتفعة ستؤدي إلى معركة بين المتداولين الذين اتخذوا مراكز قصيرة في نهاية يونيو أو أوائل يوليو، عندما انخفضت السوق، وأولئك الذين راهنوا على أن الأسعار ستستمر في الارتفاع.
استمرار بالعجز
في السياق أرجع كبير محللي الأسواق في XTB MENA هاني أبو عاقلة، خلال حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، السبب وراء ارتفاع الأسعار غير المسبوق في القهوة إلى النقص في الإنتاج وتضرر المحاصيل بفعل الطقس كالجفاف في فترة الحصاد، فضلًا عن ظاهرة النينو التي أثرت على الإنتاج بشكل عام وكذلك انخفاض رقعته.
وقال إنه وفقا لأحدث التقارير فقد تأثرت فيتنام بشكل واضح في النصف الأول من العام الجاري بصورة كبيرة مقارنة بالنصف الأول من العام الماضي، مبتراجع بنحو 11.4 بالمئة في المعروض والإنتاج، مرجحاً أن ثمة احتمالية أن يشهد الموسم الجديد الذي يبدأ في نوفمبر إنتاجاً أقل مما هو عليه أيضاً.
كذلك توقع أن يستمر العجز بالإنتاج وسوق القهوة عموماً، مشيراً إلى أنه (العجز) كان في الموسم الماضي تقريباً يمثل 9 مليون كيس من القهوة، بينما الانخفاض المتوقع هذا العام 4.6 مليون كيس، حيث يبلغ وزن كل كيس من القهوة 60 كيلو غراماً.
وتوقع أيضاً أن يستمر هذا العجز لمدة أربعة سنوات متواصلة، بسبب الدافع الكبير لأسعار القهوة، مشيراً إلى أن أعلى سعر للقهوة وصل إلى 260 دولار للرطل، وأن أساسيات السوق الآن تدعم بصورة كبيرة اختراق هذا السعر والصعود في الفترة المقبلة.
تغير المناخ
وفي السياق ذاته، أرجع الخبير في شؤون المناخ، حمدي حشاد، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، السبب وراء ارتفاع سعر القهوة وبالأخص الروبوستا في السوق العالمية إلى عدة عوامل، من بينها:
- تعرض المرتفعات البرازيلية إلى موجة برد أثرت على الإنتاج بالتراجع.
- الظروف المناخية السيئة في الدول المنتجة في مقدمتها فيتنام وإندونيسيا ما تسبب في تراجع الإنتاج وهو ما انعكس على الأسعار والكميات المعروضة.
- ثمة بعض الصعوبات الأخرى كمواجهة شجيرات البن أمراض فطرية ناتجة عن تغير الطقس بتغير الرطوبة ودرجات الحرارة، وهو ما أثر على إنتاجية البن واستقرارها.
وأفاد بأن بعض الشركات الكبرى منها نستله على سبيل المثال وهي أكبر شركة للأغذية والمشروبات على مستوى العالم، وضعت برامج واستثمارات لحماية زراعة البن ضد تغيرات المناخ؛ وقد رصدت بعض المساعدات المالية للمنتجين لتشجيعهم على استخدام أساليب زراعة أكثر استدامة، لافتًا إلى أن هناك شركات أخرى سارت على نفس الطريق لمساعدة صغار المنتجين لأنهم هم الموردون الأساسيون، وأي تراجع بالإنتاج من شأنه أن يؤثر على تلك الشركات وأرباحها في المرحلة المقبلة.
واستبعد أن تتراجع الأسعار عما هي عليه الآن معللًا ذلك بأن الطلب على القهوة قد يرتفع في حين أن الكميات المتوفرة أقل، وبمبدأ العرض والطلب فإن هناك إشكالية وأزمة منتظرة لأسعار القهوة مستقبلا، فمن المتوقع ارتفاعها بكثير عما هي عليه الآن. وقال إن هناك توجهاً نحو استخدام بدائل لمواجهة التكلفة المرتفعة مثل استعمال الشيكوريا كبديل للقهوة.