على الرغم من أن موافقة الحكومة عن إجراء تخفيض على فواتير الطاقة في بريطانيا سبق إعلان رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك عن تنظيم الانتخابات العامة في الرابع من يوليو المقبل بفترة وجيزة، غير أن كل من حزبي المحافظين الحاكم والعمال المعارض سيستغل هذه الخطوة لحسابات انتخابية وينسب كل منها هذا الخفض له بحسب خبراء اقتصاد وطاقة.
وأعلنت الهيئة المنظمة للطاقة في بريطانيا "أوفغيم" الجمعة عن خفض فواتير المنازل اعتباراً من يوليو المقبل، بحيث ينخفض الحد الأقصى للفواتير لمعظم الأسر في المملكة المتحدة بنسبة سبعة بالمئة بسبب انخفاض تكاليف الجملة.
وسينخفض المبلغ السنوي المسموح أن تتقاضاه الشركات من الأسرة المتوسطة التي تستهلك الكهرباء والغاز في إنجلترا واسكتلندا وويلز من 1690 جنيهاً إسترلينيا إلى 1568 جنيها (1990 دولاراً) اعتباراً من الأول من يوليو.
سينخفض متوسط الفواتير بأكثر من 100 جنيه إسترليني، ومع ذلك، فإن الانخفاض قد يكون مؤقتاً، بل إن التوقعات تشير إلى أنها سترتفع مرة أخرى مع حلول فصل الشتاء وارتفاع تكاليف الغاز بالجملة، بحسب تقرير نشرته شبكة "سكاي نيوز البريطانية"، الذي أشار إلى أن الفواتير بعد التخفيض في يوليو لا تزال أكثر تكلفة من ذي قبل، أي قبل صدمة أسعار الطاقة، التي نتجت في المقام الأول عن الحرب الروسية الأوكرانية حيث كانت الفاتورة القياسية لمدة 12 شهراً تبلغ 1084 جنيهاً إسترلينياً.
ونقلت الشبكة البريطانية عن كلير موريارتي، الرئيس التنفيذي لمجموعة مة سيتيزنز أدفايس قولها: "إن انخفاض الحد الأقصى لأسعار الطاقة يخفض الفواتير قليلاً، لكن بياناتنا تخبرنا أن الملايين قد سقطوا في المنطقة الحمراء أو غير قادرين على تغطية تكاليفهم الأساسية كل شهر، لا يمكن للناس الاعتماد على أسعار الطاقة المنخفضة وحدها للهروب من المشكلات المالية التي يعانون منها. ولهذا السبب نحتاج إلى دعم أفضل لفاتورة الطاقة لأولئك الذين يكافحون حقاً من أجل إبقاء الأضواء مضاءة أو طهي وجبة ساخنة."
وقالت شركة الأبحاث "كورنوال إنسايت" إنها تتوقع أن الانخفاض المعلن قد يكون مؤقتاً إذ من المتوقع أن ترتفع الفاتورة النموذجية إلى 1762 جنيهاً إسترلينياً اعتباراً من أكتوبر وتظل حول هذا المستوى حتى نهاية مارس".
خفض تكاليف المعيشة
ومن لندن قال الدكتور ممدوح سلامة خبير الطاقة العالمي في حديثه لموقع اقتصاد سكاي نيوز عربية": "إن تخفيض فاتورة الطاقة بالنسبة للمستهلك البريطاني سيساعد إلى حد كبير في خفض تكلفة المعيشة التي يعاني منها، ويأتي هذا الخفض بعد فترة طويلة من ارتفاع التضخم المالي الذي أرهق البريطانيين وقلص من قدرتهم الشرائية، حتى أن بعض أصبحوا دون خط الفقر، ومن هنا تأتي موافقة الحكومة على خفض الفواتير في الوقت المناسب كبارقة أمل للمواطنين".
وأضاف: "كما يأتي هذا الخفض بالتزامن مع إقبال بريطانيا على انتخابات عامة في الرابع من يوليو المقبل، لكن السؤال الذي يراود المواطنون البريطانيون هو لماذا تُقدّم بريطانيا كما دول الاتحاد الأوروبي مئات مليارات الدولارات على شكل مساعدات اقتصادية وأسلحة إلى أوكرانيا في وقت ليس لديهم أي مصالح حيوية في هذا البلد؟، هذه الأموال يمكن أن تغدق على الشعب البريطاني لتحسين مستوى حياته، وبث الأمل في مستقبل والارتقاء بقدرتهم الشرائية".
الخفض مؤقت وأسعار الغاز مقبلة على ارتفاع كبير
من هذه الزاوية يرى خبير الطاقة العالمي أن خفض فاتورة الطاقة سيساعد المواطنين البريطانيين بالتأكيد لكنه يأتي نتيجة لانخفاض ملحوظ في أسعار الغاز وإلى حد ما النفط، لافتاً إلى أن هذا الخفض لن يدوم طويلاً لأن أسعار الغاز مقبلة على ارتفاع كبير جداً بسبب الطلب العالمي عليه وخصوصاً من جانب منطقة حوض المحيط الباسيفيكي وعلى رأسها الصين والأمر ينطبق كذلك ينطبق على النفط لأن الطلب عليه كبير جداً وأسعاره مقبلة على قفزة كبيرة على الرغم من تلاعب الولايات المتحدة السوق وبالأسعار.
