مع بدء بنك السودان المركزي تسليم المصارف الفئة الجديدة من العملات التي أعلن عن طباعتها مؤخرا، يتزايد الجدل حول التأثيرات الاقتصادية والسياسية المحتملة لهذه الخطوة، خصوصا في ظل توقف شبه كامل للنظام المصرفي في نحو 70 بالمئة من مناطق البلاد، مما سيجعل أكثر من ثلثي السكان غير قادرين على تغيير ما يملكون من عملات قديمة.
وكان البنك المركزي السوداني قد أعلن مطلع الأسبوع طرح فئتين جديدتين هما 500 جنيه وألف جنيه للتداول قريبا، وهي أكبر ورقة مالية متداولة، مع تغيير شكلها وزيادة تأمينها لتصعيب تزويرها، مع نية لتغيير باقي الفئات قريبا.
ويقول البنك المركزي إن غالب الأموال التي نهبت من المصارف والشركات ومنازل المواطنين من الفئات الكبيرة بعد اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، وبعض فئات العملة تقل قيمتها عن تكلفة طباعتها وسيتم تغييرها لاحقاً.
وفي ظل الشكوك في إمكانية نجاح الخطوة في امتصاص الكتلة النقدية السائبة بسبب فقدان البنك المركزي السيطرة على أكثر من 70 بالمئة من الخارطة الجغرافية للمصارف، يتخوف اقتصاديون من أن تؤدي الخطوة إلى إغراق الأسواق بسيولة زائدة قد تؤدي إلى المزيد الانفلات في أسعار الصرف، ورفع مستويات التضخم بشكل أكبر.
كما يحذر الاقتصاديون من خطورة التقسيم الاقتصادي الذي قد تقود إليه الخطوة، في ظل سيطرة قوات الدعم السريع على مناطق واسعة من البلاد، وغياب الجهاز المصرفي في تلك المناطق، مما قد يزيد من احتمالية لجوء هذه القوات لأساليب بديلة، وينشأ بالتالي نظامان ماليان في البلاد.
مبررات وعقبات
قال بنك السودان المركزي إن الهدف من قراره هو "حماية العملة الوطنية، وتحقيق استقرار سعر صرفها، والمساعدة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي، ومعالجة الآثار السالبة للحرب الدائرة بالبلاد لا سيما عمليات النهب الواسعة لمقار البنك وشركة مطابع السودان للعملة في الخرطوم، وما نتج عن ذلك من انتشار كميات كبيرة من العملات مجهولة المصدر وغير مطابقة للمواصفات الفنية من فئتي الألف جنيه والخمسمائة جنيه، الأمر الذي أدى إلى زيادة مستوى السيولة النقدية بشكل واضح، وكان له الأثر السالب على استقرار المستوى العام للأسعار".
لكن بالنسبة للخبير المالي والمصرفي عمر سيد أحمد، فإن العملية برمتها لم تراعِ الالتزام بالعديد من القواعد الواجب اتباعها في حالات تغيير العملة، التي تتطلب تحضيرات مسبقة.
وقال سيد أحمد لموقع "سكاي نيوز عربية": "أتوقع نتائج كارثية للخطوة في ظل الظروف الحالية التي تعيشها البلاد المنقسمة من حيث السيطرة الجغرافية بين الجيش وقوات الدعم السريع".
صعوبات محتملة
وفقا للبنك المركزي، فإن المصارف التجارية وفروعها ستستمر باستلام العملات من فئتي الألف والخمسمائة جنيه من السكان وتوريدها وحفظها في حساباتهم، وتمكينهم من استخدام أرصدتهم عبر وسائل الدفع المختلفة، لكن مراقبين شككوا في إمكانية نجاح الخطوة في ظل توقف أكثر من 300 فرع من أفرع البنوك المقدر عددها بنحو 430 فرعا في مختلف أنحاء البلاد.
وفي هذا السياق، يرى المحلل الاقتصادي وائل فهمي أن "واحدة من السلبيات المصاحبة لقرار البنك المركزي عدم تحديد مدى زمني بعينه لعملية الإحلال"، معتبرا أن ذلك "سيساعد على عمليات غسيل الأموال التي تصاحب مثل هذه الحالات".
وفي حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، يشير فهمي إلى صعوبة أخرى تكمن في حالة "اللا استقرار" التي يعيشها السودانيون حاليا في ظل اتساع رقعة الحرب وتزايد حالات النزوح، ويوضح: "غياب فروع المصارف في الولايات المتضررة بالحرب والمناطق النائية والقرى سيجعل من الصعب تجميع كل الأوراق النقدية القديمة".
كما يحذر فهمي من أن تؤدي الخطوة إلى تقسيم إداري واقتصادي في البلاد.
بعد سياسي
تزايدت الشكوك حول المغزى الرئيسي من عملية التغيير الأخيرة التي جاءت بشكل مفاجئ، وسط اتهامات بمحاولة اتخاذ الخطوة غطاء لطباعة أوراق نقدية بلا تغطية مصرفية في ظل الشح الشديد في الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية في البنك المركزي، ووسط تقارير تشير إلى صعوبات كبيرة في تمويل العمليات القتالية والمجهود الحربي.
كما عزتها بعض الأطراف لأسباب سياسية، واعتبرت قوات الدعم السريع في بيان الأسبوع الماضي قرار تغيير العملة "خطوة تمهيدية في سياق مخطط تقسيم السودان وفصل أقاليمه".
ورغم المطالب المتكررة بتغيير العملة لضبط الكتلة النقدية السائبة المتداولة خارج النظام المصرفي والمقدرة بنحو 90 بالمئة من إجمالي الكتلة النقدية في البلاد، البالغة نحو 900 تريليون جنيه، فإن البنك المركزي ظل طوال السنوات الماضية يرفض تلك المطالب بدعوى ارتفاع تكاليف الطباعة التي قدرتها تقارير سابقة بنحو 600 مليون دولار.
لكن في الجانب الآخر، يبدو أن هنالك عوامل منطقية تدعم خطوة تغيير العملة، رغم الشكوك الكبيرة المثارة حول توقيتها والظروف والأوضاع التي تمت فيها.
وبعد اندلاع الحرب في منتصف أبريل 2023، تدهور سعر صرف الجنيه السوداني بشكل كبير، حيث يجري تداول الدولار الواحد حاليا عند نحو 2300 جنيه مقارنة مع 600 جنيها قبل اندلاع الحرب، كما ارتفعت معدلات التضخم بشكل غير مسبوق، حيث ارتفعت أسعار السلع الأساسية بنسب وصلت إلى 400 في المئة.