حقق مؤشر نيكي للأسهم اليابانية زخماً واسعاً بالأسواق الآسيوية، بعد تخطيه المستوى البالغ 40 ألف نقطة للمرة الأولى على الإطلاق في مستهل تعاملات هذا الأسبوع.
وتأتي تلك المستويات بدعمٍ من عمليات إصلاح حوكمة الشركات بالبلاد، وما يجرى من تقييمات قوية وبما يدفع لاجتذاب اهتمام مستثمرين من حول العالم على المدى الطويل.
- تصدرت أسهم شركات التكنولوجيا، التي كانت المحرك الرئيسي لارتفاع الأسهم على مدار العام الماضي، قائمة الأفضل أداء اليوم، ومن بينها شركة أدفانتست كورب (Advantest Corp).
- استعاد مؤشر نيكي قمته التاريخية التي بلغها في عام 1989 الشهر الماضي مع تدفق المستثمرين من جميع أنحاء العالم إلى أكبر الشركات اليابانية بسبب تحسن عوائد المساهمين، وضعف الين وأرباح الشركات المزدهرة.
فما هي أبرز الاتجاهات المرتقبة للمؤشر الياباني؟ وهل يستطيع مواصلة الزخم بدعم من الإجراءات الاقتصادية المحلية؟ وكيف يعبر وينعكس ذلك على أداء الاقتصاد بالبلاد؟
الأسباب وراء المكاسب القياسية
يرى كبير استراتيجيي الأسواق لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في BDSwiss مازن سلهب، أنه لا شك بأن مكاسب مؤشر نيكي225 الياباني كانت الأفضل بين الاقتصادات المتقدمة بمكاسب وصلت 19.8 في المئة في 2024، متفوقاً على داو جونز 2.3 بالمئة، وعلى ناسداك 6.3 بالمئة، وداكس الألماني 5.6 بالمئة وفوتسي البريطاني الذي لايزال متراجعاً -0.77 بالمئة خلال العام الجاري 2024.
ويضيف: المكاسب القياسية في مؤشر نيكي التي دفعته لاختراق مستويات 40 ألف نقطة في مستوى تاريخي قياسي، كانت مدفوعةً بعدة أسباب ممثلة في:
- التدفقات الأجنبية على الأسهم اليابانية.
- أرباح الشركات ونتائجها.
- تراجع الين بنسبة -6 بالمئة في 2024 مقابل الدولار الأميركي.
- الأداء القوي في شركات تصنيع الرقائق اليابانية مع الإصلاحات في حوكمة الشركات اليابانية.
ويتابع سلهب: من الواضح أن سلوك المستثمرين واعتمادهم على الأساسيات الاقتصادية قد يدفع المزيد من المكاسب في المرحلة المقبلة، ولكن ذلك سيكون مشروطاً بعاملين أساسيين حسب اعتقادنا:
- الأول أن يبقى الين ضعيفاً نسبياً دون حدوث قفزة قوية وخاصةً في حال حدوث رفع الفائدة.
- الثاني ألا تصبح الأسهم اليابانية مرتفعة الثمن نسبياً بمعايير أساسية "العائد على السهم"، وكذلك نسبة سعر السهم إلى الأرباح التي لاتزال منخفضة نسبياً قياساً بفقاعة ثمانينات القرن الماضي في الأسهم اليابانية/ والتي انتهت مع نهاية عقد الثمانينات لتدخل اليابان من بعدها في ركود قاسي.
ويشير إلى أن "عودة التضخم الياباني للارتفاع أكثر من 2 بالمئة كما حدث في شهر فبراير الماضي ليس عاملاً إيجابياً، لأن استمراره قد يجبر بنك اليابان على رفع الفائدة وهذا سيكون له تأثير سلبي على الأسهم لكنه قصير الأجل، مردفاً: ما نعتقده أن شراء الأسهم اليابانية قد يستمر ولكن ببطء في الأشهر القادمة وخاصةً في قطاعات التكنولوجيا المتقدمة والبنوك والشركات المالية.