استغلال فواتير الطاقة في الانتخابات
وأكد الدكتور سلامة أن الموافقة على إجراء خفض فاتورة الطاقة كانت سابقة للإعلان عن موعد الانتخابات العامة في بريطانيا وهذا بالتأكيد سيساعد إلى حد كبير في دعم حزب المحافظين بمحاولته للبقاء في الحكم، وكذلك ستساعد حزب العمال بالقول إنه هو الذي فرض أن يتم هذا الخفض لمساعدة المواطن البريطاني، بالطبع أياً من الحزبين سيدعي الفضل في ذلك لكن المهم هنا أن المواطن البريطاني سيستفيد من ذلك في المقام الأول والأخير بحسب تعبيره.
كما أرجع هذا الخفض إلى التحسن البسيط في وضع الاقتصاد البريطاني بعدما ما نما بنسبة 0.3 بالمئة وأردف: على الرغم من أن هذا النمو بطيء إلا أنه نمو تستطيع حكومة المحافظين أن تبلغ البريطانيين بأن سياساتها ناجحة خصوصاً أنهم نجحوا في خفض التضخم من 11 بالمئة إلى نحو 3 بالمئة الآن وهم يسعون إلى خفض التضخم إلى 2 بالمئة وهي نسبة مقبولة للاقتصاد البريطاني".
جهود مالية لكسب تأييد الناخبين
بدوره، قال الخبير الاقتصادي حسين القمزي في تصريح لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" "إن عملية تخفيض فواتير الطاقة في بريطانيا ذات هدف مزدوج. فهي من ناحية، تهدف إلى تقديم إغاثة سريعة للمواطنين الذين يواجهون تكاليف طاقة مرتفعة، خاصة في ظل أزمة تكاليف المعيشة المستمرة، حيث كانت الحكومة قد قامت بتدابير واسعة مسبقاً مثل خصم فواتير الطاقة وإعانات ضريبة المجلس، وكلها تهدف إلى مساعدة الأسر عبر مختلف مستويات الدخل".
وتابع القمزي: ومن ناحية أخرى فإن توقيت هذه الإجراءات يأتي بالتزامن مع الإعلان عن الانتخابات العامة في يوليو مما يشير إلى أنها قد تكون كذلك استراتيجية انتخابية محتملة، وقد تكون حكومة رئيس الوزراء ريشي سوناك تستخدم هذه الجهود المالية لكسب تأييد الناخبين قبل الانتخابات".
ضريبة الدخل تقلق الناخب أكثر من فاتورة الطاقة
من جهته، قال على حمودي الخبير الاقتصادي والرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في "ATA Global Horizons"، في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": يعني الحد الأقصى الجديد أن فاتورة الطاقة للأسرة النموذجية ستنخفض بمقدار 122 جنيهاً إسترلينياً سنوياً اعتباراً من شهر يوليو بموجب التخفيض الجديد، السقف الربع سنوي الجديد لإنكلترا وويلز واسكتلندا يعني أن الأسرة التي تستخدم كمية نموذجية/ متوسطة من الغاز والكهرباء ستدفع 1568 جنيهاً إسترلينياً سنوياً، وهذا يعني أن الفواتير ستكون الأدنى منذ عامين"
إن الحد الأقصى، الذي وضعته هيئة تنظيم الطاقة (Ofgem) وهي هيئة مستقلة، يحد من الحد الأقصى للسعر الذي يمكن تحصيله لكل وحدة من الغاز والكهرباء وليس إجمالي الفاتورة لذا عند استخدام الأسرة المزيد من الطاقة، فسوف تدفع المزيد، وهذا يؤثر هذا على فواتير الغاز والكهرباء لـ 28 مليون أسرة في إنكلترا وويلز واسكتلندا، بحسب تعبيره.
وعلى الرغم من أن هذا الخفض يمثل حافزاً للمستهلكين الذين يعانون من ضغوط شديدة، إلا أنه لا يزال يترك الفواتير أعلى بكثير من الحد الأقصى البالغ 1154 جنيهاً إسترلينياً الذي كان في صيف عام 2021، قبل أزمة الطاقة، وبدء أسعار الغاز بالجملة في الارتفاع بشكل حاد في عام 2021 وتصاعدها بعد الحرب الروسية الأوكرانية في شهر فبراير من عام 2022، طبقاً لما قاله حمودي.
وأوضح الخبير الاقتصادي حمودي "لذا فهي مساعدة للعديد من المستهلكين في المملكة المتحدة، لكن التضخم لا يزال مرتفعاً حيث زادت أسعار العديد من المنتجات الغذائية والخدمات ومن غير المرجح أن تعود إلى مستويات ما قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث إن انخفاض سعر صرف الجنيه مقابل الدولار الأميركي واليورو يجعل الواردات أكثر تكلفة بكثير حالياً".
لكن حمودي لا يعتبر أن فواتير أسعار الطاقة التي انخفضت بشكل كبير عما كانت عليه تقلق الناخب البريطاني بقدر موضوع تخفيض الضرائب المرتفعة وخصوصاً على ضريبة الدخل.
يشار إلى أن أسعار الغاز وصلت إلى أعلى مستوياتها في أربعة أشهر في وقت سابق من هذا الأسبوع بسبب المخاوف من أن روسيا قد توقف تدفقات الغاز إلى شركة النفط والغاز والبتروكيماويات النمساوية متعددة الجنسيات OMV وأن الصادرات الأميركية إلى أوروبا قد تتضرر بسبب قيام مقاول في محطة تكساس بتقديم طلب للحماية من الإفلاس، بحسب "سكاي نيوز البريطانية".