من منا لا يحب الشوكولاتة؟ هذه السلعة لذيذة المذاق التي تمنحنا السعادة والطاقة، وتحتوي على عديد من الفوائد الصحية.
غير أن الشوكولاتة التي تصنع من حبوب الكاكاو، أضحت تدفع جزءًا من ضريبة تغير المناخ ضمن فاتورة باهظة يتكبدها الاقتصاد العالمي جراء ذلك.
فمع التغيرات المناخية من ارتفاع معدلات الاحتباس الحراري وتغير نظام هطول الأمطار، تأثر هذا النبات الاستوائي، الذي يحتاج إلى ظروف معينة من الحرارة والرطوبة والأمطار لكي ينمو ويثمر، الأمر الذي خفض إنتاجية محصول الكاكاو وقلل كذلك من جودته في بعض المناطق.
كل هذا جعل من المرجح أن يكون لتغير المناخ مزيد من التأثيرات القاسية على إنتاج الكاكاو، الأمر الذي ينعكس بدوره على صناعة الشوكولاتة لتصبح أكثر تكلفة وأقل وفرة في المستقبل، ومن ثم تسجل أسعارها مستويات قياسية.
ووفقًا لبعض الدراسات، فإن الظروف المناخية المناسبة لزراعة الكاكاو ستتقلص بشكل كبير بحلول العام 2050، بسبب التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة والجفاف؛ مما يهدد مستقبل هذا المحصول وصناعة الشيكولاتة المعتمدة عليه.
يؤكد ذلك رئيس أبحاث سوق السلع الزراعية في رابوبانك ومقره هولندا، كارلوس ميرا، في التصريحات التي نقلتها عنه شبكة CNBC، مشيراً إلى أنه "يمكن القول بأن ظاهرة النينيو تحب الحلويات لأنها تأكل أو تزيل الكثير من السكر في العالم"، مشدداً على أنه "من المحتمل أن أسعار السكر قد انتقلت بالفعل إلى المستهلكين، لكن من المؤكد أنه بالنسبة للشوكولاتة يجب أن نتوقع زيادة كبيرة على مستوى البيع بالتجزئة - ومن المؤكد أن ظاهرة النينيو هي شيء يجب مراقبته".
ظاهرة النينو
- ظاهرة النينيو، التي عادت في وقت سابق من هذا العام، هي نمط مناخي طبيعي يحدث عندما ترتفع درجات حرارة البحر في شرق المحيط الهادئ بمقدار 0.5 درجة مئوية فوق المتوسط على المدى الطويل. ويمكن لذلك تمهيد الطريق لمزيد من العواصف وحالات الجفاف.
- تميل تأثيرات ظاهرة النينيو إلى الوصول إلى ذروتها خلال شهر ديسمبر الجاري، إلا أن تأثيرها عادة ما يستغرق وقتًا لينتشر في جميع أنحاء العالم.
- هذا التأثير المتأخر هو السبب وراء اعتقاد المتنبئين بأن العام 2024 قد يكون العام الأول الذي تتجاوز فيه البشرية عتبة الاحتباس الحراري الحرجة.
ولقد أدى الجفاف المرتبط بظاهرة النينيو في معظم أنحاء جنوب شرق آسيا والهند وأستراليا وأجزاء من إفريقيا إلى دعم ارتفاع أسعار السلع الأساسية الخفيفة مثل السكر والقهوة والكاكاو هذا العام، بحسب رابوبنك، في توقعاته السنوية للعام 2024.
يتوقع البنك الهولندي على نطاق واسع أن ينخفض التضخم العالمي في أسعار الغذاء بشكل حاد بعد سنوات من ارتفاع الأسعار.
فيما حذر من أن عديداً من المحاصيل يمكن أن تتأثر سلباً بظاهرة النينيو في أوائل العام المقبل، مع الاعتراف بإمكانية استفادة بعض المحاصيل، مستشهداً بتلك الموجودة في الولايات المتحدة وجنوب البرازيل والأرجنتين.