بنك اليابان قد يغير اللعبة
من جانبه، يقول محلل أول أسواق المال في مجموعة إكويتي، أحمد عزام، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن البيئة الإيجابية في أسواق الأسهم اليابانية تطغى حالياً، لكن هناك مجالاً إلى بعض التصحيح في المستقبل القريب عندما يشرع بنك اليابان بالخروج من سياسته النقدية التسهيلية.
وكان بنك اليابان في آخر اجتماعاته، قد أبقى على أسعار الفائدة لليلة واحدة عند سالب 0.1 بالمئة في اجتماع السياسة في يناير الماضي.
ولم يقدم محافظ البنك، كازو أويدا، سوى القليل من التلميحات حول الموعد الذي قد يرفع فيه أسعار الفائدة لأول مرة منذ العام 2007.
توقعات إيجابية
ويضيف عزام: الأوضاع الحالية، وعلى الأقل في الشهر الجاري، وإلى حين اجتماع بنك اليابان القادم، قد تستمر على ذلك النسق الإيجابي، بدعم من عدة عوامل وهي:
- المكاسب المستمرة في صناعة الرقائق وسط توقعات بأن الذكاء الاصطناعي سيقود طفرة الطلب في الأشهر المقبلة.
- سوق الأسهم اليابانية تستفيد بشكل متواصل في هذه الفترة من ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي لليابان بالقيمة الدولارية من 3.1 إلى 4.2 تريليون دولار. وهذا يشير إلى أن سوق الأسهم تتماشى مع النمو الاقتصادي الأوسع. وأن الأسواق الأسهم تتحرك بشكل مدفوع من النمو الاقتصادي.
- المستثمرون متفائلون مع ارتفاع أرباح الشركات في الربع الأخير من العام 2023 بنسبة 45 بالمئة على أساس سنوي، بالإضافة إلى التفاؤل الحذر بأن اليابان قد تكون قادرة على عكس اتجاه الانكماش المسجل أخيراً.
- ارتفاع الأجور وسط سوق عمل أكثر صرامة أدى إلى تعزيز الثقة في الاقتصاد.
- الين الياباني الرخيص هو أحد أهم الأسباب في تدفق أموال المستثمرين الأجانب في أسواق الأسهم مستفيدين أيضاً من إصلاحات حوكمة الشركات التي عززت عوائد المساهمين.
وانخفض الين الياباني أكثر من 18 بالمئة في عامي 2022 و2023 مقابل الدولار، بينها نحو 7 بالمئة العام الماضي فقط، وذلك في جزء منه لأن البنك المركزي الياباني على عكس البنوك المركزية الكبرى الأخرى حافظ على أسعار فائدة سلبية.
وقد أدى تأييد وارن بافيت للأسهم اليابانية العام الماضي إلى تعزيز الثقة في بورصة طوكيو، كما دفعت المخاوف بشأن التباطؤ في الصين العديد من الصناديق إلى التحول إلى اليابان.
السر في المكاسب
هذا ما يؤكده عزام في معرض حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، ويقول: "يبدو أن اقتصاد الصين المتراجع بوتيرة متسارعة مع انهيار سوق العقارات وما نتج عنه من تراجعات داخلية في الاقتصاد، قد جعل التدفقات الخارجة من الأسواق الصينية تتجه نحو أسواق مثل اليابان مما أدى إلى زيادة السيولة في الأسواق اليابانية".
وتلقت أسهم قطاع التكنولوجيا الياباني دفعة مطلع الأسبوع من الارتفاع المستمر في أسهم شركات الذكاء الاصطناعي.
وارتفع سهم شركة أدفانتست لتصنيع معدات اختبار الرقائق، والتي تعتبر شركة إنفيديا الأميركية للذكاء الاصطناعي من عملائها، بنسبة 3.7 بالمئة.
وربح سهم شركة طوكيو إلكترون لتصنيع معدات صناعة الرقائق 2.4 بالمئة، وعزز سهما الشركتين بارتفاع نيكي 160 نقطة من إجمالي 198 نقطة زادها اليوم.