الكاكاو
الكاكو من بين أبرز المحاصيل الأكثر تأثراً بتغير المناخ عموماً. وهناك ثلاثة عوامل مناخية تؤثر على زراعة الكاكاو، وتنعكس على إنتاجية وجودة واستدامة زراعته، وبالتالي على تكاليف صناعة الشيكولاتة، وهذه العوامل هي:
- درجة الحرارة: تحتاج أشجار الكاكاو إلى درجة حرارة متوسطة تتراوح بين 24 و30 درجة مئوية، ولا تتحمل الحرارة الزائدة أو الانخفاض الحاد فيها. كما تتأثر بظاهرة النينيو التي ترفع درجة الحرارة وتؤدي إلى جفاف وحرائق في بعض المناطق.
- التربة: تفضل أشجار الكاكاو التربة الطينية الرملية ذات التصريف الجيد والخصوبة العالية والحموضة المنخفضة. وتتأثر الأشجار بالتربة المالحة أو المتدهورة أو الملوثة بالمبيدات أو المعادن الثقيلة.
- الأمطار: تحتاج أشجار الكاكاو إلى هطول أمطار سنوي يتراوح بين 1000 و2000 ملم، ويفضل أن تكون موزعة بالتساوي على مدار العام. وتتأثر الأشجار سلبا بالجفاف أو الفيضانات أو الرياح القوية التي تسبب تساقط الأزهار والثمار.
وفي هذا السياق، يؤكد الخبير البيئي، تحسين شعلة، في حديث خاص مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن التغيرات المناخية تلعب دورًا محوريًا خلال الأيام الحالية فى التأثير على إنتاج الكثير من المحاصيل ومنها المحاصيل الاستراتيجية؛ نظرا للتغير الجذري للمناخ؛ مما يؤثر على طبيعة النمو والإنتاج، بل قد يؤدي إلى القضاء على تلك المحاصيل في بعض الدول وإعادة الخريطة الزراعية في أنحاء العالم كافة.
ويحذّر الخبير البيئي، في حديثه، من أن هناك بعض المحاصيل قد تختفي بالفعل في مناطق وتعود للظهور في مناطق أخرى؛ نظرًا للخلل الناتج عن التغيرات المناخية.
التغيرات المناخية
ويضيف بأنه في ظل التغيرات المناخية والاحتباس الحراري فإن إنتاج الكاكاو سينخفض إلى 65 بالمئة وقد يؤدي مستقبلا إلى عدم صلاحية إنتاج الكاكاو في تلك المناطق واندثاره، وبالتبعية اختفاء صناعة الشكولاته وانعدامها نهائيًا بحلول عام 2050؛ نظرًا لعدم وجود ظروف مناخية مماثلة لإنتاج الكاكاو مثلما توجد في غرب إفريقيا.
ويتوقع أن تصبح حبوب الكاكاو أقل وفرة خلال الفترات المقبلة؛ بسبب ارتفاع درجات الحرارة الناتج عن ظاهرة الاحتباس الحراري، وانخفاض المياه المتاحة؛ نظرًا لزيادة معدل التبخير، حيث من المتوقع ارتفاع درجات الحرارة في الدول الإفريقية وغرب القارة تحديداً خصوصا غانا وساحل العاج بمقدار يزيد عن درجتين مئويتين بحلول عام 2050.
قفز سعر الكاكاو، وهو مكون حيوي للشوكولاتة، بنسبة 64 بالمئة هذا العام ليصل إلى أعلى مستوياته منذ 46 عامًا مع انخفاض إمدادات غرب إفريقيا. تتضرر تلك المنطقة بشدة من الأمطار الغزيرة ووسط مشاكل مثل الأمراض الفطرية.
الشوكولاتة ليست الوحيدة التي تدفع الفاتورة، فثمة عديد من المحاصيل التي من المحتمل أن تشهد مزيداً من ارتفاعات الأسعار على وقع ظاهرة النينو، من بينها محاصيل الحمضيات، والتي تعرضت للتدمير على سبيل المثال في فلوريدا.