وسجل سهم شركة رينيساس إلكترونيكس لتصنيع أشباه الموصلات اليابانية أفضل أداء الاثنين بارتفاع 4.9 بالمئة.
وزاد سهم شركة جي.إس.آر الكبرى لتصنيع مقاومات الضوء المستخدمة في صناعة الرقائق 4.8 بالمئة بعدما أفاد تقرير إعلامي بأن صندوق الاستثمار الياباني المدعوم من الدولة يعتزم إطلاق عرض هذا الشهر لشراء الأسهم.
معدلات النمو
وواصل عزام: "بينما يعاني الاقتصاد الياباني بشكل عام من النمو الهزيل وسط تحديات هيكلية تشمل تقلص عدد السكان، رسمت القراءات الاقتصادية الرئيسية التي صدرت أخيراً صورة إيجابية للأسواق اليابانية. فقد ارتفع الإنفاق الرأسمالي الياباني بنسبة أكبر بكثير من المتوقع بلغت 16.4 بالمئة في الربع الرابع، متحديًا التباطؤ غير المتوقع في النمو الاقتصادي، مما أعطى انطباع بأن إنفاق الشركات مرنًا".
وحقق الاقتصاد الياباني نموا بنسبة 1.9 بالمئة العام الماضي، وفق ما أظهرت بيانات رسمية الخميس، إلا أن ألمانيا رغم ذلك تجاوزته لتصبح ثالث أكبر اقتصاد في العالم، ويعود ذلك بشكل أساسي إلى الانخفاض الحاد في قيمة الين.
وكان صندوق النقد الدولي توقع تراجع اليابان إلى المركز الرابع.
بلغ إجمالي الناتج المحلي الاسمي لليابان 4.2 تريليون دولار في العام الماضي، وهو ما يعادل حوالي 591 تريليون ينا، أما ألمانيا، فقد بلغ ناتجها المحلي 4.4 تريليون دولار، أو 4.5 تريليون يورو.
لكن عزام يردف قائلاً: "بينما دخل الاقتصاد الياباني رسمياً في مرحلة الركود التقني في الربع الرابع من 2023، متخلياً عن مكانته كثالث أكبر اقتصاد في العالم لصالح ألمانيا. ومع أنه لا يزال من المتوقع أن يرفع البنك المركزي أسعار الفائدة من المستويات السلبية بحلول شهر أبريل، فإنه لا يزال من المرجح أن يبقي الظروف النقدية تسهيلية إلى حد كبير، مما يوفر بيئة إيجابية للأسهم اليابانية مقارنة بأسواق الأسهم في الاقتصادات الكبرى والتي ستواجه فوائد أعلى من اليابان دون أدنى شك. مما قد يعطي أسواق الأسهم بعض التحركات الإيجابية إلى العرضية في الفترة المقبلة".
السيناريو السلبي
ويتطرق عزام إلى سيناريو سلبي آخر قد يفرض نفسه، قائلًا إنه بالرغم من أن السيناريو الإيجابي هو المسيطر وأن ارتفاع نيكي إلى مستويات مرتفعة جديدة يبقى وارداً، لكن يجب النظر إلى الجانب السلبي الممكن، فقد يكون السيناريو السيء والسلبي لأسواق الأسهم قادماً في وقت قريب لعدة أسباب:
- انغماس الاقتصاد الياباني في مرحلة الركود لفترة زمنية طويلة.
- تحول بنك اليابان من الحالة التسهيلية إلى الحالة التشددية.
- تخلى بنك اليابان عن السيطرة على منحنى العائد بشكل كامل.
ويؤكد عزام أن ذلك قد يدفع الأسواق اليابانية إلى أن تفقد جزءًا كبير من سيولتها ومن المرجح أن تشهد الأسواق اليابانية تدفقات ضخمة إلى الخارج. مما قد يعطي أسواق الأسهم اليابانية بعض عمليات التصحيح في شهر إبريل لو حدث ذلك.