ويذهب الخبير البيئي إلى أنه نتيجة لتلك التغيرات المناخية فإن القيمة الإنتاجية لثمار الكاكاو قد تنخفض بنسبة تتعدى 65 بالمئة، إضافة إلى انخفاض جودة الكاكاو المنتج، وبذلك فإن الشوكولاتة عالية الجودة ستكون أقل وفرة في المستقبل وباهظة الثمن.
إفريقيا
ويشير إلى أن إنتاج ثمار الكاكاو يتركز في غرب إفريقيا؛ نظرا للطبيعة المناخية المميزة في تلك المنطقة والتي تمثل أكثر من 70 بالمئة من الإنتاج العالمي، 55 بالمئة منها في ساحل العاج وغانا، وفي ظل التغيرات المناخية سيؤدى ذلك إلى انخفاض حاد فى الإنتاج قد يصل إلى أقل 35-40 بالمئة، الأمر الذي سيكون له مردود سلبي على إنتاج الشوكولاتة وجودتها.
ويرى أنه لهذه الأسباب ستواجه الشوكولاتة مشكلة نتيجة عدم توفر المادة الخام لها، ما قد ينذر بارتفاع أسعار الشوكولاتة خلال الفترات القريبة المقبلة.
أسعار السكر
وارتفعت أسعار السكر بنسبة 13 بالمئة في 2023، وهو ما يعني أن محبي الحلوى على موعد مع تكاليف إضافية واسعة خلال العام الجديد، في ظل تنامي تأثيرات النينو.
وتبعاً لتقارير رابوبنك، فإن هناك علاقة واضحة للغاية بين ظاهرة النينيو وارتفاع أسعار السكر لأن نمط الطقس يميل إلى جعل الظروف في الدول الرئيسية المصدرة للسكر مثل تايلاند والهند وأستراليا أكثر جفافا من المعتاد.
وبالنسبة للكاكاو، قال ميرا من رابوبانك إن تأثير ظاهرة النينيو من المرجح أن يكون أضعف بكثير، لا سيما أن آليات سوق الكاكاو تعني أن ارتفاع أسعار الشوكولاتة من غير المرجح أن يؤدي إلى إضعاف الطلب على الفور أو حتى تحفيز الإنتاج.
وأفاد رئيس أبحاث سوق السلع الزراعية في رابوبانك، وفق تقرير CNBC، بأن صناعة الكاكاو تتميز بالكثير من البيع الآجل، ويرجع ذلك جزئيا إلى كيفية تداول الكاكاو في ساحل العاج وغانا، في إشارة إلى أكبر منتجين للكاكاو في العالم "على سبيل المثال، يميلون إلى بيع المحصول قبل عام من موعده.. هذا يعني أن الشوكولاتة التي تشتريها من السوبر ماركت ربما تم شراؤها بسعر أقل بكثير قبل عام"، مضيفاً: "أنا مندهش من ارتفاع أسعار الكاكاو إلى هذا الحد، وهو ما لم يشعر به المستهلكون حتى الآن.. سيكون - سيتم تمرير هذه التكلفة إلى المستهلكين في وقت ما في عام 2024".
حلول التكيف
وبالعودة لحديث الشعلة، فإنه يتحدث عن الحلول الجذرية لمواجهة الأضرار الناتجة عن تأثير درجات الحرارة العالية والجفاف وتبخير الماء والعواصف الشديدة، مشيراً إلى أن فريقا بحثياً أميركيا قام باستخدام تقنية "الكريسبر" للتعديل الجيني، بهدف إنتاج أصناف كاكاو مقاومة للظروف المناخية المختلفة مثل ارتفاع درجات الحرارة والجفاف.
ويشدّد الخبير البيئي على أنه يتعين على جميع دول العالم الاعتماد على نظام زراعي يتم من خلاله الاتحاد لإنتاج أصناف مقاومة للظروف غير الطبيعية باستخدام التقنيات التكنولوجية الحديثة ونظم التربية. الأمر الذي سيكون له دور مهم في الحفاظ على الأصول الوراثية للكثير من النباتات، وتقليل الخسائر الاقتصادية الناتجة عنها.